الرئيسة \  واحة اللقاء  \  النظام الديكتاتوري تنقذه الآلية الديموقراطية وأوباما يواجه خسارة الرأي العام الحليف

النظام الديكتاتوري تنقذه الآلية الديموقراطية وأوباما يواجه خسارة الرأي العام الحليف

03.09.2013
روزانا بومنصف


النهار
الاثنين 2/9/2013
من المفارقات اللافتة ان تنقذ المبادئ الديموقراطية المعمول بها في الدول الغربية أكان في بريطانيا من خلال رفض البرلمان البريطاني الموافقة على المشاركة في ضربة عسكرية ضد الرئيس السوري لاستخدامه الاسلحة الكيميائية ضد شعبه، أم في الولايات المتحدة الاميركية لاحقا من خلال إحالة الرئيس باراك أوباما توجيه ضربة عسكرية على الكونغرس للموافقة عليه، علما ان وزير الخارجية الاميركي جون كيري وصف الرئيس بشار الاسد قبل يوم من قرار أوباما بـ"المجرم والقاتل". ويمكن اتهام النظام السوري بآثام كثيرة. لكن أحدا لا يمكن ان يتجاهل ادراكه أهمية تجييش الرأي العام الغربي او اللعب على تناقضاته من اجل الاستفادة منها وفق الخطوة التي أقدم عليها البرلمان السوري في ارسال مناشدة الى مجلس العموم البريطاني قبيل انعقاده لمناقشة امكان مشاركة بريطانيا في الضربة العسكرية على النظام السوري تحت عنوان "لا تقصفونا بل اعملوا معنا". ومع انه لا يمكن الجزم بمدى تأثير هذه المناشدة في مجلس العموم البريطاني، إلا أنه احتمال لا يمكن تجاهله نظرا الى الفارق الضئيل في التصويت في مجلس العموم الذي حرم الحكومة البريطانية الضوء الاخضر للمضي قدما مع واشنطن وفرنسا في قرار توجيه ضربة عسكرية الى النظام، بالتزامن مع صدور استطلاعات للرأي في كل من بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا تنحو في اتجاه رفض توجيه ضربة عسكرية ضد النظام السوري لاستخدامه الاسلحة الكيميائية. وهذه الاستطلاعات يتعين على زعماء هذه الدول أخذها في الاعتبار بحيث يمكن القول إنهم خسروا معركة الرأي العام في بلدانهم وان اختلفت الاسباب او تنوعت. وهذا مكسب للخصم أي النظام السوري في لجوئه الى السلاح الكيميائي ضد شعبه والذي سيستشرس مع ايران حليفته في توظيف ما جرى لمصلحته.
 
وليس واضحا ما اذا كان الامر سيكون مماثلا مع الكونغرس في الولايات المتحدة حيث سارع مندوب النظام السوري في نيويورك الى تثمين خطوة أوباما المفاجئة بالعودة الى الكونغرس. والامر وفق ما يشرح ديبلوماسيون معنيون مفتوح على احتمالات متساوية من القبول او الرفض، مع الاعتبار لاحتمال ان يواجه القرار في مناقشات الكونغرس مصيرا مماثلا لما آلت اليه المناقشات التي حصلت في مجلس العموم البريطاني وكان لها الاثر في اعتماد أوباما السبيل نفسه من أجل تأمين غطاء داخلي في ظل غياب الغطاء الدولي والخارجي الكافي. فالنتيجة المباشرة لقرار أوباما هي التأجيل وهذا مكسب يصب في خانة النظام السوري وحلفائه وإن كان السيف لا يزال مصلتا من خلال احتمال توجيه ضربة او من خلال وجود المدمرات الاميركية في البحر.
والتأجيل مسألة حساسة باعتبار انها أفقدت الضربة الاميركية زخمها، خصوصا ان الادارة كانت تعتزم قبل ان تطرأ العوامل التي دفعت أوباما الى تغيير رأيه واللجوء الى طلب موافقة الكونغرس، الاستفادة من عامل الوقت بعد عشرة أيام على الاكثر من وقوع مجزرة الغوطة من اجل توجيه الضربة ربطا بهذه الحادثة بالضبط، في حين ان ارجاء توجيه الضربة، في حال الموافقة عليها، سيتيح من جهة دخول عوامل كثيرة على الخط من بينها اكتمال تحضير النظام وحلفائه لرد مناسب بما يفقد الضربة معناها وأهدافها.
بعض المراقبين يرجحون ان يوافق الكونغرس على الضربة العسكرية المحدودة حتى لو عمد ربما الى تضييق هامشها ايضا، نظرا الى ارتباط القرار الاميركي بقول الوزير كيري إن "خيارنا ستكون له تداعيات وسيؤثر في دورنا في العالم ومصداقيتنا وما نؤمن به" بما يمكن ان يعنيه ذلك على هيبة الولايات المتحدة أمام حلفائها وخصومها على حد سواء، خصوصا بتأكيد أوباما ما ينسب اليه من ضعف وتردد ازاء القرارات الحاسمة في السياسة الخارجية. لكن الاحتمالات مفتوحة بالتساوي أمام أسئلة تتصل بما اذا كان الرئيس الاميركي يمكن ان يقدم على توجيه ضربة عسكرية في حال رفض الكونغرس توفير الغطاء السياسي له بذريعة حماية المصالح الاميركية، أو الاخطار التي يمكن أن تطاولها. كما هي مفتوحة ايضا أمام امكان ان يعيد أوباما الزخم الى قراره لموافقة دولية أوسع في حال أصدرت الامم المتحدة خلاصة تقرير لجنة مفتشيها في سوريا، على رغم اعلان الامين العام للمنظمة الدولية ان الوصول الى نتائج يحتاج الى اسبوعين، أي تقريبا المدة التي سيستغرقها الكونغرس الاميركي أو اكثر قليلا.
هناك أزمة داخلية تترتب على عاتق الادارة الاميركية وأوباما تحديدا في ظل احتمالي الاتجاه الى توجيه الضربة العسكرية او عدمه كما أزمة خارجية او عالمية ستواجهها نتيجة اتخاذها اي من القرارين. لكن ما يعني دول المنطقة أنها تتأثر من وجهي هذه الازمة في ظل محاور متصارعة تسعى الى توظيف كل امكاناتها في معركة الربح والخسارة القائمة بشراسة في المنطقة.