الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المعلم على خطى عزيز

المعلم على خطى عزيز

30.01.2014
محمد خلفان الصوافي


الاتحاد
الاربعاء 29/1/2014
كلما اشتدت أزمة سياسية في دولة عربية وتطلب الأمر تدخلاً دولياً لمعالجتها، أخذ المواطن العربي يضع يده على قلبه إلى حين انتهاء الخطاب السياسي للفريق "الدبلوماسي" الذي يمثل النظام، كما يحدث الآن في الحالة السورية.
الخطاب السياسي في مثل هذه المواقف يفترض منه تهدئة مشاعر الرأي العام العالمي، وكسب تأييد الشعب حول "عدالة قضيته" التي أتى الفريق الدبلوماسي من أجل الدفاع عنها وكشف الحقائق للناس في أقصر وقت ممكن. ولكن للأسف الشديد، فإن مثل هذا الفريق كثيراً ما يتسبب في خسارة القضية منذ بداية خطابه.
أفضل شخص كان يمكنه أن يقدم تحليلاً لخطاب وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم في جنيف هو طارق عزيز، وزير الخارجية العراقي في عهد صدام حسين؛ إذ إن هناك كثيراً من التشابه بين الاثنين في الموقف السياسي والمكان.
كثيراً ما تسبب فريق يفترض منه "إدارة الأزمة" في الدول العربية بزيادة تعقيدها حتى يتحول الأمر إلى "أزمة" في إدارة أزمة أو يتسبب في إفشالها، إما لفقدان المصداقية لدى الشعب باعتبار أنه يتعامل بـ"العجرفة" وعدم الإدراك بأن المواطن العربي مطلع على حقيقة ما يحدث، أو لأنه غير مدرك بأن للإعلام وجهاً آخر "غير تسويق" النظام؛ فهو أحياناً يكون المرآة التي تفضح ترميمات النظام، وأعتقد أن هذا ما حدث في جنيف2.
نظام بن علي في تونس تجاهل الشعب فكانت النتيجة سقوط النظام، ونظاما "حسني مبارك" و"الإخوان" في مصر؛ لم يجيدا التعامل مع الإعلام بالصورة الصحيحة فكان مصيرهما النهاية. وتزداد المشكلة عندما تكون إدارة الأزمة مع الخارج كالحالة العراقية في نظام صدام حسين والحالة السورية التي تعيد اليوم رسم التفاصيل الكاملة.
وبغض النظر عن صحة أو خطأ موقف نظام الأسد في طريقة إدارته للأزمة السياسية في بلاده، والتي كشفت بالطبع كثيراً من المآسي الإنسانية، فإن خطاب وليد المعلم خلال هذا الأسبوع في جنيف وأسلوب إدارة الفريق الدبلوماسي المرافق له للأزمة، يؤكد أن السياسة في بعض الدول العربية تمارس من قبل القائمين عليها كـ"هواية" وليس باعتبارها احترافاً يقوم على النظر إليها كعمل تنبغي إجادته بالطريقة الصحيحة.
هناك فرق كبير بين أن تمارس السياسة باعتبارها عملاً احترافياً تبرز فيه ولاءك للنظام الذي تنتمي إليه وتدافع عنه- وهذا ليس عيباً بالطبع- وبين أن تعمل على استفزاز الآخرين في وقت يحتاج النظام فيه إلى الدعم السياسي وتغيير الانطباع السياسي السيئ عنه. هناك في السياسة ما يسمى "شعرة معاوية"، غير أن كثيراً من الساسة العرب لا يرغبون في استخدامها.
"فن التراجع" في اللحظات التي يمكن أن تكون حاسمة لا يدركه من تعود التقليل من الآخر، وهنا الفرق بين احتراف السياسة وممارستها كهواية، وربما كانت هذه المرونة هي التي افتقدها نظاما صدام حسين ومعمر القذافي، واليوم يبدو بشار وكأنه يسير على نهجهما.
معروف عن وليد المعلم، ومعه بثينة شعبان، أنهما من الوجوه الدبلوماسية السورية التي أسهمت في تغير انطباع العالم عن النظام البعثي السوري، بل إن المعلم هو الذي غيّر اتجاه العلاقات الدبلوماسية بين بلاده والعالم إلى الأفضل بـ"ابتسامة". ومعروف عن طارق عزيز أنه كان الشخصية الداهية في نظام صدام وأنه كان يبطل فعالية فتيل القنبلة في اللحظة المناسبة قبل انفجارها في وجه صدام، لكن يبدو اليوم أنه مثلما فعل طارق عزيز في جنيف يفعل المعلم، وربما يسهم في تسجيل بداية النهاية للنظام.
"دعوهم يتكلمون"، هذه قاعدة معروفة إعلامياً عند الذين يترصدون بعض الأنظمة السياسية المعروفة بعدم شفافيتها. على اعتبار أن حجج ومبررات الذين يدافعون عن هذه الأنظمة ضعيفة وتكشف عنجهية من يتكلمون عن النظام. ينبغي أن تحترم عقول الرأي العام المتابع للقضية وإلا تكون سبباً لخسارته.
بعض دوائر صنع القرار السياسي في الغرب تشجع على أن تظهر مثل تلك الشخصيات كي تسهم في فقدان المصداقية، وربما كان المعلم قد وقع في المحظور وتبعه الأسد عندما ذكر أنه يفكر في ترشيح نفسه للانتخابات القادمة، وهي مسألة لا تستفز السوريين فقط، بل العالم كله، بما فيه روسيا التي بدأت تشعر بأن جرائم هذا النظام تحرجها.
أحياناً يتملكنا شعور بالرغبة في أن يبتعد بعض الدبلوماسيين "الهواة" عن ممارسة السياسة على الأقل، باعتبار أن بعض الدول العربية دول محورية في النظام الإقليمي العربي.
ما يحتاجه نظام الأسد حالياً هو نفسه ما كان يحتاجه صدام حسين كي لا يحدث له وللعراق ما حدث... إنه نقل الحقيقة من الفريق السياسي الذي يعمل معه، والشعور بالحاجة إلى احترام عقلية الإنسان باعتباره أصبح قادراً على التمييز. الخوف من نقل الحقيقة دمر دولاً، وهذا ما يبعث على القلق خلال ما شاهدناه في تفاصيل مؤتمر جنيف2. فدور المعلم لم يخرج عن الدور الذي لعبه طارق عزيز.
مصداقية نظام الأسد؛ إن كانت موجودة أصلا؛ أظن أنها تراجعت بشكل كبير بعد خطاب المعلم، وفقدت بريقها، بل إن الذين كانوا يدعمون النظام، مثل إيران، ربما سيتخلون عنه؛ لأنه لا يعرف كيف يساعد نفسه بعدما ورّط الجميع.
العمل السياسي الذي يقوم على "فن الممكن" يختلف عن التعامل الذي يحكم التصلب في المواقف السياسية، فالدول التي تعاملت بفن الممكن قللت من آثار "الربيع العربي"، أما التي تصلبت فشهدت نهاية أنظمتها.
قد لا أشك في عفوية المعلم كشخص في الخطاب باعتباره ممثلا للنظام السوري، وهو يذكرنا بناجي صبري الحديثي، وزير خارجية العراق أثناء مؤتمر شرم الشيخ في مصر، على الأقل من حيث الهدوء، عندما تقدمت دولة الإمارات العربية المتحدة بمبادرة خروج صدام حسين حماية للشعب العراقي، لكن الفريق الدبلوماسي العراقي اختار التورط في لعبة إنكار الحقائق، فكانت النتيجة خسارةً للعراق والعالم العربي ككل. وذلك المعلم فإني أجد أنه وضع مسماراً في نعش النظام السوري بعدما أكد عدم إجادته فن اللعب والاحتراف السياسي.