الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الموجة الثالثة من حروب الطوائف

الموجة الثالثة من حروب الطوائف

18.05.2013
د.باسم الطويسي

الغد الاردنية
السبت 18/5/2013
خلال أسبوع واحد، يتراكم أمامنا المزيد من الأحداث والأخبار التي تؤكد أن الطائفية الدينية أصبحت المحرك الأول، بدون منازع، للأحداث والتطورات والحروب والاقتتال في هذا الجزء من العالم؛ أخبار عن استهداف مواقع دينية في سورية تثير مشاعر غاضبة، وتوظف سياسيا؛ الأمين العام لحزب الله يزداد وضوحا في تبني خطاب تحريض على أساس طائفي، كما وُصف من قبل أصوات محايدة؛ الجيش العراقي الذي يأتمر لحكومة يسيطر عليها تيار عرف في السابق بتبني أيديولوجيا طائفية، يحضّر لشن حرب على الأنبار ومحافظات السُنّة التي تشهد احتجاجات على خلفيات طائفية؛ خطيب الجمعة في طهران أمس يصف "السلفيين التكفيريين بأنهم صهاينة"؛ وقبل أشهر قليلة دعا مفتي السعودية الأمة الإسلامية علانية إلى الوقوف في وجه التشيع ومقاومته؛ وقبل أسابيع أصدر إمام الحرم المكي ما يشبه هذه الفتوى.
هذا الفائض الطائفي الهائل من الصراعات والتوترات والمشاعر الغاضبة هو الذي يدير مرحلة ما بعد الربيع العربي بكل وضوح؛ كما هو حاصل في الاصطفاف الطائفي في الحرب السورية، وقبل ذلك في الاصطفاف حول البحرين. فبدل أن تقدم الثورات والتحولات الشعبية العربية نضالات مدنية ديمقراطية، تبني دولا لكل الناس، تم اختطاف أول قوة للتغيير فجرتها المجتمعات العربية منذ عهد الاستقلال، بل وظفت في سياق خارج التاريخ والعصر. والخطورة في ذلك هي القدرة العالية التي يوظف فيها هذا الصراع الطائفي اجتماعيا، والقدرة التي يتمتع بها على الحشد والتعبئة.
ظهرت الموجة الأولى من حروب الطوائف المعاصرة بعد الثورة الإيرانية، ومع اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية، وميلاد حزب الله. أما الموجة الثانية، فبرزت في الانقسام الحاد في النظام الإقليمي منذ نهاية التسعينيات، ومع ظهور محور الاعتدال ومحور الممانعة، وصعود دور إيران في المجال العربي. وتصدق هنا المقولة التي ترددت بأن الرئيس السوري السابق نجح لسنوات عديدة في نسج علاقات ندية مع الإيرانيين، فكانت إيران في جيب حافظ الأسد، ثم جاء الرئيس الابن ليجعل سورية جيبا إيرانيا.
الموجة الثالثة الراهنة ترتبط بتحولات الربيع العربي وما بعده، إذ تبدو قوة فائض الطائفية من التصاقها بالقوى الفاعلة في هذه المرحلة، وهي المجتمعات. ومن هنا تبدو أزمة حزب الله الراهنة. فعلى الرغم من أن الحزب نأى بنفسه عن التعبيرات الطائفية لفترات طويلة، وأضفى على خطابه لغة النضال الجامعة، وساعده في ذلك الإنجازات التي حققها في تحرير جنوب لبنان وحروب المقاومة، إلا أن الحزب الذي يفترض أنه تنظيم شعبي، تحول عمليا إلى قوة إيران الضاربة في المشرق العربي، ووجد نفسه في موقف لا يحسد عليه في الاصطفاف الذي قاده إلى انكشاف غير مسبوق في الأزمة والاقتتال الداخلي في سورية، وأخذ يفقد مكانته السياسية والأخلاقية.
لم توفق المجتمعات العربية، بكل مكوناتها السياسية والثقافية، وفي مقدمتها تيارات الإسلام السياسي، في إنتاج "رأس مال اجتماعي" يحمي القيم المدنية المشتركة، ويمنع المواجهة بين المجتمع والدولة، كما المواجهة داخل المجتمع، مهما تغيرت اتجاهات السلطة السياسية ومرجعيتها الفكرية؛ أي التوافق على القيم الكبرى التي تشكل الأرض الخصبة للإصلاح في القيم والمعاني والإرادة المشتركة، وتبلور "الجماعة الوطنية المدنية" التي تعمق استيعاب المجتمع للإصلاح، وتبني الثقة داخل المجتمع، وتحرص دائما على إبقاء خطابات الإصلاح والتنمية السياسية في دائرة الحكمة والعقلانية واستشعار المصالح الوطنية بحساسية واضحة.
المشكلة الكبرى هي أن أمامنا زمنا طويلا لكي نُنضج جماعات وطنية ديمقراطية فوق الطائفية. والمشكلة الأخرى هي أن الموجة الجديدة من الطوفان الطائفي والديني محملة بمشاعر ودماء وذاكرة مؤلمة.