الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المواقف الدولية من قضية السلاح الكيماوي في سورية

المواقف الدولية من قضية السلاح الكيماوي في سورية

07.09.2013
د. يوسف نور عوض



القدس العربي
5/9/2013
خلال سنوات الحرب الباردة ظهرت كثير من الأنظمة العربية الشمولية، وكانت وسيلة هذه الأنظمة في الوصول إلى الحكم الانقلابات العسكرية، وظلت هذه الأنظمة تمني الشعوب بالعدالة الاجتماعية والحرية رافعة شعارات الوحدة والقومية العربية وغيرها من الشعارات التي لقيت رواجا كبيرا في تلك المرحلة، وقد صدق الناس الشعارات لأن العالم العربي كان خارجا من مرحلة الاستعمار المباشر، وظل هذا العالم يرى أنه أقرب إلى المعسكر الشرقي منه إلى المعسكر الغربي، لكن سنوات من العسف ونهب الأموال لم تحقق ما كان يرجوه الناس، وذلك ما أدى في آخر الأمر إلى اندلاع حركة شعبية أطلق عليها ثورات ‘الربيع العربي’، وهي الثورات التي أسقطت عددا من أنظمة الحكم، كما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن، وعندها تعرف الناس على معلومات أقرب إلى الخيال في سرقة الأموال من خزائن الدول بلغت المليارات، لكن الدول لم تعرف كيف تستردها حتى الآن.
وبالطبع كان الكثيرون يتوقعون أن تصل ثورات الربيع العربي إلى سورية التي هي من الدول المحورية في رفع شعارات الأنظمة الشمولية، وقد بدأت بالفعل الثورة في سورية، وكانت المفاجأة كبيرة عندما اكتشف العالم العربي الوجه الآخر لنظام الحكم في هذا البلد والذي لم يكن مجرد نظام عسكري يمكن إزالته بالثورة، بل كان نظاما طائفيا استطاع أن يخبىء حقيقته على مدى عدة عقود رفع خلالها شعارات القومية العربية والوحدة، وهي شعارات تتناقض تماما مع أيديولوجية النظام الذي مكث أكثر من عامين وهو يقتل عشرات الآلاف من أبناء شعبه دون أن يحرك العالم ساكنا، وأخيرا ظهرت في الأفق قصة الأسلحة الكيماوية التي استخدمت في ضرب الغوطة الشرقية، وعندها بدأ العالم الخارجي يبدي نوعا من الاهتمام، ولم يكن هذا الاهتمام – بكل تأكيد- بسبب الشعب السوري بل كان تخوفا من استخدام هذه الأسلحة في يوم من الأيام في مواجهة إسرائيل، ولا يعني ذلك أن النظام كان يستعد للمواجهة مع هذه الدولة، بكون الحقائق تقول إن النظام السوري استمر أكثر من أربعين عاما دون أن يطلق طلقة واحدة في اتجاه إسرائيل من أجل تحرير أرضه المحتلة في الجولان، لكن مجرد امتلاك هذا السلاح جعل هذا الأمر أكثر تعقيدا، ويلاحظ أن إسرائيل لم ترفع صوتها في هذه القضية التي تتعلق بأمنها، ولم يكن ذلك بسبب عدم أهمية القضية بالنسبة لها، بل لأن إسرائيل استهدفت أن يتولى المجتمع الدولي أمر القضية دون أن تكون هناك إرهاصات بأن تحرك المجتمع الدولي يصب في مصلحة إسرائيل. ومن ثم بدأت القضية تستقطب اهتماما كبيرا وظهرت إشارات من العالم الغربي تدعو إلى أن توجه الدول الغربية ضربة إلى نظام بشار الأسد، لكن المواقف الروسية والصينية جعلت هذا العالم يتريث حتى يتم إثبات أن النظام السوري كان وراء استخدام تلك الأسلحة الكيماوية، ويلاحظ في هذا السياق أن مجلس العموم البريطاني صوت ضد توجيه ضربة إلى سورية وقال الكثيرون إن هذا التصويت كان سببا في التوجه نحو أدلة دامغة تثبت تورط النظام السوري، وهو ما دعت إليه فرنسا أيضا التي قالت إنها لن تشارك في عمل عسكري ضد سورية دون تفويض دولي، ولكن الولايات المتحدة ظلت مصممة على توجيه هذه الضربة بشرط أن يوافق عليها الكونغرس عندما تقدم إليه الأدلة الوافية.
ولا يبدو أن الولايات المتحدة واجهت مشكلة في هذا الاتجاه، ذلك أن وزير خارجيتها ‘جون كيري’ أكد أن الكشف المخبري أظهر أن العينات التي أخذت من موقع الضربة أوضح أن سورية استخدمت السلاح الكيماوي، وقال ‘كيري’ في مقابلة تلفزيونية إن هناك دوافع قوية لتوجيه ضربة لنظام بشار الأسد، ويبدو من جانب آخر أنه على الرغم من أن الرئيس ‘أوباما’ قد أحال الأمر إلى الكونغرس فإن هناك أسبابا قوية لجعل الكونغرس يصوت لصالح القرار لأن تلك من وجهة نظره مسؤولية يجب أن يقوم بها الكونغرس بحسب رأي كيري، لكن هذه الروح التفاؤلية لا تنفي وجود معارضة قوية عند بعض النواب الذين لا يريدون دخول الولايات المتحدة في حرب لا يعرفون لها نهاية.
ومن جانب آخر يعتبر موقف تركيا في هذه القضية مهما جدا، لأنه إذا وجهت الضربة إلى سورية فلابد أن يستعان بالقواعد التركية، وأما موقف الحكومة التركية في هذه المسألة فكان واضحا في تصريحات وزير خارجيتها ‘أحمد داؤود أو غلو’ الذي قال إن الوضع يستوجب موقفا قويا من الحكومة والجيش، وذلك من أجل مواجهة الأخطار التي قد تأتي من سورية، ووصف ‘أوغلو’ ما حدث في سورية بأنه جريمة ضد الإنسانية، وقال إن العالم يوضع الآن أمام اختبار في كيفية التعامل مع هذا الأمر، ودعا ‘أوغلو’ إلى ضرورة أن يتخذ مجلس الأمن موقفا موحدا في معاقبة النظام السوري، وتلك مهمة بكل تأكيد يصعب تحقيقها لأن مجلس الأمن ظل دائما منقسما على نفسه بسبب الفيتو واختلاف المواقف في القضايا الدولية. ولم يغب عن وزير الخارجية التركي أن الموقف الروسي قد لا يسير في هذا الاتجاه، وذلك ما دعاه لأن يتصل بوزير الخارجية الروسي ‘سيرغي لافروف’ ليؤكد له أن عدم اتخاذ موقف موحد من سورية في هذه المسألة سوف يعطي ضوءا أخضر لاستخدام مثل هذا السلاح الخطير في أماكن أخرى من العالم.
غير أن الموقف الروسي في هذه المسألة ظل واضحا ويتركز في أن القضية يمكن أن تحل على المستوى السياسي وليس على المستوى العسكري.
وبالطبع ظل الموقف الإيراني مهما، إذ أبدت الحكومة الإيرانية تأييدها لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وقال المسؤولون الإيرانيون إن سورية تخضع لمؤامرة يحيكها العالم الغربي وإسرائيل لإسقاط النظام.
ويلاحظ مع ظهور أدلة جديدة على استخدام الأسد للسلاح الكيماوي بدأ بعض القادة والزعماء البريطانيين يطالبون بإعادة التصويت في هذه القضية
ويبدو من كل ذلك أن العقبة الحقيقية التي سيواجهها الموقف ضد سورية هي تجاوز الموقف الروسي، وذلك ما حفز زعماء مجموعة العشرين الذين سيعقدون قمتهم في سان ‘بطرسبورغ’ أن يواجهوا الرئيس الروسي ‘فلاديمير بوتن’ بما وصفوها بالأدلة الدامغة التي توصل إليها الفرنسيون بشأن استخدام نظام بشار الأسد للأسلحة الكيماوية. وسيطلب الزعماء من الرئيس الروسي أن يظهر مرونة في هذه القضية.
ومن جانبه يقول الرئيس بشار الأسد في مقابلة مع صحيفة ‘الفيغارو’ إن العالم الغربي لم يستطع أن يقدم حتى الآن دليلا واحدا على أن نظامه استخدم أسلحة كيماوية، وتحدى الولايات المتحدة وفرنسا أن تثبتا بالدليل القاطع أنه استخدم هذه الأسلحة. وهذا الموقف يتطابق مع موقف وزير الخارجية الروسي ‘سيرغي لافروف’ الذي طالب الدول الغربية بأن ترفع القناع عن سرية المواقف في هذه الاتهامات.
ويبدو من هذه الصورة العامة أن المواقف الدولية لا علاقة لها في الواقع بالحدث ذاته بقدر ما هي مواقف سياسية تتسم بقدر كبير من السرية، ذلك أن التساؤل الذي يبدو مهما هو لماذا لم يتحرك العالم على هذا النحو وهو يرى نظام بشار الأسد يقتل عشرات الآلاف من أبناء شعبه، وبدأ الاهتمام فقط عندما استخدم النظام الأسلحة الكيماوية، هل ذلك حقا لخطورة هذه الأسلحة أم لأنها تشكل للمرة الأولى تهديدا لأمن إسرائيل في حال حدوث مواجهات لأي سبب من الأسباب، بالطبع لا يتوقع أحد إجابة حاسمة على مثل هذا التساؤل، ولكن التساؤل سيظل قائما بينما يستمر نظام بشار الأسد في قتل شعبه.