الرئيسة \  واحة اللقاء  \  النزيف الإيراني الكبير في الشرق القديم

النزيف الإيراني الكبير في الشرق القديم

08.03.2015
داود البصري



الشرق القطرية
السبت 7-3-2015
المعارك الساخنة الدائرة في شمالي بغداد وجنوب دمشق وصولا لجنوب الجزيرة العربية في عمق جبال اليمن، تمثل حالة استنزافية رهيبة للمؤسسة العسكرية الإيرانية التي تباهت كثيرا مؤخرا في استعراض قوتها العسكرية عبر مناوراتها المستمرة في مياه الخليج العربي، وعبر تفعيل تحالفات الماضي مع الأنظمة الموالية أو الجماعات الطائفية في العراق وأفغانستان وهي علاقات تحولت بعد المتغيرات السياسية الكبرى في الشرق لتحالفات عسكرية وأمنية تصب في خدمة مجهود دولة الولي الإيراني الفقيه، فالأحزاب الطائفية العراقية مثلا والتي كانت تلوذ تحت الخيمة الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي ثم تلاشت وهربت للمنافي بفعل اليأس والإحباط، جاء الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 لينفخ فيها الروح ويعيد لها نبضات الحياة، تحولت اليوم لتكون أحد أهم أذرع النظام الإيراني الضاربة في الشرق، فالميليشيات العراقية الطائفية باتت أقوى من جيش الدولة وأكثر تسليحا وعدة وتمتلك عقيدة قتالية وتوجه استراتيجي عبر عن خبايا ذاته من خلال الشعارات الثأرية الأخيرة في معارك صلاح الدين والأنبار، وهي شعارات طائفية بائسة تهدف في نهاية المطاف لتمييع الدولة العراقية وتشكيل مؤسسة الحرس الثوري العراقي بل وإعلان قيام ولاية العراق الملحقة بديوان الولي الإيراني الفقيه!، وهي مسألة باتت قيد التنفيذ الميداني وتعتمد على النتائج النهائية للمعارك الدائرة في العراق والتي يحاول الإيرانيون إدارتها ليس من خلال الجيش الحكومي الرسمي العراقي بل من خلال المجاميع المسلحة المرتبطة بهم والمنضوية تحت إطار ما يسمى بقوات الحشد الشعبي التي أفضى عليها القائد العام ورئيس الحكومة حيدر العبادي صفة الشرعية دون التنسيق ولا الاتفاق مع وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي الذي يبدو وهو العسكري المحترف مجرد شاهد شاف كل حاجة ولكنه لا يستطيع تقرير مصير العمليات ولا شكلها ولا الدخول في تكتيكاتها أو التأكد من نجاح إستراتيجيتها؟، وضع غريب للغاية يعيشه العراق مع تدفق القوات البرية الإيرانية على حصون تكريت مترافقا مع رفع الجماعات الطائفية لشعارات الثأر الدموية!، وكذلك دخول الطيران الإيراني المعركة بعد القرار الأمريكي بعدم التدخل والاكتفاء بالمراقبة والمتابعة، الإيرانيون باتوا يقدمون خسائر بشرية مروعة في الساحتين العراقية والسورية، كما أن توسيع خطوط الإمداد الإيرانية لمسافات طويلة في الشرق الأوسط قد بات يفرض على صانع القرار الإيراني خيارات مزعجة لعل قمتها تتمثل في استنزاف اقتصادي رهيب في ظل الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها إيران وتدهور الأوضاع الداخلية، وبروز مؤشرات رفض وإضرابات شعبية في العديد من القطاعات كإضراب المعلمين مثلا، يضاف لذلك تصاعد الحراك الجماهيري للشعوب غير الفارسية مثلما يحصل حاليا في الأهواز المحتل وعمليات المواجهة المسلحة في مدينة (الفلاحية) أو شادكان، وغيرها..
وهي جميعها مستجدات ساخنة لم يتعود الإيرانيون على التعامل معها منذ انهيار الربيع الإيراني عام 2009؟ النظام الإيراني يتباهى اليوم بأن قواته تعدت وتجاوزت كثيرا ذلك الخط المستقيم القائم بين كابل وبيروت مرورا ببغداد ودمشق!، وتوغلت في عمق الجزيرة العربية وعلى أبواب باب المندب لأول مرة منذ عهد كورش الكبير؟! ولكن ما لم يتحسب له الإيرانيون هو أن حجم الاستنزاف القائم سيكون أمرا غير مسبوق في التاريخ الإيراني وحتى الدولي ويذكرنا بمأساة الجيش السوفيتي الأحمر في أفغانستان منذ عام 1978 وحتى سقوط الاتحاد السوفيتي واختفاء تلك القوة العظمى من الخارطة عام 1991؟ ثمن قاسي ومكلف وصعب سيدفع الإيرانيون كامل استحقاقاته وبما سيقلب الأوضاع الإستراتيجية في المنطقة بشكل درامي!! وعربيا ينبغي التذكير فقط بأن أحد أسباب انهيار الجيش المصري في حرب الأيام الستة عام 1967 كان التدخل العسكري المصري في اليمن والذي استنزف طاقات وقدرات وفرض وقائع مريعة بات الإيرانيون اليوم ينجذبون لها بقوة وسترتد عليهم وبالا بقسوة سنرى نتائجها الميدانية وهي ترتد في العمق الإيراني قريبا!!. وكما يقول سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه (ما أكثر العبر وأقل الاعتبار)!