الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الهدنة الواسعة في سورية

الهدنة الواسعة في سورية

21.06.2016
علا عباس


العربي الجديد
الاثنين 20-6-2016
الهدنة القائمة في سورية منذ ثلاثة أشهر أغرب هدنة في تاريخ الحروب، الجميع ملتزم بها، والجميع أصدر بيانات أو عقد اتفاقات أو أرسل الرسائل التي تؤكد دخوله فيها. ولكن، منذ تطبيقها لم يتغيّر من الواقع شيء تقريباً، فالمناطق التي كانت تتعرّض للقصف بقيت تتعرّض له، ولكن ضمن أحكام الهدنة، والمناطق المحاصرة التي يُمنع الدخول والخروج منها، أو وصول المواد الغذائية والطبية إليها، بقيت محاصرةً، وبقي أهلها من دون غذاء ودواء، والمناوشات والمعارك وعمليات الخطف والاعتقال والتصفية بقيت على حالها، لكن ذلك كله يجري في ظل هدنة.
ومنذ إعلان روسيا والولايات المتحدة عن اتفاق الهدنة في بعض المناطق السورية، ومباركة المجتمع الدولي عبر الأمم المتحدة، وعبر المبعوث الدولي لهذا الاتفاق الذي ترعاه الدولتان الكبيرتان سياسياً، وترعاه روسيا منفردة ميدانياً، لم تتوقف الخروق والاتهامات المتبادلة بمخالفة شروط الهدنة. ومن مطار حميميم نفسه، تخرج البيانات اليومية لخروق المعارضة، وتخرج الطائرات التي تقصف المدن والقرى السورية في الشمال، وكذلك تخرج الأوامر والإحداثيات لطائرات النظام لقصف مناطق أخرى. وذلك كله يجعل من الهدنة السورية أغرب هدنةٍ في تاريخ الحروب، فهي تتيح للطرف الرئيسي فيها (النظام والقوات الروسية) أن يستمر في فعل ما يشاء، وأن يضرب حيث يشاء، وفي الوقت نفسه، يمارس دور الحكم، فيطلق الصافرات ويرفع البطاقات الصفراء والحمراء، ويحدّد من التزم ومن لم يلتزم بشروط الاتفاق.
ما حدث، في الأيام الماضية في مناطق سورية عديدة، هو تأكيد لهذه الحالة الغريبة، ففي وقتٍ كانت روسيا تعلن فيه تمديد الهدنة في مناطق ريف دمشق، كانت طائرات النظام (لا يمكن تفريقها عن الطائرات الروسية) تلقي البراميل المتفجرة على داريا ودوما والزبداني ومناطق أخرى. وخلال ساعات من إصدار مركز حميميم تأكيداً لتمديد الهدنة، تحديداً في داريا على طريق دمشق درعا، ألقت طائرات النظام اثني عشر برميلاً متفجّراً على المدينة التي ما زال يسكنها عشرات الآلاف من أهلها المحاصرين، وكذلك خلال إعلان الفصائل الموجودة في الزبداني ومضايا عن وصولها إلى اتفاق مع الإيرانيين وحزب الله، لتمديد الهدنة في هذه المناطق وفي بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين في ريف إدلب، اجتمعت طائرات النظام ومدفعيته على قصف البلدتين، فيما ذكرت وسائل إعلام النظام أن المعارضة أطلقت قذائف باتجاه كفريا والفوعة، وقالت بسقوط قتلى في البلدتين، فيما أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان عن سقوط قتلى في مدينة دوما المحاصرة كذلك، والتي تدخل، هي الأخرى، في نطاق الهدنة.
تشبه هذه الهدنة السورية النكتة السورية القديمة (تعود إلى مشهد من مسرحية ضيعة تشرين لمحمد الماغوط) عن الناس الذين خرجوا في الليل ليشاهدوا منع التجوّل، فالطائرات والمدافع والرشاشات تخرج عن صمتها كل يوم لتتأكد من سريان الهدنة ربما، او لتذكّر العالم بأن هناك هدنة، وإلا ما معنى أن يستمر القصف والموت والحصار؟
وتشبه القيادة الروسية في سورية تحديداً، في تصرفاتها وبياناتها، ذلك الرجل الذي يجلس في رمضان، ممسكاً بسيكارة أو كأس ماء، ويحض الناس على الصيام، ويعدّد لهم فوائده الروحية والصحية، ويزيد الراعي الروسي على ذلك الرجل، بأنه يعدّد، بالصوت العالي، أسماء المفطرين في الحي، مهدّداً إياهم بالويل والعذاب، وقد وجدت، منذ البداية، الذريعة الدائمة لفعل ما تريد، حين تركت مفهوم تحديد الجماعات الإرهابية مفهوماً مطاطاً تتحكّم به على هواها. وبحسب ما تقتضيه ظروف معركتها ومعركة حليفها الأسد، فحجة جبهة النصرة تصلح للاستخدام في أي وقت وأي مكان، والحكومة الروسية تستمر في مطالبة الفصائل السورية المعارضة بالانفصال عن جبهة النصرة، وتكرّر ذلك كلما ارتكبت قواتها أو قوات حليفها جريمةً جديدةً بحق المدنيين. وحتى في غوطة دمشق، حيث خاضت الفصائل المقاتلة هناك معارك شرسة مع جبهة النصرة ومع تنظيم داعش، وخسرت عشراتٍ، بل مئاتٍ من مقاتليها في هذه المعارك، تطالبها روسيا، عبر الولايات المتحدة، بالانفصال عن جبهة النصرة، حتى تصبح جزءاً من الهدنة.
واسعة هذه الهدنة، ومطّاطة، ومرنة، وطرفاها ممسوكان من يدٍ واحدة، هي اليد الروسية، وطالما بقي الوضع كذلك، سيستمر موت الناس، وستستمر المآسي بالتوسع، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.
*إعلامية سورية