الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الملف الإنساني .. مع تزايد رقعة الأزمات في المنطقة

الملف الإنساني .. مع تزايد رقعة الأزمات في المنطقة

26.06.2014
علي الرشيد



الشرق القطرية
الاربعاء 25/6/2014
قبل بداية القرن الحالي كانت مفردتا النزوح واللجوء المحفوظتان في ذاكرة الإنسان العربي مرتبطتين بالشعب الفلسطيني، فقط بسبب احتلال أرضه من قبل الكيان الصهيوني فقط، لكن منذ ثلاث سنوات ونيف صارت تلافيف هذه الذاكرة تتسع لتشمل الشعب السوري، والخشية أن يتسع الأمر ليصل اليوم إلى العراق كما تشي تطورات الأحداث الدائرة هناك، والتي كان من أكثر دلالاتها التي تعبّر عن تفاقم الأوضاع الإنسانية فيها إعلان حكومة إقليم كردستان العراق عن استقبالها نحو ثلاثمائة ألف نازح من مناطق الاشتباكات في البلاد خلال الأيام القليلة الماضية، وإعداد مخيمات لهم على عجل.
سجّل السوريون أعلى نسبة لجوء في العالم خلال السنتين الأخيرتين بسبب الحرب، حيث وصل عدد النازحين داخل سوريا واللاجئين خارجها إلى أكثر من 9,3 مليون، بينهم أكثر من 6,5 مليون نازح داخلي داخل سوريا مع بداية شهر نوفمبر 2013 (الأمم المتحدة)، و2,8 مليون لاجئ في بلاد الجوار مع حلول شهر مايو 2014 (مفوضية اللاجئين). و1,2 مليون طفل سوري لاجئ، من بينهم 425,000 طفل تحت سن الخامسة.
تطورات الأحداث تفرض على أصحاب العلاقة والمهتمين الالتفات بشكل أعمق للملف الإنساني والإغاثي الذي ينتظر أن يطول أمده ويتسع نطاقه ويزداد تعقيدا، كما تكشف تطورات الأحداث في المنطقة، حتى لا يبقى العالم متفرّجاً على تلك المأساة، مكتفياً بجعل أخبارها مادة إعلامية جافة، لا تحرك المشاعر، ولا تثير حتى الدموع.
التدخل في الكوارث الطبيعية والاستجابة لها مهما بلغت آثار تدميرها لا يقارن بالحروب، خصوصا الحروب الأهلية وحروب الاستنزاف كالتي نشهدها في سوريا والتي نتوقع توسع نطاقها بكل أسف في العراق وربما في غير العراق، ذلك لأن الأخيرة تجمع بين التدمير وانعدام الأمن وطول مدة الأزمة، بالتالي حجم التبعات والمعاناة والاحتياجات الإنسانية التي تتضاعف، فضلا عن تأثر السلم الاجتماعي بين مكونات المجتمعات.
قبل عامين افتتحت الحكومة الأردنية مخيم الزعتري وفي شهر مايو الماضي افتتحت مخيما آخر للاجئين السوريين في منطقة الأزرق، ليكون بذلك أضخم مخيّم مساحة في البلاد، وهو أحد مؤشرات اتساع نطاق تبعات الأزمة.
التعامل الدولي مع هذه الأزمات/ الحروب لا يزال مجزوءا ناقصا، فالمجتمع الدولي لم يردع المجرم منذ البداية ولم يمارس عليه الضغوط الكافية، ولم يأخذ على يديه منذ أن كانت المظاهرات سلمية في سوريا والعراق، ولم يثنه عن استخدام الطائرات والمدافع المصوّبة تجاه المتظاهرين والمدنيين ولم يقيموا مناطق يحظر فيها استخدام سلاح الجو .. وهو ما أدى لتفاقم الأزمات وعسكرة الثورات، وازدياد حدة الصراعات والنعرات الطائفية وتهديد السلم الاجتماعي، ثم لم يقم بتلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية بشكل كافٍ للنازحين واللاجئين، ولم يتمكن من فك الحصار الذي يتسبب بالمجاعات والأمراض.. والخشية تبعا لذلك أن تتحول المنطقة برمتها إلى قنبلة موقوتة.
ولأن المجتمع الدولي مقصّر ولم يقم بواجبه الأخلاقي إزاء استمرار نزيف الأزمة في منطقتنا ووقف معاناة الشعوب المتأثرة بها، فلابد أن يعطى الملف الإنساني الإغاثي الاهتمام الكافي من قبل بعض الأنظمة التي تناصر المظلومين في منطقتنا العربية، كم لابد أن يحظى بالاهتمام من قبل المنظمات الإنسانية الدولية والعربية والإسلامية، ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الخيرية السورية والنشطاء العاملين في المجالات الاجتماعية والإغاثية، ويكون هذا الاهتمام على النحو التالي:
ـ استمرار إعطاء الشأن الإغاثي للشعوب بالحروب والصراعات الأولوية في برامج ومشاريع وأنشطة وموازنات المنظمات الإنسانية الدولية والعربية والإسلامية.
ـ تشكيل وتدريب الكوادر العاملة في هذا المجال من أبناء الشعوب المتأثرة، وتطوير هيكليات وآليات عمل المؤسسات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني والفرق التطوعية المحلية، نظرا للحاجة إليها في التحرك على الأرض لأكثر من سبب.
ـ الحاجة إلى الحملات الدورية المتواصلة التي تدعم تمويل البرامج والمشاريع الإنسانية التي تنفذ تباعا، وإلى حملات التوعية بما تعانيه هذه الشعوب في الجوانب الحقوقية وغيرها والحشد والمناصرة لقضاياها العادلة.
ـ تطوير تصميم وأداء برامج ومشاريع وأنشطة وخدمات هذه المنظمات والفرق، والإبداع فيها وابتكار حلول ومقاربات مبنية على ما هو موجود على الأرض، وتغطية الجوانب الناقصة التي يقل فيها التدخل.
ـ التنسيق بين الجهات الناشطة في المجالات الإغاثية، سواء على مستوى الجهات المحلية الناشطة في الميدان، أو على مستوى جميع المؤسسات الإنسانية عموما، بقصد تكامل الجهود، وعدم تكرارها سواء من حيث النوعية أو مناطق التنفيذ والتركيز على الأولويات في هذا الجانب.
ـ الاعتماد على المشاريع التي تجعل المتأثرين يعتمدون على أنفسهم معيشيا، سواء من خلال التعليم والتدريب والمشاريع المدرة للدخل.
وربما تكون لهذه التذكرة ( المقال) أهمية خاصة ونحن نتفيأ ظلال شهر رمضان المبارك.. شهر الخيرات والبركات، عسى أن يكون حافزا لأصحاب الشأن والمهتمين على التفكر في هذا الأمر، وتقليبه من جوانبه المختلفة، وإيجاد التصورات والحلول المناسبة له.. بعيدا عن الارتجالية والتفكير العشوائي والنظرة القاصرة في التعاطي مع هذا الملف.. و"من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".