الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الملف الإيراني وقرارات ترامب الأخيرة 

الملف الإيراني وقرارات ترامب الأخيرة 

07.12.2020
صادق الطائي



القدس العربي 
الاحد 6/12/2020 
مثل الملف الإيراني عقدة محورية في الكثير من سياسات إدارة الرئيس دونالد ترامب الخارجية، إذ اعتبر هذا الملف الكفة الأولى التي تقابلها كفة الأمن القومي الإسرائيلي، وعبر توازنات هاتين الكفتين رسمت سياسة ترامب كل الخطوات والقرارات التي أتخذها طوال السنوات الأربع التي قضاها في البيت الأبيض. 
وفي البدء مثل الملف الإيراني أحد المحاور الأساسية في حملة دونالد ترامب الانتخابية عام 2016 فقد أطلق حينذاك مجموعة تعهدات في مقدمتها الخروج من الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع مجموعة دول “5الاحد 6/12/20201” الذي نزع فتيل أزمة التوتر النووي في الشرق الأوسط. وقد أدان دونالد ترامب سلوك إدارة الرئيس أوباما واتهمها بتقديم تنازلات كبيرة وغير ضرورية لإيران، الأمر الذي مكن إيران من  تملك القوة والنفوذ للتوسع في منطقة الشرق الأوسط وفرضها توازنا قلقا يهدد بالانفجار في عدة محاور أهمها بلدان الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة في الخليج وإسرائيل. 
بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في آيار/مايو 2018 ابتدأ ترامب بإطلاق حزم العقوبات الاقتصادية على إيران، والغاية تنفيذ سياسة تصفير تصدير البترول مما يعني موتا محققا للنظام الحاكم في إيران، إذ يشكل البترول العصب الرئيسي في الاقتصاد الإيراني. ومع صمود وتحمل الخسارات الكبيرة التي مني بها الإيرانيون من دون ان ينهار النظام ويجلس لطاولة المفاوضات مع إدارة ترامب، تصاعد التوتر بين الطرفين ليصل إلى حافة الحرب الشاملة، عندما أسقط الإيرانيون طائرة أمريكية مسيرة في حزيران/يونيو 2019 وقد توقع العالم ردا عسكريا من إدارة ترامب عبر توجيه ضربة عسكرية لمواقع إيرانية، لكن هذه الضربة أوقفت بأمر من ترامب شخصيا في اللحظات الأخيرة. 
حزم العقوبات 
التوترات أخذت بالتصاعد من مطلع العام الجاري، إذ اغتالت القوات الأمريكية الجنرال قاسم سليماني ونائب هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس مطلع شهر كانون الثاني/يناير بضربة بطائرة مسيرة قرب مطار بغداد، مما أدى إلى توتر الصراع وتصاعده والنتيجة كانت توجيه ضربة صاروخية إيرانية للقواعد الأمريكية في العراق في محافظتي الأنبار وأربيل، كما اتهمت إيران بالوقوف وراء مهاجمة حركة الحوثيين اليمنية للمنشآت النفطية في السعودية وناقلات البترول في الخليج، مما أدى إلى تصاعد التوترات عدة مرات والتهديد بتوجيه ضربات صاروخية لإيران، إلا إنها توقف في اللحظة الأخيرة. 
تصاعد التوتر بشكل كبير بين الولايات المتحدة وإيران مع فرض حزم العقوبات، وقد بدا إن غاية إدارة ترامب وضع أكبر قدر من العراقيل في وجه الإدارة المقبلة في حال عدم فوز ترامب بولاية ثانية، وهذا ما حصل فعلا، فمنذ إعلان نتائج الانتخابات واتضاح تقدم وفوز جو بايدن، ابتدأت إدارة ترامب تسرع في اتخاذ خطوات غايتها رفع مستوى التوتر مع إيران إلى الحد الذي طلب فيه الرئيس من مستشاريه النصح في امكانية توجيه ضربة عسكرية لموقع نطنز النووي الذي تقوم فيه إيران بتخصيب اليورانيوم الذي تجاوز الحدود المسموحة بها بحسب تقارير مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن وحسب تقرير صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية الذي ذكرت فيه أن رد مستشاري ترامب كان رفض فكرة الرئيس، وأنهم حاولوا اقناعه بعدم المضي قدما في تنفيذ ضربة على منشآت إيران النووية بسبب المخاوف من أن يؤدي ذلك إلى إثارة نزاع أقليمي موسع في الأسابيع الأخيرة من رئاسته. 
كما ذكر موقع “أكسيوس” الأمريكي أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تعد خطة لفرض سيل من العقوبات الإضافية على إيران، قبل مغادرة ترامب للبيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير المقبل، ونقل الموقع عن مصدرين إسرائيليين أن إدارة ترامب تنسق في هذا الشأن مع حكومات في المنطقة الخليجية، ومع إسرائيل. 
العودة للاتفاق النووي 
من جانبه أعلن الرئيس المنتخب جو بايدن بوضوح في مقال له في أيلول/سبتمبر الماضي “إذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم للاتفاق النووي، فإن الولايات المتحدة ستعاود الانضمام إلى الاتفاق باعتبار ذلك نقطة انطلاق لمتابعة المفاوضات” وستُرفع العقوبات التي فرضها ترامب على إيران. 
ويشير توماس فريدمان في مقال له في صحيفة “نيويورك تايمز” بعد مكالمة هاتفية مع الرئيس المنتخب بايدن، إلى أنه من الواضح أن الإيرانيين يأملون في عودة إدارة بايدن إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران. إذ قال وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، في 17 تشرين الثاني/نوفمبر تعليقا على هذا الأمر؛ إن “عودة الولايات المتحدة وإيران إلى الامتثال الكامل للاتفاق يمكن أن يحدث تلقائيًّا، ودون حاجة إلى مفاوضات جديدة”. 
مسألة عودة الرئيس بايدن للاتفاق النووي مثلت ازعاجا حقيقيا للرئيس ترامب وحلفائه في الخليج وإسرائيل، ويظهر أن كل الحلفاء قد لعبوا أدوارا في دفع الأزمة إلى مديات متقدمة لتكريس العقبات في طريق عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي. فكانت الضربة الأخطر في سيناريو التصعيد والمتمثلة باغتيال كبير علماء الطاقة الذرية الإيرانية محسن فخري زاده، في عملية متقدمة جدا من حيث جمع المعلومات وطريقة التنفيذ، والتي لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن تنفيذها حتى الآن، إلا ان الجهات الرسمية الإيرانية اتهمت الموساد الإسرائيلي وبالتعاون مع الأمريكان بالوقوف وراء التخطيط للعملية وتنفيذها. 
في مقال لصحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية سلط الضوء الأسبوع الماضي على التصعيد ضد إيران، إذ بعث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو برسالة واضحة إلى الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن مفادها؛ “سنعارض الجهود الأمريكية للانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 المعروفة باسم الاتفاق النووي الإيراني”. وقال نتنياهو في التأبين السنوي لذكرى وفاة أول رئيس وزراء لإسرائيل، دافيد بن غوريون؛ “لا تعودوا إلى الاتفاق النووي الإيراني السابق، يجب أن نلتزم بسياسة لا هوادة فيها لضمان عدم تطوير إيران أسلحة نووية”. ولفتت الصحيفة إلى؛ أن “بايدن وإيران تلقيا رسالة قوية يوم الجمعة 27 تشرين الثاني/نوفمبر، إذ استُهدف محسن فخري زاده، كبير علماء إيران النوويين، باغتيالٍ مُحكم بالقرب من طهران”. 
والهدف الواضح من هذا التصعيد هو محاولة جر إيران للرد على هذه الضربة العنيفة، وبالتالي ايصال التوتر إلى حدود الانفجار دون إعلان الحرب من الطرف الأمريكي أو الإسرائيلي بشكل رسمي، وبذلك سيكون من الصعب على إدارة بايدن الرجوع بسلاسة إلى الاتفاق النووي. 
لكن الرد الإيراني بحسب المراقبين لن يكون شاملا أو ضمن حرب إقليمية، إذ يتوقع الخبراء العسكريون تنفيذ جهات محسوبة على طهران ضربات في المحيط الإقليمي لإيذاء حلفاء الولايات المتحدة وإسرائيل في الخليج أو اليمن أو العراق أو سوريا، لكن هذه الردود المحدودة بالتأكيد ولن يكون لها صدى الضربة التي أصابت المشروع النووي الإيراني إصابة بالغة باغتيال الرجل الذي يعرف بأنه “ابو القنبلة الذرية الإيرانية”. 
وقد أطلق الإيرانيون تهديدات سابقة موجهة لدولة الإمارات في حال الكشف عن تورطها في نشاطات عدائية إسرائيلية ضد إيران، لكن إدارة ترامب تحسبت للتوتر بإرسال قطع بحرية إلى الخليج، إذ كشف مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية عن تحريك حاملة الطائرات “يو إس إس نيميتز” إلى منطقة الخليج العربي، مع سفن حربية أخرى. وتم الأمر في نفس يوم اغتيال محسن فخري زاده، وحسب شبكة “سي إن إن” فإن “تحريك حاملة الطائرات سيوفر دعما قتاليا مع انسحاب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان” وإن “تحريك حاملة الطائرات إلى الخليج، كان مقررا قبل ورود خبر اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده” إلا إن ذلك لا يعني، أو لا يخفي احتمال التنسيق بين الأطراف الثلاثة أي الإسرائيليين والأمريكيين والخليجيين. 
وتناولت بعض التسريبات الصحافية اللقاء الذي ضم محمد بن سلمان ومايك بومبيو وبنيامين نتنياهو في مدينة نيوم السعودية، إذ اعتبر هذا اللقاء نقطة تحوّلٍ تاريخيةٍ في العلاقات الإسرائيلية-السعودية. وقد تحدّثت تقارير عن أنّ الأطراف ناقشت الملف الإيراني بوصفه ملفاً رئيسياً على طاولة الاجتماع، ففي الوقت الذي أكدّ نتنياهو بأنّ موقفه من إيران لن يتغيّر بتغيّر الحكومة الأمريكية، جاء الردّ السعودي بأن السعودية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام إيران، وجاءت عملية اغتيال فخري زاده ضمن هذا السياق بعد أيام، مما أثار شكوكاً حول توقيته وأهدافه. 
إسرائيل تتوقع ردا إيرانيا محدودا قد يتمثل بتوجيه ضربات لبعثاتها الدبلوماسية، أو مصالحها المنتشرة في دول العالم، لذلك أصدرت خارجيتها تعليمات مشددة لبعثاتها بتوخي الحذر الشديد، لكن من جانب آخر يرى بعض المراقبين أنّ الموقف الإيراني سيتجه إلى مفهوم “الصّبر الاستراتيجي” الذي يُطلق عليه الإيرانيون “صبر راهبردي” والذي سيصل بالفعل إلى نتيجةٍ إيجابيةٍ بوصول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض. وعندها سيكون الانفراج في الوضع الإيراني ردا مناسبا يوجه لإسرائيل ومن طبع معها من دول الخليج.