الرئيسة \  واحة اللقاء  \  النفخ الإسرائيلي في النزاع السوري

النفخ الإسرائيلي في النزاع السوري

24.03.2015
حسن شامي



الحياة
الاثنين 23-3-2015
من مصادفات زمننا الحافل بالوقائع الصاخبة والتوقعات الخاطئة أن تتزامن الانتخابات الإسرائيلية مع دخول الثورة - الأزمة السورية عامها الخامس. وكان انتهاء العام الرابع على المذبحة السورية المفتوحة مناسبة لمراجعة تستخلص دروس سنوات الجمر السوري الحارق. وبالفعل حفلت وسائل الإعلام العربي وشبكات التواصل بقراءات متنوعة ومختلفة لمداخل ومخارج المسألة السورية المستعصية على أي حل سياسي حتى الآن.
من الطبيعي جداً أن تتفاوت شحنات النقد والنقد الذاتي في أدبيات المراجعين وخلاصاتهم، خصوصاً في أوساط المعارضة لنظام بشار الأسد. على أن بعض المعلقين والدعاة الإسرائيليين لم يبخلوا بتقديم هدايا مسمومة لقطاع معين من المعارضة المدنية السورية. فخلال التغطية الإخبارية المباشرة للانتخابات الإسرائيلية، تحدث مراسل قناة فرانس 24 بالعربية من مقر حزب ليكود، حيث كان جمهور الناشطين والمؤيدين ينتظر كلمة زعيم الحزب الفائز بنيامين نتانياهو. واستصرح المراسل أحد المتحدثين باسم ليكود، وهو من أصل عربي واسمه مندي الصفدي، حول صحة الكلام عن تهنئة المعارضة السورية نتانياهو بالفوز. فرد الصفدي قائلاً أن هذه التهنئة طبيعية لأن ليكود وحكومة نتانياهو قدما مساعدات إنسانية للمعارضة، واستقبلت إسرائيل مئات الجرحى الذين تلقوا العلاج. وعندما سئل الصفدي عن أي معارضة يتحدث، قال أنهم من الليبراليين مشدداً، على طريقة النفي الإنكاري ورفع الشبهات، على أنهم من غير الإسلاميين. وعندما سأله المراسل عمن يقصد بالليبراليين أجاب المتحدث الليكودي بكلمة واحدة جاءت غريبة في بابها: اليسار.
لم يغب عن بال المتحدث العربي باسم ليكود أن يهاجم أعضاء القائمة العربية المشتركة وناخبيها بدعوى أنهم لا يحققون مصلحة الكتلة العربية في إسرائيل، وإن كانوا اليوم يشكلون القوة النيابية الثالثة في الكنيست. كما لم يفته التشديد على أن فوز نتانياهو وحزبه تحقق خلافاً للتقديرات واستطلاعات الرأي، وعلى رغم أنف إدارات دولية كبرى لم تتوانَ عن ممارسة الضغوط لإسقاط نتانياهو.
وهذا ما أكده الأخير في كلمته إلى ناخبي حزبه حين أشار إلى حصول فوزه الانتخابي، على رغم إرادة "قوى كبرى"، غامزاً بالتأكيد من قناة الإدارة الأميركية الحالية ورئيسها أوباما. وليس سراً أن العلاقات الأميركية - الإسرائيلية تشهد مقداراً من التدهور، كان خطاب نتانياهو في الكونغرس قبل أسبوعين تقريباً أحد فصوله البارزة. وفي هذا المعنى، جاء خطاب الكونغرس كجزء من الحملة الانتخابية الداخلية في إسرائيل وكوجه من وجوه الانقسام الحزبي في أميركا نفسها. ويكشف هذا عن أن الحدود بين الداخل الوطني والخارج الدولي، في ما يتعلق بالعلاقات الأميركية - الإسرائيلية، تبدو مطاطة ومتحركة.
في خلفية الاضطراب الحالي في العلاقات بين إدارة أوباما وحكومة نتانياهو، نجد بالتأكيد الخلاف حول مسائل التفاوض مع الفلسطينيين ومستقبل عملية السلام. على أن هذا الموضوع، على أهميته، يأتي في المرتبة الثانية فيما يحتل التفاوض مع إيران في شأن ملفها النووي، وتزايد الحديث عن إمكانية فعلية للتوصل إلى اتفاق، المرتبة الأولى في سلم الخلافات بين إدارتين تضع كل منهما قدماً في حقل نشاط الأخرى. ويظهر هذا بوضوح في التعليقات الأميركية الرسمية الأولى على فوز نتانياهو. فقد أعلنت الإدارة الأميركية، من جهة، عن تمسكها بحل الدولتين كصيغة لإنهاء النزاع في الشرق الأوسط، ما يشكل رداً على حديث نتانياهو عن استحالة نشوء دولة فلسطينية في عهده وجعل هذه الاستحالة عنوان حملته الانتخابية. وأعلنت الإدارة الأميركية، من جهة أخرى، عن أن فوز ليكود لن يكون له أي تأثير في المفاوضات مع إيران.
من المعلوم أن التوصل إلى اتفاق حول الملف النووي الإيراني سيصحبه بالضرورة تفاهم على عدد من الملفات الإقليمية. التفاهم لا يعني التطابق ولا التواطؤ، كما يحسب الدعاة وأصحاب التقويمات الجاهزة والمريحة، بل تثبيت قواعد للخصومة والاشتباك وضبط النزاعات. وفي هذا السياق تتخذ المسألة السورية، بعد أربع سنوات من التشرذم والتذرر والقتل والدمار، وجه نزاع إقليمي ودولي يطغى على البعد الداخلي ويستتبعه جاعلاً من أطراف النزاع أدوات في صراع يتعدى الوطنية السورية ويضرب حظوظ إعادة بنائها كنصاب سياسي مستقل.
لا غرابة في هذا الإطار أن تسعى الدولة العبرية إلى انتزاع موقع لها للتأثير في شروط أي تسوية سياسية للأزمة السورية وللتأثير في مفاعيلها الإقليمية، خصوصاً ما يتعلق بالنفوذ الإيراني. ولئن عملت الإدارة الأميركية على لجم التدخل الإسرائيلي في غير ملف إقليمي خوفاً من تبدل المزاج الشعبي، مع التشديد على الشراكة وتطابق الأهداف الاستراتيجية، فإن حكومة نتانياهو التوسعية والاستيطانية بوضوح ترى في هذا اللجم تحجيماً غير مقبول. ومع أن حكومة نتانياهو حرصت على خفض صوتها قدر المستطاع في ما يخص سورية، فإن مسؤولي الدولة وقادتها لم يترددوا في أكثر من مناسبة في التشديد على التموضع الإقليمي لإسرائيل لمواجهة الخطر الإيراني والحض على توريط العالم في حل عسكري للقضاء على البرنامج النووي الإيراني.
لا يمنع هذا من أن يكون كلام المتحدث العربي باسم ليكود عن مساعدة إسرائيلية للمعارضة السورية غير الإسلامية، ولما وصفه تحديداً باليسار، حافلاً بالتلفيق والتضخيم والنفخ في النزاعات. ومن الواضح أن هذا الكلام الدعوي يوظف استياء المعارضة السورية من تصريح كيري حول التفاوض مع الأسد لرفع سقف الخلاف مع إدارة أوباما حول مسائل أخرى في مقدمها النووي الإيراني. نتوقع أن يحصل تكذيب من جانب المحسوبين على اليسار السوري المعارض، خصوصاً أن الوسط اليساري هذا، على ضعف تمثيله وتآكل قاعدته، يبقى المجال الحاضن سوسيولوجياً لتشكل مثقفين وكتاب وأدباء وإعلاميين، وبعضهم لا يرقى الشك إلى نزاهتهم الفكرية واستقلاليتهم النقدية، بغض النظر عن مدى صوابية آرائهم.
الحصيلة الكارثية لأربع سنوات من النزاع الدموي، كما وثقها المرصد السوري لحقوق الإنسان تصلح كقاعدة لمراجعة نقدية، ضرورية وقاسية في آن. فقد سقط 66 ألف مدني و80 ألفاً من قوات النظام و66 ألفاً من مقاتلي المعارضة. أرقام النزوح داخل سورية وخارجها، إضافة إلى حجم الدمار والكلفة الفلكية لإعادة الإعمار وضياع أجيال كاملة تكفي لتشخيص الجحيم السوري. ستبقى هذه الأرقام محل تأويلات جامحة جموح الثأر.