الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المقاومة كأيديولوجيا متمذهبة

المقاومة كأيديولوجيا متمذهبة

26.01.2016
ماجد الشّيخ



الحياة
الاثنين 25-1-2016
لا تختلف الدول "الدواعشية" المتمذهبة، في مآلات تحولها إلى دول ميليشيوية أكثر استبداداً وطغياناً، عن دول حولت وطنياتها إلى "مدنس" عملت على تحطيمه، في مقابل "مقدس" موهوم تعمل على تكريسه، تحت راية تسمى "المقاومة" وكانت من قبل تتوسم "الممانعة" اسماً والخضوع والطاعة فعلاً وواقعاً. ولئن كان ويكون للثقافة مقاومتها الطبيعية، فأين هي ثقافة المقاومة عند أدعياء المقاومة بمفهومها أو مفاهيمها الطائفية والمذهبية؟ لا سيما ونحن نشهد لسرديات تغرق في لجج سحيقة من أرمدة السلطة، وهي تقولب "ثقافة المقاومة" وتعسكرها، وتحولها إلى أيديولوجيا غرائزية مقيتة، تحيلها إلى مجرد سلطة تسبح في العماء، بلا قضية سوى قضية الدفاع عن الاستبداد وأنظمته، وعن السلطة وطغيانها.
لا تصح المقاومة كنزوع تحرري، إلا في ظل وجود قضية تدافع عنها، وفي غيابها لا يبقى من المقاومة سوى ادعاءاتها، وهي تكافح ضد وحدة الدولة المدنية والمواطنية والمجتمع والجماعات، لتروم الانقسام والتشتت والتفرقة والتفتت عنواناً لحربها أو لحروبها الأهلية المستدامة، على ما هو حال مقاومة غرائزية بلا قضية، وفي المقابل كما هي حال القطعان "الداعشية" وهي تمزق الأوطان والمجتمعات وأفرادها وجماعاتها وحتى العائلات والأسر، كما تجلت وتتجلى في قتل الأبناء لوالديهم أو لأشقائهم أو لأحد من أقربائهم، وكانت آخر تلك "المقاتل" إعدام "داعشي" لوالدته بزعم "الردة"، لأنها نصحته بترك "داعشيته" والعودة إلى الحضن الطبيعي للعيش السوي الكريم.
بالطبع يختلف دخول الروسي في الجوهر، على خط "المقاتل المقاوماتية"، عن دخول الإيراني بميليشياته على خط الدفاع عن نظام الاستبداد الذي أشبع شعبه أحكاماً بوليسية وأمنية وقمعية، ولكنهما يلتقيان عند نقطة الحفاظ على هذا النظام وتبعيته لهما، فأي "مقاومة" يمكنها الدفاع عن نظام من هذا الطراز، لا تهمه من أمور الدنيا سوى سلطته؟ وأي "مقاومة" تلك التي تحتقر شعباً بكامله، لتحاصر بعضه، وتدافع عن بعض آخر، كونه من "قبيلته" ومن أتباع مذهبه، أما المواطنية فلتذهب إلى الجحيم، وكل هذا من أجل تسييد مشروع إمبراطوري ونظام بوليسي، لم يقم وزناً أو يقدم طاعته إلا لحماته الخارجيين، وأطماعهم الإقليمية والدولية، في حين استمر يتجاهل أو يستهين بقضيته الوطنية، أي قضية احتلال قسم من أرضه في مرتفعات الجولان.
في الخلاصة، فإن أيديولوجيا السلطة القهرية المتمذهبة، لا تنتج ولا يمكن أن تنتج، أي شكل أو أي نوع من أنواع الثقافة، فكيف بالأحرى بالمقاومة التي عرفتها شعوب لم تفرط، بل حافظت على تنوعها وعلى وحداتها الوطنية والمجتمعية والقومية وانتصرت، بينما ذهبت وتذهب مقاوماتنا الموهومة طواعية نحو التفتيت والتجزئة، ونحو الانتحار ونحر قضاياها، على مذبح انحيازاتها لهويات صغرى، هي الأخرى عرضة لما هو أكثر من التفتيت والتبدد.
* كاتب فلسطيني