الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المهاجرون.. والحل الأوروبي

المهاجرون.. والحل الأوروبي

27.09.2017
محمد حسن الحربي


الاتحاد
الثلاثاء 26/9/2017
كلما أراد المرء تصديق عالم اليوم أنه يدعم الأنظمة السياسية المعتدلة في الدول النامية، لتوفير العيش الكريم لشعوبها والإسهام في تنميتها، عاد هذا العالم ليصفعنا بخيبة أمل كبيرة، ويجعلنا نكتشف كم نحن عاطفيون وطيبون بما يكفي لابتعادنا عن حقيقة نواياه المخاتلة وخططه المريبة. أكثر ما يوضّح هذه الحقيقة، قضية المهاجرين وطرق معالجتها منذ أن بدأت وحتى الساعة. من المفيد أخذ أعداد المهاجرين في السنتين الماضيتين للوقوف على حجم المأساة، قبل أن نعرضَ للحلول المقترحة من قبل الأسرة الدولية تحديداً أوروبا، وللأسباب الرئيسية المباشرة التي تقف وراء هذا الهروب البشري الكبير. في عام 2016 بلغ عدد المهاجرين إلى أوروبا 370 ألف مهاجر، والموتى في طريق الرحلة 4690. في عام 2017 بلغ العدد 100 ألف مهاجر، وموتى الرحلة 2000. من المهاجرين من قصد دولاً غير أوروبية ككندا وبريطانيا وأميركا، فعل ذلك اللاجئون السوريون تحديداً، وللمناسبة فقد بلغ عدد اللاجئين السوريين حسب التقديرات الأخيرة 2.120 مليون لاجئ، إضافة إلى النازحين الداخليين نحو4.25 مليون نازح)، ولأن قسماً كبيراً من هؤلاء المهاجرين مواطنون أفارقة، أعطى الاتحاد الأوروبي نفسه الحق باتهام بلدان شمالي أفريقيا العربية (بتسهيل) رحلات المهاجرين الملحميّة عبر المتوسط إلى بلدان جنوبي أوروبا. حينما يتأمل المرء الأسباب الرئيسية لهذه الهجرات على مدى السنوات الماضية، لا يسعه إلا أن يسخر من الحلول الأوروبية المقترحة لحل قضية بهذا الحجم والتعقيد. الأسباب الحقيقية وراء الهجرات إلى أوروبا هي عوامل ثلاثة كفيلة بطرد أشد البشر وطنيةً من بلدانها إلى أية بلدان أخرى شرط أن تكون غنية. الأول الصراعات المُسلحة كالتي في العراق وسوريا وليبيا واليمن. الثاني الصراعات الإثنية والعرقية كالتي في أفريقيا الوسطى وبورما، أما العامل الثالث فهو التردي الاقتصادي ويتمثل إما بالقحط أو شح الموارد، وإما بسبب البطالة أو عدم توفر العيش الكريم، وهذه الأخيرة لها علاقة مباشرة بطبيعة النظام السياسي للبلاد. حينما فكر الاتحاد الأوروبي التقدم باقتراح لحل هذه القضية الكبيرة والخطيرة، تقدم بمشروع (إنشاء معسكرات في بعض الدول العربية والأفريقية لحجز المهاجرين فيها). أي معسكرات (غيتو) جديدة. هل استخدام (الغيتوات الجديدة) يعتبر حلاً لمشكلة المهاجرين؟ هل يضع هذا الحل (اللاإنساني) حداً لمأساة المهاجرين في العالم؟! لا يُعتقد ذلك أبداً، بل إن حلاً من هذا النوع لا ينم إلا على عجز واضح في التفكير السياسي الاستراتيجي، فإذا كان أساس المشكلة الرئيسية للمهاجرين أو اللاجئين هو طبيعة الأنظمة السياسية الديكتاتورية في أغلب بلدان العالم الثالث، التي تحكم شعوبها بالحديد والنار، وترعى الفساد الإداري والمالي لنهب الثروات والموارد، فكيف يمكن حل المشكلة بمعسكرات حجز أشبه بالسجون المتنقلة؟ لماذا تذهب أوروبا إلى النتائج بينما الأصح والأفضل الذهاب إلى الأسباب لتقضي عليها؟! لا غرابة أن ترضى دول ذات سيادة، عربية وأفريقية، العملَ لدى الاتحاد الأوروبي بوظيفة (حارس) دورهُ ضمان أمنه وتوفير مناخ مناسب لنمائه وازدهاره حتى وإنْ جاء ذلك كله على حساب هذه الدول وحساب شعوبها.