الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الوقوف على حقيقة المشهد السوري

الوقوف على حقيقة المشهد السوري

03.06.2015
بشير عيسى



الحياة
الثلاثاء 2/6/2015
للأمانة والتاريخ، فالمعارضة السياسية السورية ممثلةً بالمجلس الوطني وتنسيقيات الثورة، ولاحقاً الائتلاف، ارتكبت خطأ استراتيجياً حين تحالفت مع الفصائل المتشددة، وفي مقدمها "جبهة النصرة"، فرع "القاعدة" في بلاد الشام، لا بل وصل بها الأمر إلى الدفاع عنها في المنابر الدولية، والاعتراض على إدراجها على لائحة الإرهاب. ورافقت ذلك دعوة التنسيقيات والمجلس الوطني للتظاهر في جمعة سمّيت "جبهة النصرة ليست إرهابية - لا إرهاب إلا إرهاب النظام!".
أما لجهة دخول "حزب الله" إلى جانب النظام، ودوره في تقوية القوى التكفيرية، فهذا أمر بدهي، فرضه التغيير في قواعد اللعبة، وذلك حين قام "إخوان" سورية والفصائل المقربة منهم، وبدعم سياسي ولوجيستي من حكومة أردوغان، بتسهيل مرور المجاهدين العرب والأجانب للقتال ضد النظام، تحت مسوغ شرعي: "نصرة المسلمين لإسقاط الطاغوت"! فكانت الذريعة التي استجلبت الحزب. وهو ما حذرنا منه، كون هذا التحول - التغيير، سيجعل سورية ساحة قتال للآخرين، يحوّل فيها النظام الحراكَ إلى حرب على الإرهاب! تبقى مسألة أن الجيش الحر لم يكن ذا صبغة دينية، قبل دخول الحزب، فهذه مسألة تحتاج إلى إعادة تصويب، والعودة إلى الأرشيف، توخياً للدقة وإنصافاً للحقيقة. وهنا علينا ألا نحيد عن أساسية محورية هي "تحويل الحراك إلى حرب على الإرهاب" بحيث نقيم الميزان الذي يساعدنا في معرفة وكشف حقيقة ما يجري في الميدان، وكيف يتم توظيفه واستثماره، عند ذلك فقط يمكننا تقويم الربح والخسارة، آخذين في الاعتبار الدور الوظيفي للإعلام.
في الشكل يبدو سقوط مدينتي إدلب وجسر الشغور في الشمال، على أيدي الفصائل الإسلامية المتشددة بقيادة النصرة، انتصاراً لهذه الأخيرة وحلفائها، وهزيمة مدوية للنظام وحلفائه، أربكت معها كل الكتّاب والمحللين الذين ينتمون إلى خطه السياسي، لا سيما بعدما صب الإعلام الرسمي جام غضبه على الدور التركي ومن يقف خلفه، محملاً إياه سبب خسارته المعركة! فالانسحاب التكتيكي وإعادة الانتشار، بذريعة حماية المدنيين والجنود، لم يكن مقنعاً للمدافعين عن النظام ممن شككوا، بانفعالية سياسية، بمدى صدقية مواقف الحليفين، الإيراني والروسي، ما دفع بالسفير السوري في لبنان إلى القول أنه يتفهم مبالغة هؤلاء ويضعها في خانة "الغيّرية"!
فما حصل شكّل للوهلة الأولى صدمة كبيرة، ضعضعت معنويات نخب النظام وحواضنه، ما استوجب ظهور نصرالله والرئيس الأسد، بغية رفع المعنويات، تحت شعار "خسارة المعركة لا تعني خسارة الحرب"، ورافق ذلك قيام الجيش النظامي بهجوم معاكس على قرى سهل الغاب الشمالي، وصولاً إلى أطراف مدينة جسر الشغور، لأجل فك الحصار عن حامية المستشفى التي تحولت حيثيةً رمزية، فرضها صمود حاميتها، أمام موجات الانتحاريين واستعادة المدينة، بالتزامن مع بدء معركة القلمون.
وللوقوف على حقيقة هذا المشهد، المعقد والمركب، علينا طرح الأسئلة التي من شأنها أن تظهّر حقيقته. فالمضمون لا يتطابق مع الشكل إلا جزئياً، وما خفي يشكل حقيقة المسكوت عنه، والذي تعكسه بعض الإشارات. وعليه نسأل: كيف تمكنت الفصائل الإسلامية من السيطرة على مدينتي إدلب وجسر الشغور بأيام معدودة، في وقت تعجز عن اقتحام المستشفى؟! ثم لماذا حققت هذه الفصائل ما عجز عنه لأعوام الجيش الحر؟! إذا دققنا بالأمر سيبدو مربحاً للنظام في حال كان النصر لـ "جبهة النصرة" التي رفضت انتقال الائتلاف إلى المدينة! وهو ما بدا متوقعاً، لا سيما بعد قضاء الأخيرة على حركة حزم وجبهة ثوار سورية. وكي لا نتهم بالمبالغة وعدم الموضوعية، سننظر إلى المشهد من زاوية أخرى وهي أن معظم المجموعات الإسلامية ومعها فصائل الحر شنت عشرات الهجومات على بلدتي نبل والزهراء، وكلها منيت بالفشل، والسبب وجود البيئة الحاضنة لقوات النظام وتماسكها.
ولأن هذه البيئة لم تكن متوافرة في مدينتي إدلب وجسر الشغور، كان من البدهي أن ينفذ الجيش انسحابه، خلافاً للمبالغة التي رأى أصحابها أن عشرة آلاف مقاتل سنّي من مناطق إدلب وحسر الشغور، يتهيأون لاستعادة ما فقدوه مع الجيش! وطبعاً هذا الكلام يجافي المنطق قبل الحقيقة!
فما جرى في إدلب هو تسهيل لـ "جبهة النصرة"، يمنحها مقداراً من التوازن، بمواجهة تمدد "داعش"، فوق الديموغرافيا السورية وتحديداً في بيئاتها الحاضنة، وذلك كمقدم لإنهاك هذه القوى، فوق بيئاتها التي لم تحصد من النصر سوى مزيد من التشرد والقتل والدمار. وهو ما يمهد الطريق أمام النظام للوصول إلى مبتغاه، مدعوماً بالمضمون، بتحالف دولي ضد الإرهاب، بقيادة أوباما الذي لا يرى الحل في سورية، إلا سياسياً!