الرئيسة \  واحة اللقاء  \  النظام والجهاديون: المختلفون المتفقون

النظام والجهاديون: المختلفون المتفقون

04.07.2013
مرزوق الحلبي

الحياة
الخميس 3/7/2013
ما الذي يُمكن أن يحصل في سورية من الآن فصاعداً. من النقطة التي وصلت منها الأمور بعد ثلاث سنوات ونيف من عمر العصيان المدني وثورة الناس على الصيغة السورية للديكتاتورية والنظام الأمني؟ والسؤال هنا تأملي وليس فيه من الجديد سوى أننا نسأله الآن بعدما قررت الدول العُظمى توريد السلاح للثوار انتقائياً.
نؤكّد بداية أن الوضع الحالي ليس سوى الصيغة التي فرضها النظام على الشعب السوري وعلى القوى الإقليمية والدولية بدعم روسي- إيراني. وهو وضع تدحرج إلى ما هو عليه بفعل اتساع عنف النظام وجرائمه وعجز المنظومة الإقليمية والعربية والدولية عن الفكاك من وضعية تعادل فعل القوى الرغبة والعاملة من أجل ذهاب النظام إلى منفاه مع فعل القوى الراغبة في بقائه حملاً زائداً على صدر شعبه وحركة التاريخ. سيكون مؤتمر «جنيف-2» على نحو ما استمراراً للعمليات العسكرية في مواقع القتال والاحتكاك بين جيش النظام وتعزيزاته من «حزب الله» والعراق وإيران وبين فصائل الجيش الوطني الحرّ ومجموعات جهادية. وستكون المواجهات العسكرية بعد المؤتمر استمراراً للسياسة - قانون تاريخي طبع ييسمه كارل كلاوزفيتش الشهيرة أن الحربَ استمرار للديبلوماسية بشكل ما. ومن هنا وجوب رؤية الأمور في جدليتها. والجديد في هذه الجدلية هو تدفق السلاح النوعي المتوقع إلى ميادين القتال في سورية بعد القرار الغربي بذلك. وهو قرار ديبلوماسي في الأساس أتى لمواجهة التعنّت الروسي والدخول المكثّف لـ «حزب الله» وإيران في الحرب.
نرجّح أن تتطور الأمور من هنا إلى مزيد من اقتتال. فالثوار الوطنيون سيزيدون من الضغط العسكري حيث يستطيعون بخاصة إذا تسلّموا أسلحة هجومية نوعية وليس فقط أسلحة نوعية دفاعية مثل الصواريخ المتطورة المضادة للدروع وصواريخ محمولة ضد الطائرات. أما أفواج الثوار المتخرجين في معسكرات التدريب حول سورية التي ستدخل دورة القتال فستزيد من القدرات القتالية للثوار وإن كان بتفاوت بين منطقة وأخرى. وستزداد قدرات الثوار على فتح جبهات داخلية جديدة في سعيها إلى محاصرة النظام وجيوبه والضغط عليه في مواضع كانت آمنه حتى الآن.
لن يترك النظام وحلفاؤه الأمور من دون ردّ أو محاولة للردّ. من هنا التوقّع أن يستثمر أوراقه كافة وصولاً إلى استقدام المزيد من القوى العسكرية من خارج سورية واستخدام أسلحة غازية على حدود المحظور عالمياً. وفي هذه الأثناء، سيكثّف من الهجمات الجوية أو القصف البعيد المدى بالمدفعية والصواريخ لأن الاحتكاك المباشر مع قوات الثوار التي تسلحت نوعياً سيكبّدها المزيد من الخسائر وسيسرّع عملية تفكيك القوات النظامية التي كادت في بعض ألويتها ووحداتها أن تتداعى تماماً.
المحصّلة مزيد من تدمير الحاضرة السورية والريف السوري على السواء. وقد تكون أيضاً المزيد من عمليات التطهير العرقي المتبادلة بين العلويين وبين السنّة. وهي عمليات قد تقود البلد في أقل تقدير إلى المزيد من جرائم الحرب التي ستنتهي بتقسيم البلد.
وهو تقسيم يتأتى من خريطة القوى العسكرية الفاعلة على الأرض السورية المحلية والأجنبية ومن العمليات العسكرية التي يقوم بها جيش النظام وأعوانه ويلتقون به بعمليات عسكرية للفصائل الجهادية الوافدة إلى سورية. فالنظام ومعسكر الجهاديين يتناقضان في استعمال القوة العسكرية ويلتقيان في تصورهما للهوية وفي أصوليتها وأيديولوجيتها الشمولية ويفصّلان الكيان السياسي على مقاساتها.
ما ينتظر سورية مزيد من التدمير المستدام الذي لن يكون بعد سنة أو أكثر قابلاً للتحول أو الترميم. هذا شبه مؤكّد في حال أفلح «حزب الله» في الزجّ بلُبنان كلّه في معمعان الحرب الأهلية. أو إذا ما قررت إيران تقديم المزيد من القرابين الإيرانية والعراقية على مذبح الست زينب لضمان التواصل مع شرق البحر المتوسط والإطلال من صخرة الروشة على أوروبا! وهو ما تحاول الدول الغربية وإسرائيل إجهاضه من خلال استثمار الربيع السوري ومآلاته. وهي قوى تراقب الوضع السوري عن كثب لاستثمار كل تطوّر قد ينشأ فيه. فانتصار الثوار الوطنيين سيشكّل بالنسبة الى الغرب منصّة قفز إلى الهدف الاستراتيجي التالي مثل ضرب المحور الإيراني أو قصقصة أجنحته ومحاصرته في حدود بلاد ما بين النهرين. بمعنى أن الصراع الإقليمي والدولي الحاصل في سورية قد لا يُبقي فيها حجراً على حجر وقد لا يُبقي منها سوى الاسم.
========================
حرب تحرير سورية
حسان حيدر
الحياة
الخميس 3/7/2013
طالما أن دول مجلس التعاون الخليجي متيقنة من مشاركة قوات إيرانية في الحرب السورية إلى جانب نظام بشار الأسد، اضافة إلى مقاتلي «حزب الله» الذين يقارب عددهم الخمسة آلاف في جبهتي حمص ودمشق، فليس أمامها، في ظل تعطيل روسيا دور مجلس الأمن، سوى خيار وحيد: تطبيق معاهدة الدفاع العربي المشترك، حتى في غياب الإجماع على مثل هذه الخطوة بين العرب انفسهم.
أما انتظار أن تغيّر الولايات المتحدة رأيها وتقتنع بضرورة التسليح الفعلي للمعارضة، وليس التسليح اللفظي وفذلكاته، أو أن يقتنع الأوروبيون بالتخلي عن مخاوفهم المبالغ فيها من متشددي الثورة السورية وأصولييها، ويبادروا إلى تنفيذ وعودهم بالتسليح، فيعني منح النظام مهلة مفتوحة زمنياً للقضاء المتدرج على المعارضة مستفيداً من الدعم الروسي غير المحدود ومن انخراط ايران وأتباعها دفاعاً عنه.
فالاكتفاء بالبيانات الأميركية والأوروبية التي تغلب عليها الخطابة ويمكن توقع محتواها سلفاً، لن يجدي في تغيير موازين القوى على الأرض، رغم «التزام» الغرب الشفوي بالسعي إلى ذلك، بل لا بد من أن تلجأ الدول المعنية بمواجهة المد الإيراني في العالم العربي إلى خطوات عملية من دون انتظار مجلس الأمن ولا التوافق الدولي أو العربي، واتخاذ قرار جريء وعلني وحاسم بدعم الثورة السورية عسكرياً بما في ذلك إرسال قوات للمشاركة في القتال.
وإذا عدنا قليلاً إلى التسعينات، لسألنا ماذا لو لم يتحقق إجماع دولي على إدانة الغزو العراقي للكويت في 1990 وتُوجه إنذارات دولية متعددة إلى صدام حسين بضرورة سحب جيشه؟ هل كانت دول الخليج ستنتظر إلى أن يتفق الأميركيون والروس والأوروبيون على وجوب تحرير الكويت؟ بالطبع لا، بل كانت دول مجلس التعاون الخمس الباقية ستخوض معركة التحرير بقواها الذاتية.
واليوم إذ يعتبر مجلس التعاون أن سورية باتت أرضاً محتلة وترى الرياض أن المقاومة السورية تخوض حرباً ضد محتل اجنبي (ايران و»حزب الله»)، فالتتمة المنطقية لهذا الكلام اتخاذ خطوات عملية للدفاع عن دولة عربية ارتكب حاكمها فعل الخيانة عندما سمح بدخول قوات أجنبية لقتل شعبه. ذلك أن للأميركيين والأوروبيين غير المستعجلين مصالح ومفاهيم خاصة قد تلتقي في إطار عام بمصلحة العرب الساعين إلى وقف سفك الدم في سورية، لكنها تبتعد عنهم في التفاصيل. وهكذا كلما التقى وزيرا الخارجية الأميركي والروسي لبحث الوضع السوري، تأجل مؤتمر جنيف-2 لنقل السلطة فترة اخرى، وكأنهما يقولان لنظام الأسد إن أمامه مهلة جديدة لتحسين وضع قواته على الأرض، فيما هو يمعن في «تطهير» المناطق التي يفترض أن تشملها خريطة دويلته البديل. أما الأوروبيون العاجزون عن اتخاذ قرار مستقل من دون موافقة الولايات المتحدة، فيعدون ثم يتراجعون ويضيعون الوقت في التفتيش عن حجج وأعذار لترددهم.
هل هذه دعوة إلى حرب عربية - عربية جديدة؟ لا، بل دعوة إلى تصحيح وضع لم يعد يطاق، مع ارتفاع التقديرات غير الرسمية لضحايا همجية النظام السوري إلى اكثر من 200 ألف قتيل ونصف مليون جريح (رقم يفوق بمرات ما خسره العرب في ثلاث حروب مع إسرائيل) ومع الفرز الطائفي الذي يهدد استقرار العالم العربي لعقود طويلة إذا ما أتيح لإيران أن تربح الحرب السورية.