الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "الموحّدون الدروز" والوطن السوريّ

"الموحّدون الدروز" والوطن السوريّ

14.06.2015
سمير العيطة



السفير
السبت 13/6/2015
هناك دلالات كثيرة وعميقة للحادثة التي وقعت في قرية "قلب اللوزة" التي يقطنها مواطنون سوريّون من بني معروف (الدروز). الأهميّة تأتي من البعد الطائفيّ للحدث المأساوي، مع أن مثله وما هو أخطر منه يحدث في كثير من المناطق الأخرى، سواء مِن قبل مَن ينضوون في خانة "الموالاة" أو "المعارضة". ولم يعد استثناءً أن تتطوّر محاولة للاستيلاء على منزل عائلة إلى مواجهة مسلّحة بين الجناة وأبناء العائلة أو القرية، وتنتهي بمجزرة تنتقم فيها ميليشيا من الأهالي.
جاءت مأساة "قلب اللوزة" بعد تبنّي بعض مشايخ الطائفة الدرزيّة في الشمال خطّ المواجهة ضدّ السلطة، برغم ما حدث من انتهاكٍ لحريّة الاعتقاد والممارسة في قراهم بعد سيطرة "المعارضة المسلّحة" عليها، وبعد سجالٍ وجدل في جبل العرب بين مشيخة العقل وبعض الشيوخ حول الموقف المطلوب تبنيّه من الصراع، في حين كانت قوى المعارضة المسلّحة تتقدّم إلى تخوم السويداء وترسل تطمينات أنّها ستحترم خصوصيّة هذه المنطقة وأهلها، فيما تهدّد "داعش" السفح الشرقيّ للجبل. بالتوازي، سار سجال الزعماء الطائفيين في لبنان ليستنجد هذا بتركيا وقطر وذاك بسلطة الأسد وإيران، في حين أكّدت إسرائيل أنّ حماية الدروز أمرٌ يهمّها إلى أبعد الحدود. ولا شكّ في أنّ إسرائيل ترمي بذلك إلى جرّ فئة من المواطنين السوريين إلى الصراع الإقليميّ كي يضحي صراعاً مذهبيّاً بين السوريين، وليدفع أكثر بآفاق التقسيم والوصايات الأجنبيّة.
ليست هذه المرّة الأولى التي لا يتمّ احترام تحييد فئة من السوريّين لنفسها عن الصراع المسلّح الذي تمّ الدفع له لكي يأخذ طابعاً أهليّاً. لقد حدث ذلك منذ ثلاث سنوات في الشمال السوريّ، حين تمّ لوم الأكراد على موقف "النأي بالنفس" حيال الانخراط في الصراع العسكريّ، لينتهي الأمر بتدمير "داعش" لعين العرب/كوباني وبتطوّرات توجّه البلاد فعليّاً نحو التقسيم. وها هو جبل العرب اليوم يوضع بين خيارات أحلاها مرّ، بين السلطة والمعارضة المسلّحة و "داعش". فمَن يحميه من "داعش" في النهاية إذا ما تواطأت معها قوى أخرى، سوى الطيران.. الأميركي؟!
هكذا تضع هذه الحادثة كثيراً من الأمور على المحكّ. لكن ليس المعارضة السياسيّة بالتحديد. إذ إنّ جناحيها الرئيسيين ما زالا يتحدّثان بخطابات تنتمي إلى ما قبل التحديات القائمة. جناح اسطنبول الذي لا يرى سوى مواجهته مع السلطة لكي يحلّ محلّها، وجناح القاهرة اليوم الذي لم يُنتج مؤتمره الأخير سوى إعادة صياغة لوثائق وضعت قبل ثلاث سنوات.
المعارضة المسلّحة هي على المحكّ اليوم، وخاصّة في ما يتعلّق بموقفها من "النصرة" و "داعش". في الشمال، تعيش أيّاماً صعبة مع تقدّم "داعش" نحو حلب، في حين تقصفها الطائرات الحكوميّة بكثافة مع أنّها ليست على تماسٍ مباشرٍ معها، ولم تقم طائرات التحالف إلاّ بأربع غارات على "داعش"، وتنأى "جبهة النصرة" بنفسها عن المعركة. وفي الجنوب، قطعت أكثر مع "النصرة"، ولكن ليس للدرجة التي تسمح بتلاقٍ وطنيّ يؤسّس للمستقبل. والسؤال الجوهريّ لهذه أو تلك هو شكل العقد الاجتماعيّ الذي سيقود إليه انتصار عسكريّ سيكون لـ "جبهة النصرة" فضل أساسيّ في صنعه، خاصّة بعدما فشلت محاولات بعض الدول الإقليميّة في تسويق هذه الجبهة كفصيلٍ وطنيّ، أي يحترم المساواة في المواطنة بعيداً عن المذهبيّة. وهذا السؤال عن تفضيل الوطنيّة على المذهبيّة أو الاصطفاف حيال دولٍ إقليميّة في الصراع، ينطبق أيضاً على الجيش الحكوميّ، مع كلفته الباهظة من الضحايا للحفاظ على السلطة القائمة.
والسؤال الكبير يتعلّق بموقف الولايات المتحدة وروسيا والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، فهل وصل الصراع في سوريا إلى حدّ يجب إيقافه وكفّ عبث أيادي القوى الإقليميّة في مصائر أهل هذه البلاد؟