الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الموقف الهندي من الأزمة السورية

الموقف الهندي من الأزمة السورية

12.10.2015
عبدالله المدني



الاتحاد
الاحد 11/10/2015
منذ بدء الأزمة السورية أثار الموقف الرسمي الهندي حولها تساؤلات كثيرة، لاسيما أن الهند تعتبر نفسها نصيرة للشعوب الباحثة عن الحرية والديمقراطية.
ويمكن اختصار الموقف الهندي بأنه موقف يعارض تدخل الغرب عسكرياً في الصراع مما يجعله متناغماً مع الموقفين الروسي والإيراني وأيضاً مع الموقف الصيني، ويرى أن حل الصراع غير ممكن بالقوة وإنما بالحوار، ويرفض تقسيم الإرهاب في سوريا إلى حميد وخبيث.
بعض المراقبين الهنود يرى في مواقف بلاده هذه مواقف واقعية وانعكاساً لسياسة التزمت بها نيودلهي طويلاً، وهي سياسة عدم إقحام نفسها في الشؤون والنزاعات الداخلية للدول الأخرى، إلا إذا تعرضت مصالح الهند الإستراتيجية للتهديد. وهكذا فطالما أن سوريا بعيدة عن الهند جغرافيا ولا يشكل ما يجري فيها خطراً عليها في هذه المرحلة، فإن الأفضل النأي بالنفس عن أزمتها مع الاحتفاظ بحق التحرك إذا ما تطورت الأمور ونجحت القوى المتطرفة في الوصول إلى السلطة في دمشق وقررت مد أبصارها إلى منطقة الخليج، التي تُعتبر بالنسبة للهند مصدراً للطاقة والتحويلات المالية وسوقاً معتبراً لصادراتها (قال وزير الشؤون الخارجية الهندي السابق سليمان خورشيد شيئاً من هذا في أكتوبر 2013 على هامش مشاركته في مفاوضات جنيف 2، ثم كرره في مقابلة مع رئيس تحرير مجلة المجلة السعودية في فبراير 2014).
أما البعض الآخر، فيرى أن الهند، الطامحة لنيل مقعد دائم في مجلس الأمن، عليها أن تثبت من الآن جدارتها بالمقعد، وذلك بلعب دور دبلوماسي بناء يؤدي إلى إيقاف النزيف المستمر في سوريا منذ أربع سنوات، وذلك عبر استخدام علاقاتها الجيدة مع الدولتين المنخرطتين في الصراع وهما إيران وروسيا، ناهيك عن علاقاتها الجيدة مع القطب الأميركي وروابطها القديمة مع نظام الأسد، وألا تضحي بعلاقاتها ومصالحها مع العالم العربي الأوسع من أجل نظام منتهي الصلاحية.
والحقيقة أن الفرصة كانت سانحة للهند للعب مثل هذا الدور يوم أن اتفق الرئيس الروسي بوتين مع نظيره الهندي السابق سينج في موسكو في أكتوبر 2013 على ترشيح الهند للمشاركة في مفاوضات جنيف 2، لكنها لم تستغل تلك الفرصة، بل استبقتها باستقبال بثينة شعبان المستشارة الإعلامية للأسد على أراضيها، فيما ظلت علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق قائمة وسفارتها في الأخيرة مفتوحة أي على العكس مما فعلته الدول الأخرى احتجاجا على الممارسات الإجرامية للنظام.
ما سبق يؤكد ويدلل أن الموقف الهندي أقرب إلى موالاة النظام الأسدي منه إلى تأييد الثورة السورية، أو على الأقل اتخاذ موقف محايد في الصراع. لكن ما هي الأسباب التي تجعل كبرى ديمقراطيات العالم تتبنى مثل هذه السياسة؟ بعض الإجابة نجده في ارتباط البلدين منذ نيلهما الاستقلال بعلاقات ود وتعاون وتنسيق وطيدة ومتواصلة توجت بتبادل الزيارات في الخمسينات بين بطلي الاستقلال في البلدين، جواهر لال نهرو وشكري القوتلي. هذه العلاقات سرعان ما تعززت بدول سوريا في اتحاد فيدرالي مع مصر تحت قيادة الرئيس عبدالناصر الذي كان صديقاً شخصياً لنهرو وشريكاً له في إطلاق حركة عدم الانحياز. وحتى بعد مجيء عائلة الأسد إلى السلطة وشروعها في تأسيس حكم دكتاتوري، ظلت العلاقات وطيدة ومتنامية بدليل قيام "الأسد الأب" بزيارتين رسميتين إلى نيودلهي في عامي 1978 و1983 وقيام الأسد الابن بزيارة مماثلة في 2008، ناهيك عن زيارة رئيس الحكومة الهندية الأسبق "آتال بيهاري فاجبايي" إلى دمشق عام 2003، وزيارة رئيسة الجمهورية الهندية "براتيبا باتيل" إليها في 2010.
ويمكن القول إن ثلاثة عوامل لعبت دوراً في تمتع الطرفين بعلاقات متميزة طيلة هذه السنوات. أولها: مواقف الأنظمة السورية المتعاقبة المؤيدة للهند حول قضية كشمير التي تعتبر قضية هندية مركزية، مقابل مواقف الهند المشرفة إجمالاً من القضية الفلسطينية. وثانيها: ارتباط كلا البلدين على مدى عقود بروابط إستراتيجية مع موسكو في مواجهة النفوذ الغربي في منطقتي الشرق الأوسط وجنوب آسيا. وثالثها: نظرة كل منهما إلى الآخر كدولة تجسد الفكر العلماني في محيطها.
ويتبين لنا أسباب الموقف الهندي بصورة أجلى إذا ما أضفنا إلى ما سبق حقيقة أن الهند قلقة من احتمالات صعود الإسلام السياسي المتطرف إلى السلطة في دمشق. فهي تتملكها حساسية مفرطة من الإسلام السياسي على نحو ما ظهر في مواقفها من حركة "طالبان" الأفغانية والتنظيمات المتحالفة مع الأخيرة في جنوب ووسط وجنوب شرق آسيا، فما بالك حينما تكون هذه الحركات ذات أجندة إرهابية ووحشية كما هو الحال مع تنظيمي "داعش" و"النصرة" في سوريا اللتن هما نسخة طبق الأصل من تنظيم "القاعدة" الذي سبق له، على لسان زعيمه أيمن الظواهري، أن هدد الهند صراحة في العام المنصرم.
وإذا كان هذا هو الموقف الرسمي الهندي، فإن الموقف الشعبي مختلف تماماً، وتجسده مقالات الصحافة الهندية، وكلها تنتقد ممارسات الأسد الوحشية، خصوصاً بعدما شاعت في وسائل الإعلام صورة الطفل الكردي الغريق "إيلان"، ومشاهد تدفق اللاجئين السوريين على أوروبا، وارتكاب "الدواعش" لجرائم دموية وحشية، وآثار القصف الجوي المتواصل على المدن والبلدات والمدنيين العزل، بل إن مسؤولين هنود سابقين من أمثال "راجيندرا أبينكار" سفير الهند الأسبق في دمشق، ووكيل خارجيتها قال لصحيفة "وول ستريت جورنال" إن بلاده ملزمة إنسانيا وأخلاقيا بالقيام بدور في الأزمة السورية بعدما نصحت نظام الأسد مرارا بضرورة التخلي عن النهج الديكتاتوري والقمعي والاستماع إلى رغبات شعبه، فلم يصغ إلى نصائحها.
* أستاذ في العلاقات الدولية متخصص في الشأن الآسيوي - البحرين