الرئيسة \  واحة اللقاء  \  النظام السوري: إعطاء الأمل بيد... وقتله بمئات الأيدي

النظام السوري: إعطاء الأمل بيد... وقتله بمئات الأيدي

14.10.2013
عارف حمزة


المستقبل
الاحد 13/10/2013
ظهر تخوّف الأنظمة العربيّة واضحاً، ومفهوماً، من فكرة قلب أنظمة الحكم فيها بالطرق السلميّة، فذلك يشكّل استخفافاً بها، وتقليلاً من شأنها، لذا، كانت تستدعي تغييّر المعادلات على الأرض، من طرفها، كي تذهب الأمور نحو العنف. وهي الطريقة الأبديّة التي تكون ماهرة فيها الديكتاتوريّات العسكريّة ماهرة، كما في حادثة "موقعة الجمل" في مصر، أو تشويه معاني السلميّة على أنها عصيان لقوانين الدولة، وبأنّ من يقودها عبارة عن بلطجية، أو "جرذان" أو "حشرات"، أو خونة مموّلون من الخارج. وهي توافرت في كلّ الحالات لحدّ الآن. وفي النهاية ذهبت الأنظمة إلى المواجهة العسكريّة التي فرضتها على الشعب؛ كما في النموذجين الليبي والسوريّ. وكان هذا التخوّف لأنّ الأنظمة الديكتاتوريّة تفاجأت بأنّ هناك مَن يستطيع تحدّيها ولو باعتصام في ساحة، ولو بهتاف أو أغنية، ولو بكلمة مفردة مثل "ارحل" أو جملة ركيكة مثل "الشعب يريد إسقاط النظام"... إذ طالما عملت، هذه الأنظمة من خلال أجهزتها الأمنيّة المبتكرة، على صنع شعوب خانعة وفاسدة ولا تهتمّ إلا بلقمة العيش، فمن أين جاءتها هذه الجرأة بالوقوف في وجه من يهبها حياتها؟ إذ لطالما آمنت الأنظمة بأنّها هي مَن تهب الحياة والاستمرار لشعوبها، وليس العكس.
في النموذج السوريّ، تمّ محاصرة السلميّة بشتى الوسائل، حتى الوحشيّة منها، للقضاء عليها سريعاً؛ فمن التهديد بالطرد من الوظائف والجامعات، ثم بالطرد منها، إلى الاعتقال وإنزال العقوبات الجسديّة المتنوّعة "للعودة إلى جادة الصواب"، وإلى الاعتداء الجسديّ العلنيّ على عدد من المتظاهرين في الشوارع والساحات، لترويع بقيّة المتظاهرين، ثمّ إلى مرحلة الاعتداء على كلّ المتظاهرين. ثمّ اشتدّت المواجهة مع السلمييّن؛ فكان أخفّها تسهيل مغادرة البلاد، وأشدّها القتل تحت التعذيب والذبح بالسكاكين. فيمكن إجمال الطرق للتخلّص من المظاهر السلميّة، والمتظاهرين السلمييّن، بثلاثة طرق: الاعتقال والتهجير والقتل!
أما الاعتقال، ويرتبط به التهجير، فتواتر بشكل هائل إلى أن وصل إلى سنّ قانون خاص من أجله؛ وهو قانون مكافحة الإرهاب، بالقانون رقم /22/ والذي صدر بتاريخ 26/7/2012، وتشكيل محكمة الإرهاب كبديل سيئ الصيت من جديد بعد إلغاء محكمة أمن الدولة العليا، وهي اللعبة التي اعتادها النظام السوريّ منذ سنوات؛ بإعطاء الأمل بيد وقتله بمئات الأيدي. وهو القانون الذي وسّع نطاقه ليشمل المدنيّين والعسكريّين على حدّ سواء، من دون أن يتمّ تحديد الأفعال التي تشكّل جرائم في نظره، ولا تحديد العقوبات، وهو الذي يتألف من تسع مواد قانونيّة فقط، بل جعل الأمر برمّته يخضع لمزاجيّة الأجهزة الأمنيّة، وجعل قانون التظاهر، السيئ الصيت أيضاً، طيّ الأدراج، من دون إلغاء دستوريّ، وإلى الأبد. عشرات الآلاف صاروا تحت تهديد هذا التعسّف في معاقبتهم على حقّ مصان لهم بالدستور. فلم يعد المطلوب منهم النأي بأنفسهم عن التظاهرات أو أماكن الاعتصامات، بل النأي بأنفسهم عن كامل البلاد؛ لأنّهم لم يعودوا متظاهرين مخالفين للقانون بعدم أخذ إذن للتظاهر، بل إرهابييّن خونة. وقد بات من المعروف أنّ الاعتقال الثالث للمتظاهر سيودي بحياته حتماً، فكان عليه، بعد الإفراج عنه للمرة الثانية، أن يقرّر الخروج سريعاً، أو النجاة بمعنى أدق، من سوريا. ومن الملفت للنظر بأنه تمّ تسهيل خروج المئات إلى خارج البلاد، ومن المعابر الرسميّة، رغم أن أسماء الكثيرين منهم كانت على قوائم منع المغادرة!
الطريقة الأخيرة هي الاعتداء على المتظاهرين لدرجة التصفية الجسديّة. فقد ساهمت السلطات، من خلال مراسيم العفو الكثيرة والمتتالية إلى إطلاق سراح الآلاف من المجرمين العاديين، من دون أن تطال تلك المراسيم سوى العشرات فقط من معتقلي الرأي والتظاهرات، الذين زاد عددهم عن المائة ألف معتقل، وإطلاق يدهم في الاعتداء على المتظاهرين لإنهاء التظاهرات، وكانوا يتلقّون التعليمات والأموال من الأجهزة الأمنيّة ورجال أعمال النظام، لكي يبدو الأمر أن الأهالي يعتدون على أولادهم كي يُعيدوهم إلى "الوطنيّة" وحظيرة البيت، وبالتالي إلى حظيرة النظام.
وكانت مهمّة بعض هؤلاء المجرمين التغلغل بين المتظاهرين والناشطين، على أنّهم ناشطون في الثورة، وتقديم تقارير بهم وبأماكن اجتماعاتهم وأماكن إقامتهم لرجال الأمن، الذين سرعان ما كانوا يُغيرون عليهم، ويسوقونهم إلى المعتقلات. في أماكن الاعتقال تلك تمّت التصفية الجسدية لمئات السلمييّن، وبخاصّة قادتهم؛ الذين كانوا الأكثر سلميّة بينهم.
ثمّ تطوّرت الأمور، كعرفان بالجميل، إلى تجنيد الكثيرين من أولئك المجرمين فيما يُعرف بالجيش الوطنيّ، أو المقنّعين، أو الملثّمين، وتمّ تخصيص رواتب شهريّة لهم، يقوم بدفع الجزء الكبير منها شيوخ العشائر الموالية، ورجال الأعمال المستفيدين من بقاء النظام، مع وعدهم بالوظائف المدنيّة الجيّدة، بغض النظر عن تحصيلهم العلميّ، بعد القضاء على "العصابات الإرهابيّة المسلّحة"، والقضاء على الثورة.
كلّ تلك المآسي حدثت؛ لأنّ الأنظمة العسكريّة الديكتاتوريّة لا تؤمن بفكرة الحوار، الذي تدعو إليه جهاراً، ولا تضع وزناً لأيّ مواطن، سواء أعجبها أو لم يُعجبها، بل تؤمن فقط باستمرارها إلى الأبد، والأفضل أن يكون ذلك الأبد مرفرفاً على نهر من الدماء المتدفقة، وليس على نهر من الأفكار المدنيّة والديموقراطيّة المتدفقة.