الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الهزليون السوريون والاعتدال الأميركي

الهزليون السوريون والاعتدال الأميركي

10.11.2014
خطيب بدلة



العربي الجديد
الاحد 9-11-2014
مسؤولو الولايات المتحدة الأميركية، ابتداءً بأبي حسين أوباما، مروراً بجون كيري وكونداليزا رايس، وصولاً إلى أصغر بَوَّاب في البيت الأبيض، والبنتاغون، والكونغرس، صَرَّحوا، أكثر من ستمئة مرة، أن أميركا تنوي تسليح المعارضة السورية (المعتدلة) من أجل مكافحة الإرهاب، وإجبار بشار الأسد على القبول بالحل السلمي.
ونتيجة لهذه التصريحات، وبحسب ما أفتى أحدُ العارفين، لم يُكْتَبْ أيُّ نوع من الثواب، أو الحسنات، في صحيفة الولايات المتحدة عند الله تعالى؛ مع أنها (نَوَتْ) أن تسلح المعتدلين بالفعل، لكنَّ الأعمال لا تكون (بالنيات)، إلا إذا كانت صادقة، وخَيِّرة، وخالية من الرجرجة، والذبذبة، والطَعْوَجة. ويجب، كذلك، أن تكون المفاهيم واضحة؛ فتجيبنا أميركا عن السؤال ‏التالي: ما هو الاعتدال؟‏
الهزليون السوريون، بعدما فهموا لعبة التصريحات الأميركية التي تتفاوت في الصعود والهبوط، وتتناوب مع التصريحات الفرنسية والبريطانية والكندية والأسترالية والإسرائيلية، ذهبوا، من توّهم، إلى مجلة "كش ملك" الإلكترونية الهزلية، وفتحوا برنامج البحث عن مفهوم (الاعتدال).
وبعد مداولات عديدة، ومماحكات، وأخذ ورد، و(قُلْ لي أَقُلْ لك)، وجدوا ضالتهم في الأفلام السينمائية المصرية القديمة التي كان منتجوها يضعون ثقلهم المادي والمعنوي والفكري كُلَّهُ لأجل إثبات فكرتين، تتمتعان بقدر كبير من الأهمية، أولاهما أن الزواج "قسمة ونصيب"، وثانيتهما أن "المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين".
من هنا، استنتجَ أحدُ هؤلاء الهزليين أن الاعتدال يعني الزواج، والشخص المعتدل، برأيه، ليس المتزوج، بل المرأة المتزوجة (المعتدلة)، بدليل أن البنت التي تتأخر في الزواج كانت والدتُها تندب حظها قائلة لها: يا ميلة بختك يا بنتي، دا نصيبك تأخر أوي يا روح أمك.
فإذا انفتحت لها، فجأةً، أبوابُ السعد، يكون بختها المائل قد (اعتدل)، ولذلك، سموا عش الزوجية: بيتَ (العَدَل)
والأب المصري، إن كنتم تذكرون، ينصح ابنه قائلاً: امشِ (عدِلْ) يا بني يحتار عدوك فيك.
وإذا ضاقت الأحوال بأحدهم يقول: لا بد ما (يعدلها) ربك. وإذا احتدم الجدل والشجار في بيت العَدَل حول المفهوم ذاته، تضع المرأة يديها على خصرها، وتقول لبعلها: شوف بقى يا دا لْعَدي، الله الله عَ الاعتدال، والاعتدال الله الله عليه.
وتَدَخَّلَ هزليٌّ آخر، قائلاً إن الاعتدال شأن سوري خالص، فأهل الشام يصفون الشاب القبضاي بأنه زكرتي و(معدَّل)، وحينما يمعنون في شرح التعديلات التي طرأت عليه، يقولون إنه لا يحب المايلة ولا الزاحلة. ويضيفون صفة تتناقضُ مع صفاته الحسنة، وتدلّ على قلّة تفكيره وسخف سلوكه، فيقولون: وضَرْبَتُه قبل كلمته.
وقبل ربع قرن، تلقّف المخرج بسام الملا مفهوم (الاعتدال)، وقدم سلسلة طويلة من الأعمال التلفزيونية، عن الرجل الشامي (المعدل) الذي يضع خنجره في مقدمة جسمه، ويمشي بطريقة (خصلة وعنقود)، ولا يشتري مفردات الحياة اليومية المدنية بمتليك عثماني، فهو رجل يرتبط من لسانه، ومَسْكَتُهُ على شواربه أقوى بكثير ممّا هو مدون في السجلات العقارية التي تعرف باسم: الطابو.
وهَبَّ عشراتُ الكتّاب والمخرجين والفنانين لتقليد بسام الملا، بنسخ تايوانية، حتى صار الشعب السوري يبغض (الاعتدال)، ويتشهّى على قليل من التطرف.
وتحت ظل استبداد نظام حافظ الأسد ووريثه بشار، وعلى الرغم من غياب (العدالة)، فقد دَبَّجَ المحامي، هايل اليوسفي، ‏مئات الحلقات من برنامج إذاعي شهير اسمه "حكم العدالة"، الغايةُ منه التأكيد على وجود (العدالة).
وقالت الصديقة الهزلية فاطمة إنها شعرت، فجأة، بشيء من الاعتدال، لذا، قررت أن تجري أشعة ‏وتحاليل وإيكو ورنيناً مغناطيسياً!
وفي خاتمة المطاف قدم أحد كبار الهزليين هذا الموال:
يللي هويت الاعتدال سيبك من التَّطَرُّفْ
وإن كنت عاوز تقول بَعِّدْ عن التَّفَلسُـــفْ
دا لا الاعتدال بينفع، ولا بينـــفَع تَطَرُّفْ
عالأصل دَوَّر.