الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المعلوم والمستور في لعبة الدستور

المعلوم والمستور في لعبة الدستور

17.11.2019
عماد غليون


جيرون
السبت 16/11/2019
المعلوم من عمل اللجنة الدستورية أنها مكلفة بإعداد دستور جديد والتحضير لإجراء الانتخابات المقبلة على ضوئه، لكن المستور والأخطر وراء إطلاقها يأتي من مخاوف أن تكون اللجنة مقدمة لتقسيم أو فيدرالية أو فرض نظام سياسي لا يُرضي طموحات السوريين ويرتكز على محاصصات طائفية وقومية.
لا تخفى أولوية إنتاج عقد اجتماعي أو دستور جديد، لإعادة الاستقرار في بلاد عاشت حالة عاصفة من صراعات وفوضى، نتجت عن اندلاع انتفاضات أو حركات احتجاج وثورات اندلعت بهدف إحداث تغييرات جذرية، لكن الاعتراض على اللجنة الدستورية يأتي أولًا لتشكيلها بشكل غير شرعي أو دستوري، وفرضها على السوريين من خلال مسار أستانة بين روسيا وتركيا وإيران، ثم منحها صلاحيات مؤتمر وطني تأسيسي، وتاليًا لتسمية أعضاء اللجنة من قبل الدول الفاعلة في الملف السوري والداعمة والراعية، سواء لنظام الأسد أو المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، ثم للدور المتوقع لهذه اللجنة في هدر الوقت بلا طائل، وصولًا إلى تعويم نظام الأسد دون تحقيق انتقال سياسي حقيقي يلبي مطالب السوريين في الحرية والعدالة، إضافة إلى مخاوف فعلية من إنتاج دستور يكون بمنزلة قنبلة موقوتة قابلة للانفجار مع أي تضارب في المصالح الإقليمية والدولية، وهو ما تزال تعاني منه دول مرت بتجارب مماثلة في أفغانستان والعراق ولبنان.
تجاوز تشكيل اللجنة الدستورية قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بعملية انتقال سياسي وفق القرار 2254، وعلى الرغم من إضافة أعمال اللجنة إلى محتوى القرار المذكور، فإنها بقيت غير معبّرة عن الإرادة الحرة للشعب السوري، لكنها مثلت تحولًا جذريًا في الموقف الدولي تجاه الملف السوري، حيث يجرى تمييع وتحجيم شروط الحل السياسي نحو مجرد إصدار دستور جديد وإجراء انتخابات على أساسه، من دون الإشارة إلى كيفية تحقيق العدالة الانتقالية ومصير نظام الأسد، وانعكس ذلك بوضوح في كلمات أعضاء اللجنة، مع افتتاح أعمالها، التي تجنبت ذكر الأسد ورموز أجهزته الأمنية القمعية دون تحميلهم مسؤولية مباشرة عن مأساة السوريين، واتجهت إلى تحميل كل الأطراف مسؤولية مشتركة في أفضل الأحوال، وهو ما يشير إلى توجهات اللجنة وتأثير الضغوط الخارجية المباشر على أعضائها ومسار عملها بشكل يرضى عنه نظام الأسد.
لا يمكن التعويل على تحقيق حل سياسي مستدام، من خلال دستور مفروض دون التمثيل الصحيح للسوريين ومشاركتهم في صياغة مستقبلهم، ومن الأجدر العمل على مسار انتقالي واضح المعالم، يؤسس لمستقبل راسخ وللحؤول دون إبقاء البلاد معرضة للهزات العنيفة وخطر الانفجار، كما يؤدي تمرير دستور إشكالي غير مكتمل الجوانب إلى تأثيرات سلبية على الصعيد الوطني، يصبح من الصعب تجاوزها، والعجز عن تعديل الدستور فيما بعد أو إنتاج دستور جديد.
وعلى الرغم من المآخذ والتحفظات الكثيرة المحيطة باللجنة الدستورية وطبيعة عملها، فإن هناك فرصة ضئيلة لتحقيق إنجاز ما في حال توفر نوايا طيبة من نظام الأسد في اللحظة الأخيرة، وتستفيد عندها اللجنة من الدعم والغطاء الدولي الذي تحظى به.
تتشابه معظم دساتير العالم حتى السيئة منها في التأكيد على الحقوق والواجبات والحريات، وما يميز دستور دولةٍ ما نصوص خاصة تحدد نظامها السياسي، وتتوافق مع تركيبتها الاجتماعية والسياسية، كما تلائم الظروف والحاجة التي دفعت إلى إنتاج عقد اجتماعي جديد، وقد تبلورت العديد من الملامح الأساسية التي ينبغي عدم تجاوزها في الدستور السوري العتيد.
تعطي صياغة مقدمة الدستور انطباعًا مباشرًا عن طريقة تعاطي المشرعين في التعبير عن الإرادة الشعبية من خلال النصوص الدستورية، ويبدو من تركيبة اللجنة الدستورية أنها تبحث عن نصوص سائبة أو محايدة يقبل بها نظام الأسد، بينما يستدعي الحفاظ على المصلحة الوطنية وضع نصوص تؤكد وتمجد وقائع الثورة السورية وشهدائها، وتشير إلى مسؤولية نظام الأسد الرئيسية عن أعمال القتل والتعذيب والتدمير والتهجير واستجلاب قوى الاحتلال الخارجي.
يجب أن يضمن الدستور العتيد التداول السلمي للسلطة، وتعزيز الفصل بين السلطات، واستقلالية القضاء، وإبعاد الجيش وأجهزة الأمن من لعب أي دور سياسي أو ممارسة أي نفوذ، وكذلك رفض القبول بأي محاصصات طائفية أو قومية لتقاسم السلطة، ومن تجارب السوريين المريرة منذ الاستقلال مع الانقلابات العسكرية ونظام الأسد، يبدو أن النظام البرلماني هو الأكثر قبولًا وملاءمة للواقع السوري المستجد بعد الثورة، ومع تطبيق نظام اقتصادي حرّ يضمن التنمية المتوازنة والمستدامة، يجب تكريس منظومة ضمان اجتماعي عادل، وفي السياسة الخارجية لا بدّ من التزام الحياد وعدم الدخول في سياسات المحاور والأحلاف الإقليمية الدولية.
بين المعلوم والمستور في قصة اللجنة والدستور الموعود، يجب ألا نكون ضحية وهم في انتظار انتقال سياسي، وألا نعتقد أن ذلك يكمن بإصدار دستور جديد أو تعديل بعض النصوص الدستورية، ويجب ألا يغيب عن بالنا أن نظام الأسد ما يزال موجودًا مع أجهزته القمعية المخابراتية، كما تعج البلاد بقوى احتلال خارجي وقواعد عسكرية تنتهك كامل السيادة الوطنية.