الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الملف السوري في لقاء بايدن والقاتل 

الملف السوري في لقاء بايدن والقاتل 

15.06.2021
عمر كوش


سوريا تي في 
الاثنين 14/6/2021 
تثير السياسة الأميركية حيال القضية السورية أسئلة عديدة حول كيفيات وحيثيات تعامل الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض معها، ومع تطورات الأوضاع في سوريا منذ انطلاق الثورة في منتصف آذار/ ماس 2011 والقرارات الدولية والأممية التي صدرت بشأنها. وتطاول الأسئلة أولويات الإدارات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، حيث لا يزال الغموض يسم سياسة إدارة الرئيس جو بايدن تجاه القضية السورية، بالنظر إلى أن الوضع في سوريا لا يشكل أولوية في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط مقارنة بالملف النووي الإيراني، الذي انخرطت فيه الإدارة الأميركية الجديدة فور وصول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض. 
الولايات المتحدة الأميركية لم تتبع استراتيجية واضحة المعالم حيال الوضع السوري بشكل عام، ولا نهجاً معيناً، بل كانت مواقفها تتسم بعدم الاكتراث واللامبالاة 
وارتهن التعامل الأميركي مع القضية السورية إلى حدّ كبير بمواقف الرئيس الأميركي والحزب الذي ينتمي إليه، لكنها لم تفترق كثيراً مع تغير شخص الرئيس وإدارته، كونها لم تستند إلى رؤى أو خطط معينة، نظراً إلى أن الولايات المتحدة الأميركية لم تتبع استراتيجية واضحة المعالم حيال الوضع السوري بشكل عام، ولا نهجاً معيناً، بل كانت مواقفها تتسم بعدم الاكتراث واللامبالاة، والسعي إلى إدارة الأزمة وحصر ارتداداتها ومنعها من أن تفيض على دول الجوار، فركزت على استبعاد الخيار العسكري وعلى ضرورة البحث عن حل سياسي من دون أن تبذل مساعيَ كافية للتوصل إليه، ثم أعطت الأولوية للحرب على تنظيم الدولة "داعش"، وتحالفت في سبيلها مع قوى الأمر الواقع ممثلة بوحدات حماية الشعب الكردية، وتمكنت من هزيمة داعش، وراحت تركز على انسحاب إيران والحدّ من نفوذها في سوريا في عهد ترامب، وعلى سلاح العقوبات تجاه النظام السوري من أجل حثّه على الانخراط في عملية سياسية. 
ولم تصدر مواقف واضحة من طرف الرئيس بايدن حيال القضية السورية، كما لم يعين مبعوثاً خاصاً له في الملف السوري، وجاء أول موقف له منذ وصوله إلى البيت الأبيض عبر بيان أعلن فيه تمديد حالة "الطوارئ الوطنية" فيما يتعلق بسوريا، وذلك "للتعامل مع التهديد غير العادي للأمن القومي والسياسة الخارجية واقتصاد للولايات المتحدة، الذي تشكله تصرفات الحكومة السورية في دعم الإرهاب". ولم يقترن هذا الموقف بأي خطوات ضاغطة على نظام الأسد أو حلفائه الروس والإيرانيين، بل كان أقرب إلى توصيف ما عاناه السوريون من "وحشية النظام وقمعه للشعب السوري، الذي دعا إلى الحرية"، مع إدانة "العنف الوحشي وانتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام الأسد وحلفاؤه الروس والإيرانيون". بالمقابل ازدادت التحركات الروسية الساعية إلى إعادة تأهيل وتلميع صورة النظام السوري بعد فوز بشار الأسد بانتخاباته، لذلك تصاعدت أصوات مشرعين أميركيين من أجل تسليط المزيد من الضوء على الملف السوري، وحثّ الإدارة الأميركية لوضعه ضمن أولوياتها، وذلك بالتزامن مع انتقاداتهم عدم تطبيق بايدن عقوبات وفق "قانون قيصر"، وكان لافتاً انضمام مشرعين ديمقراطيين بارزين إلى مشرعين جمهوريين في كتابة رسالة إلى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، دعوا فيها إدارة الرئيس بايدن إلى "مضاعفة جهودكم للتصدي إلى التطبيع الدولي مع نظام الأسد، إلى جانب التنفيذ الصارم والحاسم لقانون قيصر لحماية المدنيين، والتصدي للتحركات الروسية الهادفة إلى إعادة تأهيل نظام الأسد، ومحاولاتها إلغاء إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، وممارسة "الضغط على روسيا والصين لتمديد تفويض مجلس الأمن الدولي الخاص بإيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا عبر معبر "باب الهوى"، وإعادة فتح معبري "باب السلامة" و"اليعربية". 
وشكل اللقاء التي سيعقده الرئيس بايدن مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بجنيف في السادس عشر من حزيران/ يونيو الجاري مناسبة لصدور مواقف أميركية جديدة حيال الملف السوري، والدفع كي يكون حاضراً على طاولة البحث بين الرئيسين، لكن ليس بوصفه ملفاً رئيسياً، إذ إن قضايا العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وروسيا ستحتل الأولوية في اللقاء المنتظر، بينما سيتمّ تناول الملف السوري من الزاوية الإنسانية، حيث أعلن مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، أن الرئيس جو بايدن سيبحث القضايا المتعلقة بسوريا خلال القمة المزمعة، مع تكهنات بأن يحاول بايدن الضغط على بوتين من أجل توسيع دائرة إيصال المساعدات إلى الداخل السوري. ويلتقي ذلك مع بيان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكين، أمام مجلس الأمن الدولي في آذار/ مارس بشأن الأزمة الإنسانية في سوريا، ومع مساعي حشد الدعم للملف الإنساني التي قامت بها السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، خلال زيارتها الأخيرة إلى تركيا. 
غير أن الخطة الأميركية حيال الملف الإنساني تركز على زيادة تمويل جهود المساعدات الإنسانية بقيمة 240 مليون دولار، وعلى المطالبة "بإعادة تفويض المعابر، ووقف عرقلة المساعدات، والسماح للعاملين في المجال الإنساني والمساعدات الإنسانية بالوصول من دون عوائق، حتى يتمكنوا من الوصول إلى السوريين المحتاجين أينما كانوا في أسرع وقت ممكن"، بينما تلمح روسيا باستخدام الفيتو في مجلس الأمن ضد مشروع تجديد قراره رقم 2533، الذي يسمح حالياً بالتوصيل المؤقت للمساعدات الإنسانية عبر معبر وحيد هو باب الهوى، لذلك فإن بايدن يتعامل مع بوتين الذي وصفه بالقاتل، وهذا القاتل تمادى في قتل عشرات آلاف المدنيين السوريين وسواهم، وبالتالي لن يسمح بإيصال المساعدات الإنسانية إليهم إلا تحت الضغوط والعقوبات. 
لقاء بايدن وبوتين سيشكل اختباراً للسياسة الأميركية ولمدى قدرتها في التأثير في الأزمات الدولية، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، انطلاقاً من القضية السورية 
ولا شك في أن بوتين لن يفتح المعابر الحدودية من دون مقابل، وسيحاول الحصول على صفقات وتنازلات من الولايات المتحدة في سوريا وغيرها مقابل ذلك، إذ سبق أن طالب بإلغاء، أو على الأقل تجميد، العقوبات الأميركية والأوروبية ضد نظام الأسد، وخاصة إلغاء قانون قيصر، وفتح المجال أمام تدفق الأموال الخليجية والأوروبية من أجل إعادة إعمار سوريا وعودة اللاجئين إليها، لذلك فإن لقاء بايدن وبوتين سيشكل اختباراً للسياسة الأميركية ولمدى قدرتها في التأثير في الأزمات الدولية، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، انطلاقاً من القضية السورية، بوصفها توفر فرصة لإدارة بايدن من أجل تحديد ممكنات العمل المشترك والتسويات مع بوتين في الملف السوري وسواه من الملفات الشائكة. 
ويبقى التساؤل قائماً حول مدى التغير في سياسة إدارة بايدن حيال القضية السورية، التي باتت تركز على الجانب الإنساني، إضافة إلى العمل على احتواء تنظيم "داعش"، لكنها تفتقر إلى وجود خطة شاملة لمواجهة تحديات الوجود العسكري الروسي في سوريا إلى جانب توسع التغلغل الإيراني فيها، فضلاً عن تحديات أخرى، لذلك فإن أي صفقة أميركية مع روسيا ستطاول الإقرار بوضعها الجيوسياسي وضمان استمرار نفوذها ومصالحها في سوريا.