الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الهدنة ..وأسبابها الأميركية الروسية!

الهدنة ..وأسبابها الأميركية الروسية!

27.02.2016
محمد كعوش



الرأي الاردنية
الخميس 25-2-2016
 عندما بلغت الحرب على الارهاب ذروتها ، ودخل الصراع مرحلته النهائية ، توقف فجأة وبلا مقدمات، السباق المحموم بين موسكو وانصارها من جهة، وبين واشنطن ومن حالفها من الجهة الاخرى، واعلن الطرفان انحيازهما لاتفاق وقف اطلاق النار ، وحددا ساعة الصفر في منتصف ليلة الجمعة -0 السبت ، كهدنة تمهد لحل سياسي مطلوب للمسألة السورية ، كما أن لهذا الاتفاق اسبابه الاميركية الروسية ايضا .
الحقيقة أن الاتفاق استند الى تراث من القرارات والبيانات والمؤتمرات المتواصلة ، والى مجهود دولي تراكمي، ولكن لا أعتقد انه يبعث على التفاؤل، بسبب صعوبة تطبيق الاتفاق على ارض ملتهبة بهذه السهولة، وبسبب الضبابية التي تغلف بنوده ، وعدم الواقعية في عملية التنسيق والمتابعة . ورغم ذلك سارعت دول كبيرة، وكثيرة، باعلانها عن تأييدها للهدنة وباركتها ، على أمل التوصل الى مرحلة الحل السياسي ، ووقف شلال الدم وانهاء معاناة الشعب السوري ، والانتقال الى مرحلة بناء المؤسسات واعمار البلاد .
السؤال الاهم هو لماذا الان ، لماذا لم يتم فرض الهدنة في وقت مبكر يجنب سوريا المزيد من الخسائر البشرية وتدمير البنية التحتية ، وتخريب مؤسسات الدولة ؟
قد يكون التوقيت يتعلق بأسباب أميركية – روسية . الواضح أن البيت الابيض بحاجة الى مثل هذا الاتفاق اليوم أكثر من أي وقت مضى لأن الادارة الاميركية تمر في مرحلة انتقالية ، والحزب الديمقراطي لا يحتاج الى مزيد من الهزات والزلازل والاخطاء اثناء المعركة الرئاسية ، هذا الواقع اربك الموقف الاميركي المتقلّب غير الواضح ، وهو الدور الذي خذل الحلفاء وخيّب آمالهم .
أما روسيا ، فهي دولة عظمى تستعيد دورها في المنطقة . ولها علاقاتها ومصالحها التاريخية . ويبدو انها تعبت من استمرار دورها العسكري في سوريا ، ولكنها لم تشارك في الحرب من أجل الحرب التي ارهقت اقتصادها ، رغم أنها تأقلمت مع انخفاض اسعار النفط، ونجحت في تكييف ظروفها الاقتصادية مع العقوبات المفروضة عليها .
اضافة الى كل ذلك ، ترى موسكو أن الدولة السورية وصلت الى بر السلامة وتجاوزت مشروع التقسيم ، وأن ميزان القوى في الميدان العسكري في ساحة الصراع أصبح في صالح الجيش السوري ، وبالتالي سوريا ،جيشا وشعبا، بحاجة الى هدنة لالتقاط الانفاس . وقد جاء الاتفاق بين موسكو وواشنطن، وبمباركة دولية، من اجل استحضار الحل السياسي على حساب الحل العسكري، والهدف الآخر المهم هو ابعاد شبح الحرب خشية نشوب حرب إقليمية تتورط فيها واشنطن وموسكو اكثر .
لذلك يجب أن لا نتفاءل كثيرا بنجاح الهدنة ، لأن الآلية السحرية لتنفيذ بنود الاتفاق الانتقائي غير واضحة، أو بشكل اوضح غير واقعية . وما يبعث على الدهشة والاستغراب، ويطرح علامات الاستفهام ، هو، كيف سيتم التعامل مع عناصر "داعش" و"النصرة" والمنظمات التي سيعلنها مجلس الامن تنظيمات ارهابية، في مناطق متداخلة تعمل فيها عناصر مسلحة متحركة؟ وكيف سيتم التعامل مع المنظمات المسلحة التي تطلق عليها واشنطن لقب "التنظيمات المعتدلة" وتجنيبها صواريخ الطائرات وقذائف المدافع ؟
الحقيقة أن كل انسان عاقل ينحاز الى جانب الحوار والتفاوض والحل السياسي، وتحقيق المصالحة والمشاركة، كما ان الشعب السوري النازف بحاجة الى هدنة، كما هو بحاجة الى حل سياسي سريع، ولكن الاعتراف بحق وجود معارضة مسلحة ضد الدولة والنظام في بلد عضو في الاسرة الدولية يشكل سابقة خطيرة جدا. وما نخشاه أن تعطي الهدنة فرصة جديدة للتنظيمات الارهابية كي تعيد انتشارها ، وتمنحها الوقت الكافي لاعادة بناء قواتها وتحصيناتها ، وجلب المزيد من السلاح والمال والرجال.