الرئيسة \  واحة اللقاء  \  النظام الإيراني وحلفاؤه الإقليميون وجنيف 2

النظام الإيراني وحلفاؤه الإقليميون وجنيف 2

17.11.2013
داود البصري


الشرق القطرية
السبت 16/11/2013
لعل الدخول الإيراني المباشر على خط الثورة السورية وتفاعلاتها كان من أغرب وقائع وأحداث المرحلة الحالية من الصراع في العالم العربي، فمنذ انهيار العراق كدولة وكيان وجيش بعد الاحتلال الأمريكي المباشر عام 2003 أتيحت فرصة تاريخية نادرة ولكنها مرتبة جيدا للنظام الإيراني بالتغلغل والتمركز في صميم ملف الأمن القومي العربي، وأتيح لذلك النظام الذي كان محاصرا طيلة سنوات طويلة في قمقمه الفكري الخاص أن يتمدد ويتوغل بعيدا في العمق العربي وأن يؤسس له مناطق نفوذ وتموقعا ووجودا فاعلا في الشرق القديم، وأن يتجاوز حالة الحصار من خلال بوابات الطائفية والتعامل مع المشاكل الإقليمية المتجذرة من خلال المقاييس الإيرانية الشديدة الخصوصية، فبعد انهيار العراق توسع ونشط كثيرا المشروع النووي الذي كان متعثرا ويسير ببطء سلحفاتي بعد أن تمكن الإيرانيون من الاستيلاء الكامل على بقايا المشروع النووي العراقي والحصول على المئات من أجهزة الطرد المركزية العراقية وعبر ما فعلته الميليشيات العراقية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني من تفكيك كامل للمصانع العسكرية العراقية ونقلها لإيران وهو نجاح إستراتيجي مذهل لمخطط إيراني طويل المدى وطموح لبناء مراكز دعم وجسور رؤوس تخادمية في الشرق، الإيرانيون لم يتقدموا إستراتيجيا بمحض الصدفة بل نتيجة لتخطيط طويل وجهود كبيرة وعمل حثيث في أصعب الظروف، والأهم من ذلك تبلور صيغة المشروع الإستراتيجي الكبير الذي يطمحون لتحقيقه! وتلك حالة غير متحققة للأسف في العالم العربي المفتقد لأي إستراتيجية أمنية مستقبلية والحائر في إدارة وترتيب الملفات؟  
لقد تبلور التحالف الإستراتيجي بين إيران والنظام السوري منذ عام 1980 من خلال تقارب أملته الطبيعة الحقيقية والبنيوية لكلا النظامين، فالبعث السوري مثلا وهو المناوئ والخصم القديم والعنيد لنظام البعث العراقي الذي كان لم ير أي حفيظة من وقوفه لجانب نظام ديني ثيوقراطي إيراني يحتقر القوميين العرب ويحارب الفكر البعثي ويدعو علنا لاحتلال العراق وإسقاط نظامه البعثي الذي كان وإقامة الجمهورية الإسلامية على النمط الإيراني في العراق؟ لقد كانت صفحات الحرب العراقية/ الإيرانية الطويلة خلطة مدهشة من عجائب التحالفات الإقليمية التي رسمت فيما بعد أوضاعا سياسية كانت غاية في الغرابة، فالخبراء العسكريون السوريون مثلا كانوا يشتركون في توجيه العمليات الحربية مع قيادات الحرس الثوري!! رغم شعار البعث المرفوع والمعروف: (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)! كما سمح النظام السوري للحرس الثوري من الدخول لدمشق والتغلغل والتموقع في سهل البقاع اللبناني المحتل وقتذاك من قبل الجيش السوري، كما سهل ذلك التحالف بين النظامين سحب البساط من تحت حركة أمل الشيعية وإنشاء (حزب الله) كبديل موسع للتحالف الإيراني في لبنان والشام وبما شكل تكوين دولة طائفية داخل إطار الدولة اللبنانية وبشكل يبقي السيطرة السورية دائمة رغم المتغيرات التي طرأت، وبعد اندلاع الثورة السورية في 15 مارس 2011 كان واضحا بأن النظام الإيراني سيعتبرها حركة تمرد موجهة بالأساس ضده وضد مصالحه الوطنية والإقليمية ولتحالفاته الطائفية والنفعية، فكان الموقف الإيراني بمعاداة الثورة ومن ثَمَّ التورط التدريجي والانجرار للعمل العسكري المباشر بعد تحلل البنية العامة لجيش النظام وتصدع أركانه، فكان لابد من العمل العسكري المباشر وحماية النظام السوري من سقوط حتمي ومؤكد مما يعني سقوط أهم خط دفاعي إيراني في الشرق وبداية فتح الطريق لطهران وهو الاحتمال الذي ترتعد أوصال قادة النظام الإيراني منه ومن تداعياته، فكانت إستراتيجية توسيع نطاق الصراع وتحويل مساراته من خلال استدرار عمليات شحن طائفية تجعل المعركة ليس بين نظام طاغ مستبد وشعب مقهور، بل تحوله لحرب طائفية مسعورة ليست واردة أبدا في أذهان أو أجندات أحرار سوريا المتسامين على تلكم التصورات المتهاوية والمرفوضة، لقد حقق الإيرانيون أهدافهم وتمكنوا من فرض رؤيتهم على مسارات الوضع السوري واستجلبوا حلفاءهم من أهل الميليشيات الطائفية العراقية إضافة لميليشيات حزب الله كي تقاتل في الشام نيابة عن المصالح الإيرانية وبحجة الدفاع عن العقيدة والمذهب! فاختلطت الأوراق بشكل مريع حتى وصل الأمر لأن تتحول سوريا لمستعمرة إيرانية ولبلد محتل بعد أن فتحت أراضيها لاستقبال العصابات الطائفية العراقية واللبنانية وهي تصرع السوريين الأحرار وتمارس عربدتها الطائفية المشوهة، وحتى وصل الأمر لمطالبة الإيرانيين بالمشاركة في مؤتمر جنيف 2 بذريعة أنهم جزء فاعل من أجزاء لعبة الأمم في سوريا المنكوبة، ورغم عدم التعويل على أي نتائج إيجابية لجنيف 2 إلا أن الحضور الإيراني إن حصل يمثل حالة غير مسبوقة من التمدد الإيراني وبما يهدد بالكامل صيغة الأمن القومي العربي، سيكسب أحرار الشام الرهان، وستتهاوى كل مشاريع السراديب السوداء، فللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق.