الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الملكُ والحلُّ السياسيُّ في سوريا..

الملكُ والحلُّ السياسيُّ في سوريا..

22.05.2013
محمد حسن التل

 محمد حسن التل
الدستور
الاربعاء 22/5/2013
بمناسبة انعقاد مؤتمر أصدقاء سوريا في عمان اليوم، لابدّ من الإشارة إلى أنه ومنذ اليوم الأول من اندلاع الثورة السورية - التي تحولت إلى أزمة إقليمية ودولية- إلى أن الأردن قدّم نصائح كثيرة للنظام السوري، والرئيس الأسد، بالذات تتلخص بضرورة استيعاب هذا النظام، لمطالب شعبه ومحاولته الوصول مع الشارع السوري، إلى حلّ يجنب سوريا ما يعصف بها الآن، ولكن للأسف تعنّت النظام، وإصراره على استعمال القوة، في مواجهة مطالب الشعب السوري، جعل الأمور هناك تتعقد، ويكون الثمن باهظاً على السوريين ووطنهم.
جلالة الملك عبدالله الثاني منذ البداية أشار إلى الحلّ السياسي، وبذل جهودا كبيرة على المستويات العربية والإقليمية والدولية، للوصول إلى حل يحمي مصالح الشعب السوري، ويجنبه مخاطر الاقتتال، ويجنب كذلك المنطقة كلها الفوضى. وحافظ في الوقت ذاته على موقف متوازن من الأزمة، ولم ينحاز إلى أي طرف على حساب الآخر، لأنه يعلم أن الانحياز في هذه الأزمة، لا يخدم الحلّ المنشود، ولا نعلن سراً أن الأردن تعرض لضغوط كبيرة في هذا المجال، ولكنه حافظ على موقفه متحملاً كل الضغوط، ولم يتورط ميدانياً وسياسياً، متمسكاً بالثوابت الثلاث، لا حل عسكريا، ومن غير الممكن دخول القوات الأردنية إلى جنوب سوريا، ولن تكون الأراضي الأردنية معبراً لأي قوات إلى سوريا، في الوقت ذاته قدم كلّ ما يملك من إمكانيات، منذ اللحظة الأولى، لوصول أول لاجئ سوري إلى الأردن طلباً للحماية والأمان، وتحمل في سبيل ذلك الكثير، إذ تجاوز عدد اللاجئين لدينا النصف مليون، وما أدراك ما يعني هذا الرقم، من ضغوطات على البنية التحتية والاقتصاد العام، في بلد يعاني أصلاً من ضائقة على مستوى الموارد الطبيعية والاقتصادية، وتحمل الأردن كل تداعيات وانعكاسات هذا الوضع، وسط دعم عربي ودولي خجول وأصرّ أن تظل حدوده مفتوحة أمام الأشقاء السوريين، دون كلل أو ملل. وتحمل الجيش الأردني وكل الجهات المعنية كل ما عليها من مسؤوليات وواجبات، في سبيل أن يكون الأردن ملجأً آمناً، للهاربين من القتل والدمار في سوريا، دون الالتفات إلى الفاتورة المالية الضخمة التي تتحملها ميزانية الدولة في هذا الاتجاه.
وبموازاة هذا الخط ظلّ الملك مصراً أيضاً، على رأيه في الحلّ السياسي، عاملاً على تقريب وجهات النظر الدولية في هذا الشأن، خصوصاً واشنطن وموسكو، ومحاولة كسر حالة الجمود الدولي، في التعاطي مع استحقاقات الأزمة السورية، والتركيز على أنه لا بديل عن الحل السياسي للأزمة في سوريا، حماية لكل الأطراف وأمن المنطقة بالذات، حيث طرح في زيارته الأخيرة إلى واشنطن فكرة تشكيل تيار دولي، بقيادة مركزية لإلزام الأطراف السورية بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، للوصول إلى الحل السياسي، الذي يضمن للشعب السوري تحقيق تطلعاته في الحرية والعدالة، ويحمي وطنهم من التقسيم والاقتتال الطائفي والمذهبي والعرقي البغيض.
في النتيجة وعلى الواقع، أثبتت الأحداث الجارية على الأرض السورية، أن الرأي الذي قدمه الأردن، بضرورة اللجوء منذ البداية، إلى الحل السياسي لحل الأزمة هناك، هو المسار الذي لا غنى عنه ولابدّ منه، وأنه المسار الوحيد الذي يستطيع أن ينقذ ما يمكن إنقاذه في سوريا، من الدّمار والوحدة السورية، كذلك يمثّل هذا المسار حماية كبيرة للمنطقة، التي باتت مهددة بلهيب النّار السورية، التي تتدافع لتكون خارج الحدود. أما الذين يسعون إلى الخندقة وإلى دفع الأمور، لتصل إلى حائط الطائفية والمذهبية، فإنهم بذلك يساعدون الشيطان، عن العقول التي غاب عنها التفكير، منذ ما يقارب الثلاثة أعوام.
الأردن له مصلحة كبيرة باتجاه استقرار الأمور في سوريا، وعودة الحياة إلى طبيعتها هناك، وبالتالي فإنه ينطلق من منطلقات قوميّة ووطنيّة وإقليميّة، وكل هذه الأسس تمثل حالة شراكة طبيعية مع سوريا، لذلك من العقل بمكان الاستماع له، وأخذ مواقفه وآرائه على محمل الجد، من قبل كل الأطراف، لأنها تعبّر عن تفكير واقعيّ، ذي مصلحة حقيقيّة في استقرار سوريا...