الرئيسة \  واحة اللقاء  \  النظام السوري بلا غطاء روسي.. هل هي بداية النهاية؟

النظام السوري بلا غطاء روسي.. هل هي بداية النهاية؟

27.03.2016
د. الأمين أبوهزيم


الرأي الاردنية
السبت 26/3/2016
 لم يكن انسحاب روسيا من سوريا مفاجئاً رغم أن تدخلها "أي روسيا" في الحرب الدائرة في سوريا كان مفاجئاً في بداية الأمر.
ربما منح هذا التواجد الروسي المكثف جرعة لإطالة عمر النظام السوري الذي بات يترنح، لا يبدو مثل هذا الأمر بعيدا عن تفاهمات بين موسكو وواشنطن.
كانت روسيا قد أرسلت قواتها إلى سوريا في خريف عام 2015، في خطوة مباغتة كان من الواضح أنها تمت بعد إعداد مدبر بعناية، ويكشف عن هذا أنه في نفس اليوم الذي وافق فيه مجلس الاتحاد الروسي (الدوما) في 30 سبتمبر 2015 على استخدام القوات المسلحة خارج البلاد بطلب من الرئيس السوري "بشار الأسد" الذي تطلع إلى الحصول على مساعدة عسكرية من روسيا، في نفس هذا اليوم قامت الطائرات الحربية الروسية بشن غاراتها داخل الأراضي السورية.
وأعقب ذلك في التو استحواذ القوات الروسية على قاعدة حميميم الجوية بالقرب من مدينة اللاذقية شمال غرب سوريا، حيث حطت فيها أكثر من 50 طائرة متنوعة من قاذفات ومقاتلات وطائرات هجومية ومروحيات، في خطوة تزامنت مع إرسال مجموعة من السفن الحربية إلى القاعدة البحرية في طرطوس لضمان الدفاع عن قاعدة حميميم وتأمين وصول الشحنات المرسلة.
محطات القرار
كانت العملية الروسية طوق نجاة للنظام السوري، الذي كان على حافة الانهيار، كما أنها كانت نقلة نوعية محسوبة من موسكو، التي حافظت على مسافة من الصراع الدائر في سوريا منذ بدء الأزمة، وكان لموسكو أهداف كثيرة من وراء هذه الخطوة، أهمها المحافظة على قاعدتها البحرية في طرطوس التي تمثل آخر موطئ قدم لها في البحر الأبيض المتوسط، والتي كان يعنى خسرانها في حالة سقوط النظام السوري تحول البحر الأبيض إلى بحيرة مغلقة على حلف الناتو، مما يشكل خللا استراتيجيا يضر بالروس في هذه المنطقة الحيوية من العالم ويهدد وصولهم إلى المياه الدافئة.
ومن بين هذه الأهداف أن موسكو قررت الخروج من حالة الانكفاء الداخلي التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفيتي، إلى مناطق التوتر الأبعد عن حدودها المباشرة، والتي أظهرت فيها روسيا بأسا في تأمينها كما في القرم وأوسيتيا وأوكرانيا.
وحتى اللحظة، فإن الروس نجحوا في تحقيق أهداف العملية التي تمت في سوريا، حيث نجحت موسكو في إنقاذ النظام السوري من الانهيار، بل وساعدته على تدعيم موقفه على الأرض،كما أن دورها في مفاوضات الحل السلمي بين المعارضة والنظام أصبح دورا رئيسيا بعد الاتفاق مع الولايات المتحدة حول ملف الأزمة، لدرجة أن المبعوث الأممي إلى سوريا ستافيان دي ميستورا أشار في أحد تصريحاته أنه في حال فشلت المفاوضات سيعود إلى أمريكا وروسيا ومجلس الأمن.
أسباب الانسحاب
من المهم التنبه إلى محتوى الخطاب الروسي عن قرار الانسحاب والذي جاء فيه على لسان بوتن "أعتبر أنه تم تنفيذ أغلب مهمات وزارة الدفاع والقوات المسلحة، لذلك آمر وزير الدفاع ببدء سحب الجزء الأساسي من مجموعتنا الحربية من الجمهورية العربية السورية".
ونوّه إلى أن "الجانب الروسي سيحافظ من أجل مراقبة نظام وقْف الأعمال القتالية على مركز تأمين تحليق الطيران في الأراضي السورية"، كما أكد الرئيس الروسي أن "القاعدتين الروسيتين في حميميم وطرطوس ستواصلان عملهما، ويكشف مضمون القرار المعلن عن الآتي:
لم يحدد حجم القوات التي سيتم سحبها.
لم تحدد نوعية الأسلحة التي سيتم إخلاؤها.
عبارة سحب الجزء الرئيسي فضفاضة تخضع لتأويل متخذ القرار.
التأكيد على استمرار عمل قاعدة حميميم الجوية وطرطوس البحرية.
ويكتنف الغموض حجم القوات التي سيتم سحبها من سوريا، ونسبتها، من إجمالي القوات الموجودة قبل اتخاذ قرار الانسحاب، فالقوات الروسية ذات تنوع متسع في طبيعة القوات والأسلحة في القواعد المختلفة فهي تتشكل من:
أولاً: عناصر قتالية تتوزع بين الطيارين والملاحين ووحدات من المشاة والقوات الخاصة لحماية القواعد وتأمينها من الاستهداف من أي قوات أرضية معادية وأطقم دفاع جوي وأفراد من القوات البحرية.
ثانياً: عناصر فنية مسؤولة عن عمليات التجهيز والصيانة والإصلاح.
ثالثا: عناصر إدارية مسؤولة توفير وإدارة الاحتياجات الإدارية واللوجستية، ويغلف الغموض أيضا النوعيات التي سيتم سحبها من السلاح وتحديدا أسلحة الجو، لأنه من المؤكد بقاء عدد من الطائرات في قاعدة حميميم مع تقليل القطع البحرية الراسية في قاعدة طرطوس واستمرار بقاء منظومة الدفاع الجوي "S300" التي لن.. تفرط روسيا في استمرار وجودها في سوريا، لأنها لم تستطع أن تنشرها هناك ألا بعد إسقاط تركيا لإحدى قاذفاتها، متخذة من هذه الحادثة ذريعة لإدخال هذه المنظومة في الأراضي السورية لأن ذلك لم يكن ممكنا بأي حال من الأحوال من قبل، فعناصر الإرهاب التي تقصفها الطائرات الروسية لا تمتلك طائرات من أي نوع وبذلك ينتفي سبب وجود أسلحة دفاع جوي.
نتائج الانسحاب على الطرف الروسي
وانسحاب القوات الروسية من سوريا سيدفع نحو تخفيف عبء تكاليف وجود القوات هناك، مما يقلل من أعباء ميزانية الدولة الروسية ذات الاقتصاد المنهك، وتقوية الدور الروسي في مفاوضات الحل السياسي باعتبار عدم وجود أطماع لها، وتعزيز الموقف الروسي في ملفات أخرى مع أوروبا والولايات المتحدة.
كما يمكن استخدام هذا القرار كورقة ضغط على النظام السوري في مراحل المفاوضات الصعبة عندما يتطلب الأمر تقديم تنازلات صعبة من فرقاء الأزمة بينما تقوم الولايات المتحدة والأطراف الإقليمية بالضغط على الآخرين.
ولا يعني سحب قوات رئيسية، طبقا للمعلن عنه، أن روسيا تفقد بهذا قدرتها العسكرية، لأنها أعلنت استمرار قاعدتيها الجوية والبحرية وبالطبع جاهزية القاعدتين للعمل بالطاقة الكاملة إذا استجدت أوضاع استدعت من وجهة نظر متخذ القرار الروسي العودة إلى الميدان.
ومن أهداف هذا الانسحاب كذلك، التلويح بأنه لا داعي أن تفكر قوى أخرى بالولوج إلى مسرح العمليات السوري، فنحن (أي الروس) أدينا مهمة وانصرفنا، وتخفيف عبء امتعاض الرأي العام عن حكومات أوروبا والولايات، وتهدئة الرأي العام في روسيا، حيث يعاني الشعب الروسي من أوضاع اقتصادية صعبة، وإظهار الحكومة بأنها لا تتورط في مغامرات خارجية.