الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "النصرة"... اعتدال غير كافٍ!

"النصرة"... اعتدال غير كافٍ!

07.06.2015
محمد برهومة



الحياة
السبت 6/6/2015
انفكاك جبهته عن تنظيم "القاعدة" الإرهابي، وهو ما لم يفعله الجولاني، الذي، على العكس من ذلك، أقرّ بكل وضوح خضوع جبهته لتعليمات أيمن الظواهري وتوجيهاته. قيل إن تلك التسريبات، كما المقابلة، محاولة لتبييض ساحة "النصرة"، لكننا وجدنا خطاباً دينياً مغلقاً ووصائياً وتهديدياً، ويماهي بين رابطة المواطنة المتساوية والردة والكفر، ويجعل التنوع الديني والثقافي سبيلاً لإيقاع العقوبة والأذى واستلاب الحقوق والمكتسبات الإنسانية الفردية والجماعية.
الذين نظروا إلى حديث الجولاني بعيون "القاعدة" وقرأوه بفكرها، قالوا إنّ الرجل قدّم "جُرعة!!" كبيرة من الاعتدال والتعديل والتجاوز في فكر "القاعدة" الذي ينتسب إليه، وذلك عبر مجالين أساسيين، أولهما رسالته "التطمينية" إلى الدول الغربية بأن "جبهة النصرة" لن تتخذ من سورية منطلقاً لمهاجمة تلك الدول، وأنها تتجه قُدماً نحو تعزيز طابعها المحلي السوري، وهي هنا تقطع مع فكر "القاعدة" الأممي العابر للحدود، كما تقطع مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) المؤسَّس على فكر هوياتي صارم يتوسل العنف طريقة مثلى لتمكينه وتوطينه في المناطق التي يحتلّها. أما المجال الثاني الذي يراه المروّجون لـ "اعتدال" النصرة وقطعها مع "القاعدة"، فهو تجاوز الجولاني لفكرة أساسية في أدبيات السلفية الجهادية، وهي "العدو البعيد" الذي تعتبره "القاعدة" أولوية أولى في سياستها ومنهجها وأيديولوجيّتها. فالجولاني في مقابلته قال بكل وضوح، إن "جبهة النصرة مهمتها في الشام إسقاط النظام ورموزه وحلفائه"، أي أولويتها "العدو القريب" وليس كما تقول "القاعدة" عن أولوية مقاتلة أميركا والغرب.
الحقيقة أنه أياً كانت المسوَّغات والتخريجات التي تريد إقناعنا بأن الجولاني وجبهته "مختلفان" أو "معتدلان"، فإنها لا تبدو لنا، نحن الناس العاديين، الذين نؤمن بالإنسان وحريته، تضيف أيّ مسحة اعتدال، إلا إذا قارنا بين السمّ والعلقم، واكتشفنا ذات لحظة أن العلقم خيار أكثر اعتدالاً وأقلّ فتكاً بأبداننا!
لا تعنينا أفكار "العدو القريب" و "العدو البعيد" شيئاً، ومع ذلك تبدو الفرصة متاحة لـ "النصرة"، قبل الذهاب إلى مؤتمر الرياض المقبل للمعارضة السورية، لإعلان واضح لا التباس فيه عن عدم وجود أي علاقات لها، لا تنظيمية ولا غير تنظيمية، لا بـ "القاعدة" ولا بأي من التنظيمات المتطرفة والإرهابية الأخرى. الاعتدال إيمان بالإنسان وحريته ومحاربة للعنف والإرهاب والاستبداد.