الرئيسة \  واحة اللقاء  \  النظام السوري والحلّ السياسي

النظام السوري والحلّ السياسي

19.01.2015
فراس قصاص



العربي الجديد
الاحد 18-1-2015
إذا كان استشراف موقف النظام السوري من الحل السياسي الذي يأخذ بأي من خيوط السلطة الأساسية في سورية من ورثة حافظ الأسد، في أي مفاوضات محتملة، أمر منوط بمعرفة كيف يصنع القرار السياسي هذا النظام، ومن يتحكم بمجريات الأمور فيه، وكيف تتوزع خارطة مراكز الثقل ودوائر الفعل في بنيته، فإنه أصبح من المسلمات، ولا سيما بعد أن سقطت فرضية الحرس القديم، ومعها جهل الرئيس بما يحصل حوله، وعدم رضاه عنه، أن السلطة السورية، سلطة مجسدة بأشخاص قلائل، حازوا على مفاصل الحكم والهيمنة، عبر حوامل تتحدد بالانتماء إلى عائلة حافظ الأسد، وإن بشار وماهر الأسد هما أُسّ هذه السلطة وأساسها، وهما من يمنحا لأي مراكز ثقل أخرى في النظام، وزنها وأهميتها. وعلى ذلك، فمعرفة موقف النظام السوري في أي ظرف وحالة، أمر يتحدد بإرادة هذين الشخصين، ولا يمكن والحال هذه، النظر إلى عملية صنع القرار السياسي في سورية، وقياسها إلى اعتبارات سياسية، دستورية ومؤسساتية، كما جرت العادة في الدول الديمقراطية، وإنما، على نحو شاذ ومدهش، إلى شروط بيولوجية وراثية ونفسية وتربوية متعلقة ببشار وماهر الأسد ليس إلا، وهي لذلك عملية، يمكن تحديدها وفق تعيينين اثنين:
الأول مرتبط بعلم الجينات والمورثات، حيث تتحدد مواصفات الفرد واستعداداته الوراثية الرئيسية، بما فيها سمات الصلابة والقسوة الدموية واللجوء إلى ممارسة العنف والاستعداد لمواجهة المخاطر والتحديات، بالسؤال عن سمات مماثلة عند الأقرباء من الدرجة الأولى، وبشار ـ ماهر الأسد، على سلّم القياس هذا، يؤكدان أكثر فأكثر، أنهما ورثا جينات عنف ودموية مع استعداد للدخول من أجل مصالحهما في مغامرات كبرى، أيّاً تكن فواتيرها الأخلاقية والإنسانية باهظة، عن أبيهما حافظ الأسد. وقد أثبت الإبنان، في سنوات الثورة الماضية، أنهما شخصيتان دمويتان، من طراز أبيهما إن لم يكن أكثر توحّشاً وعنفاً.
أما التعيين الثاني، فمتصل بعلم النفس التقليدي الذي يرصد شخصيات الأفراد وعوالمهم النفسية التي تتبلور وتتأثر بعوامل عديدة، أهمها التي تتصل ببيئة التربية والتنشئة الاجتماعية، وهو ما يمكن أن يقرر من دون صعوبة، كيف أن بشار الأسد ومعه أخوه، واللذان تربيا في بيت حافظ الأسد، الديكتاتور الدموي الذي حوّل شعارات أيديولوجيا الأسدية، إلى ذرى تعليمية وطقوس اجتماعية وسياسات إعلامية ونصب تذكارية شاملة لأرجاء البلاد.. إنهما ذوي طبيعة نفسية متشكلة من علاقة طغيانية تملّكية مع موقع السلطة، منجدلة مع إيمان دوغمائي، بأن لهما ولعائلتهما دوراً تاريخياً مشبعاً بالدفاع عن الأفكار و"المعاني الكبرى"، عن القومية العربية ومحاربة إسرائيل والدفاع عن "سورية الآمنة والموحدة، سورية التي ستختفي وتندثر وتسقط في براثن التكفير والتشدد والضعف والاختفاء، دون الدور الأسدي فيها". ولعلّ الآلية النفسية العميقة المساهمة في حصول هذا الإيمان وتبلوره، والتي تقوم على الربط الجدلي، تبريراً وتأكيداً، بين مصلحة الفرد ونوع المعرفة التي يحوزها، فهماً وموقفاً وتفاعلاً، هي التي تفسر سياسات أسدية كثيرة في سورية والمنطقة، سواء سياستها في تكريس الطائفية في أبنية الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية واقعاً، من ثم إنكارها ورفض السماح بفتح نقاش علني حولها، والإصرار على عدم اتباع أي سياسة تنويرية وتحريرية في البلاد، أو سياستها وموقفها من إسرائيل الموضوع في ثلاجة اللاسلم واللاحرب لعقود طويلة، ثم توظيف كل ذلك، في عملية الدفاع عن مصالح ووجود النظام السوري، في مرحلة اشتعال الثورة ضده، باستدعاء بيئة التشدد الديني والمساهمة النشطة في خلقه في الوضع الثوري، والإفادة من موضوع إسرائيل ومن محور الممانعة ضدها، في تشويه رهانات الثورة وأهدافها، وفي المساهمة في عملية قمعها، وكل ذلك دون النظر إلى أي كلفة قد تدفعها البلاد وإنسانها ومستقبلها.
بالعودة إلى التعيينين أعلاه، وبالاستناد إلى ما يقررانه من خلاصات، يمكن القول إنه من الصعوبة بمكان أن يفرض أي أحد، الروس أو حتى الإيرانيون، على بشار حافظ الأسد ذي الشخصية الصلبة، الموهومة حول دور تاريخي وطني وقومي وإقليمي، المرتبطة بعلاقة تملّك أبدي مع موقع السلطة والهيمنة والامتيازات، أي حل سياسي يتخلى بموجبه عن السلطة، حتى لو تخلى أحد الطرفين، الروسي أو الإيراني، أو كلاهما، عنه وعن رهانهما على الأسدية في سورية، على الرغم من أن ذلك لم يزل مستبعداً، إن لم يكن مستعصياً. فشخصية كهذه مستعدة أن تدمر وتقاتل، وتتسبب بمآسٍ لا حصر لها، في سبيل الدفاع عن تسلّطها وأوهامها عن ذاتها وعن دورها، تماماً كما فعل صدام حسين ومعمر القذافي في بلادهما، حيث قاتلا من دون أن يصطف معهما أي طرف إقليمي أو دولي حتى آخر نفس. ورهان الدول العظمى، أو أي أطراف أخرى سياسية سورية أو عربية، على أي حل سياسي، هو، في الواقع، خسارة إضافية للوقت، وتعظيم لمأساة التاريخ المعاصر السورية. إلا إذا اعتبر هؤلاء أن بقاء بشار الأسد رئيساً ومتحكّماً بالجيش والأجهزة الأمنية، بعد أن يمنح معارضيه رئاسة الحكومة والوزارات الأخرى كلها، يمثّل حلاً سياسياً! هكذا حل سياسي وحده الممكن في عرف النظام السوري، وفي الواقع الذي تحدده المعطيات الحالية على الأرض. وهو إن حصل لا يعني إلا أن بشار الأسد قد انتصر في معركته على شعبه وضد حركة التاريخ، وذلك أمر على الرغم من كل ما يجري في سورية من كوارث مأساوية، لم يزل مستبعداً جداً، إن لم يكن مستحيلاً.