الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الممانعة والمتنبي ومديح "إس 400"

الممانعة والمتنبي ومديح "إس 400"

28.12.2015
مصطفى فحص



الشرق الاوسط
الاحد 27/12/2015
تفوق محللو محور الممانعة ومنظروه على الشاعر العربي الكبير أبو الطيب المتنبي في قصائد المبالغة والمديح من خلال قراءات استراتيجية وسياسية حاسمة، لا تخلو من رومانسية ثورية، تبشر بهزيمة ساحقة لمشاريع الهيمنة الأميركية على العالم، وعن اقتراب قيام نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب بزعامة كونية لا تقهر، يتربع على عرشها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بوصفه القيصر الجديد. فقدمت وسائل إعلام هذا المحور، المرئية والمسموعة والمكتوبة، إلى متابعيها، روسيا الجديدة وفلاديمير بوتين والقوة العسكرية الروسية، بلغة مديح تعود بالذاكرة إلى ما كتبه مؤرخو الحقبة السوفياتية عن الصفات العظيمة للزعيمين الأمميين "لينين" و"ستالين"، والمبالغات عن قوة الاتحاد السوفياتي، كما لم تخلُ هذه التحليلات من الإسقاطات التاريخية على الموروث الاستعماري لروسيا القيصرية، حيث أصبح معهم فلاديمير بوتين الوريث الشرعي لقيصر روسيا "بطرس الأكبر" باني أسطولها الحربي، أو السائر على خطى الإمبراطورة "كاترين الثانية" التي أسست للتدخل الروسي في شرق المتوسط عبر إثارة المسألة الشرقية.
فقد ترافق التدخل الروسي المباشر في الحرب السورية، مع حملة إعلامية ترويجية تبنتها وسائل إعلام تدور في الفلك الإيراني، اعتمدت مقاربة تضليلية لجمهورها، محاولة إقناعه بأهمية هذا التدخل وضرورته، بغض النظر عما يمكن أن تحققه تل أبيب من مكاسب جراء هذا التدخل، وإعلان موسكو تنسيقها العسكري الاستخباراتي الكامل مع إسرائيل في سوريا، خصوصًا العمليات الجوية، محاولين التعتيم على المصالح الاقتصادية والمالية والتقنية بين البلدين، ودور المجمع العسكري - الصناعي الإسرائيلي في تطوير التقنيات الحربية الروسية، مثل اتفاقية تطوير "سوخوي" بقيمة 1.4 مليار دولار، واعتماد تل أبيب مصدرًا لشراء الطائرات من دون طيار، وعدم التطرق إلى دور اللوبي الإسرائيلي في الكرملين وحجمه في صناعة القرار الروسي، أو الحديث عن رجال "الأوليغاركيا" الروسية المتحكمين في رأس المال الروسي من يهود داعمين للدولة العبرية يمتلك بعضهم الجنسية الإسرائيلية.
تعاظمت الحملة بعد أن قامت موسكو بنشر منظومة صواريخ "إس 400" فأغدق محللوها الاستراتيجيون والعسكريون والأمنيون وحتى الاجتماعيون والزراعيون من مبالغات تفوق ما توقعه صانعوها، فبات "إس 400" في عيونهم ملك جمال الصواريخ، وأن ما بعده ليس كما قبله، وبأنه سيشل حركة الطيران التركية والإسرائيلية وغيرهما، بوصفه منظومة صاروخية تحقق قوة ردع لا تقل أهمية عن الردع النووي، ووجودها في سوريا سيمكن محور الممانعة من إغلاق المجال الجوي للشرق الأوسط، حيث أصبح التحالف الدولي في حاجة إلى إذن موسكو للتحليق فوق سوريا، وأن بإمكان هذه الصواريخ مسح أي هدف على شعاع قطره 700 كيلومتر، لكن المستغرب لماذا يتراجع قُطر شعاع هذه المنظومة ويصل إلى درجة "صفر"، وتصبح غير قادرة على حماية كل الأجواء السورية، عندما تحلق الطائرات الحربية الإسرائيلية في الأجواء السورية، وتقوم بضرب أهداف تابعة لحزب الله!
في خطابه الأخير في تأبين القيادي في حزب الله سمير القنطار الذي قتل في غارة إسرائيلية في جرمانا قرب دمشق، لم يجب السيد نصر الله عن أسئلة بات يتداولها مؤيدوه علانية عن سبب عدم تصدي منظومة الصواريخ الروسية للطائرات الإسرائيلية، والسؤال الذي يطرح نفسه: ما بنود التفاهم الإسرائيلي الروسي في سوريا؟ عمليًا، لا يوجد تفسير غير أن موسكو تفاهمت مع تل أبيب على أن دور حزب الله في سوريا محصور في محاربة الجيش السوري الحر، حيث تتجنب موسكو إرسال جنودها إلى الجبهات، وأن كل ما يتجاوز ذلك هو مكشوف أمام الطيران الإسرائيلي.
لعل حال الذين هللوا لوصول "إس 400" إلى سوريا لا تختلف الآن عن حال المتنبي الذي لجأ إلى كافور الإخشيدي فمدحه ثم انقلب عليه، وهجاه بما يمكن وصفه بعنصرية لا يمكن محوها من تراث الأدب العالمي.