الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المنطقة الآمنة في سوريا: حلقة مفرغة!

المنطقة الآمنة في سوريا: حلقة مفرغة!

27.02.2019
علي حسين باكير


العرب القطرية
الثلاثاء 26/2/2019
أكد الرئيس التركي، مجدداً في مقابلة له يوم السبت الماضي، أن المنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها في شمال سوريا يجب أن تكون تحت سيطرة الجانب التركي، معللاً ذلك بقوله "إنها تقع على حدودنا". وقال رجب طيب أردوغان إنه إذا تمّ تنفيذ المنطقة الآمنة خارج سياق مفهومنا الاستراتيجي، فإننا لن نقبل بها، لأن الصواريخ إذا بدأت تسقط فستسقط على بلدنا أولاً.
يأتي هذا التصريح ليؤكد استمرار الخلافات القائمة إلى الآن بخصوص التصور المتعلق بالمنطقة الآمنة بين الجانب التركي والجانب الأميركي والأطراف الأخرى المتداخلة بالعملية. ولا تزال الرؤية الأميركية بخصوص تنفيذ عملية الانسحاب بناءً على قرار من الرئيس ترمب من المناطق الشمالية من سوريا غير واضحة، ويعدّ التضارب في التصريحات والقرارات الصادرة عن واشنطن مؤشراً إضافياً على هذا الوضع.
بعد الإعلان عن النية في سحب القوات الأميركية كاملة، تمّ التراجع عن التصريح بشكل جزئي مرات عديدة، فتمّ الإعلان عن احتمال إبقاء 200 جندي أميركي، ثم ما لبث "البنتاجون" أن قال الأسبوع الماضي إنه قد تقرر الإبقاء على 400 جندي أميركي، نصفهم في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية في شمال سوريا، والنصف الآخر سيتواجد في قاعدة التنف على الحدود الجنوبية.
إذا ما صح هذا الأمر، فإنه سيتعارض مع ما كان قد وعد به الرئيس الأميركي نظيره التركي عندما قال له "إن شمال سوريا سيكون لكم". وفي هذا السياق، تجري مفاوضات مكثّفة بين أنقرة وواشنطن للاتفاق على الصيغة النهائية.. الجانب التركي يريد إنشاء هذه المنطقة بدعم أميركي، على أن يجري سحب الأسلحة من الميليشيات الكردية وتكون هذه المنطقة خالية من عناصر هذه الميليشيات تماماً.
في المقابل، يبدو أن واشنطن لم تختر بعد النموذج الأمثل، لكنّ المقترح الأخير الذي يشير إلى بقاء 200 جندي في مناطق سيطرة الميليشيات الكردية يعني أن هذه القوات ستحمي الميليشيات الكردية، وهو طرح لا يقبل به الجانب التركي بالتأكيد. وبموازاة ذلك هناك مقترح مكمّل يشير إلى أن واشنطن تريد من قوات دول أخرى تشكيل المنطقة الآمنة، بما في ذلك القوات الفرنسية والبريطانية، وهو مقترح لا يأخذ مطالب تركيا بعين الاعتبار، ويعدّ استفزازياً أيضاً، لا سيّما إزاء أجندة باريس المعلنة في الدفاع عن الميليشيات الكردية.
وبالرغم من أن المحادثات الثنائية حول هذا الملف تشهد زخماً في هذه المرحلة، فإنه لا يوجد تفاؤل إيجابي بقرب حسم الموضوع، سيّما أن ملفات أقل حساسية وأهمية لم يتم الانتهاء منها حتى الآن، كما أن اتفاقاً تمّ التوصل إليه منذ حوالي 8 أشهر بين الجانبين التركي والأميركي بشأن الترتيبات التي يجب اتخاذها في مدينة منبج السورية، لم يتم تنفيذه إلى هذه اللحظة، وهو أمر لا يعطي مؤشرات إيجابية إزاء موضوع المنطقة العازلة.
من وجهة نظر تركية، أعتقد أن الجانب التركي يفضّل حسم الموضوع قبيل الانتخابات البلدية في مارس المقبل، خاصة إذا كان الأمر سيتطلب شنّ عملية عسكرية تركية بريّة عبر الحدود، حتى يتم توظيف الملف داخلياً أيضاً، لكن إذا استمرت الأمور على مسارها الحالي في المفوضات مع الجانب الأميركي، فقد يأخذ الموضوع فترة أطول بكثير مما هو متوقع، فضلاً عن أن الموقف المعقّد من ملف الميليشيات الكردية لا يبدو محسوماً حتى هذه اللحظة بين الأطراف المختلفة، لا سيّما تركيا من جهة وأميركا من جهة أخرى، وهو ما يعني أننا ندور في حلقة مفرغة، العنصر الوحيد الثابت فيها هو إضاعة المزيد من الوقت.