الرئيسة \  تقارير  \  الولايات المتحدة تحتاج إلى سياسة أمنية جديدة في الشرق الأوسط

الولايات المتحدة تحتاج إلى سياسة أمنية جديدة في الشرق الأوسط

25.09.2022
العرب اللندنية


العرب اللندنية
السبت 24/9/2022
يرى محللون أميركيون أنه نظرا إلى التغيرات العالمية وما تشهده منطقة الشرق الأوسط من اضطرابات أمنية وتنافس محموم على ثرواتها، يتعين على الولايات المتحدة تجديد إستراتيجيتها الأمنية في المنطقة، والالتفات نحو تعزيز العلاقات الدبلوماسية والشراكات الاقتصادية التي من شأنها أن تحافظ على مصالحها.
واشنطن - تبدي الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس جو بايدن توجها نحو تخفيف وجودها في الشرق الأوسط ضمن خطة إعادة انتشار جديدة لقواتها على الصعيد الدولي كان أبرزها انسحابها من أفغانستان في أغسطس العام الماضي، ثم انشغالها بمواجهة النفوذ الصيني والحرب الروسية – الأوكرانية.
جاء ذلك بعد عقود من الارتباط العسكري والأمني مع الشرق الأوسط على حساب بقية مناطق العالم، فالشرق الأوسط منطقة إستراتيجية غنية بالثروات وكانت لفترة ما محور صراع القوى العظمى.
وخلال انشغال واشنطن في العقد الماضي بمشكلات الشرق الأوسط وبتعزيز نفوذها في صراعات المنطقة، اهتمت موسكو وبكين بتطوير قدراتهما الدفاعية وتحقيق تقدم على مستوى الأسلحة النووية والسيبرانية، وهو ما يرى محللون أنه يرجّح الكفة لصالح الصين وروسيا على حساب الولايات المتحدة، ودفع واشنطن أكثر فأكثر نحو مراجعة سياساتها وإعلانها الابتعاد عن “مستنقع” الشرق الأوسط الذي رأت أنه أدخلها في حروب ونزاعات لم تستفد منها.
لكن الأزمات العالمية الكبرى والتغيرات الجيوإستراتيجية الراهنة تفرض على الولايات المتحدة إعادة تقييم سياستها الأمنية في المنطقة وتجديدها بما يحمي مصالحها هناك، وينأى بها عن أزمة الطاقة التي تعدّ أبرز الأزمات الراهنة، خاصة بعد شن روسيا حربا على أوكرانيا يبدو أنها ستطول وتعيد دول العالم نحو النفط والوقود الأحفوري الذي كانت تشجع على التخلص منه.
على الولايات المتحدة ألّا تتراجع عن إعطاء الأولوية للشرق الأوسط أو تنفصل عنه، ولكن ينبغي عليها إدارة كل مصالحها هناك
وتعكف مراكز البحث الأميركية على إعداد دراسات وبحوث من شأنها توجيه سياسة الولايات المتحدة الأمنية في الشرق الأوسط خلال المرحلة القادمة أو تقديم صورة عنها.
ونشرت مؤسسة الأبحاث والتطوير الأميركية “راند” مؤخرا تقريرا مطولا في نحو سبعين صفحة عن مصالح الأمن القومي الأميركي في الشرق الأوسط في ضوء السياقات السياسية والأمنية والاقتصادية المتغيرة.
وشاركت في إعداد التقرير شيلي كولبرتسون، كبيرة الباحثين والمديرة المساعدة لبرنامج إدارة الكوارث والقدرة على مواجهتها في مؤسسة راند، والدكتور هوارد جيه. شاتز أستاذ التحليل السياسي بكلية باردي راند للدراسات العليا، والباحثة ستيفاني ستيوارت المتخصصة في الشؤون الاقتصادية، والتي عملت في الأردن وسلطنة عمان وزارت المغرب وإسبانيا.
ويبحث واضعو التقرير نهجا جديدا في إدارة المصالح الأمنية الأميركية في الشرق الأوسط يتجنب نمط الارتباطات العسكرية التفاعلية التي شهدتها الولايات المتحدة طوال عقود.
ويعترف هذا النهج بأن الشرق الأوسط يقع في مفترق طرق المصالح الأميركية الحيوية والمتعددة، وأن المشكلات التي تبدأ في الشرق الأوسط تنتشر في مختلف أنحاء العالم.
وأوضح التقرير بعض الحقائق التي تستوجب من الولايات المتحدة إعادة النظر في إستراتيجيتها الخاصة بالشرق الأوسط، ومن أهمها أن وضع الجماعات الإرهابية تدهور، لكن مازالت لديها إمكانيات.
وأقرّ التقرير أيضا بأنه رغم أن الولايات المتحدة تعتمد الآن بصورة أقل على الطاقة من الشرق الأوسط، مازال حلفاؤها يعتمدون على تلك الطاقة. كما أن الشرق الأوسط يعتبر منطقة ساخنة بالنسبة إلى مسألة انتشار الأسلحة النووية، وهي مسرح للتنافس بين الدول الكبرى.
الولايات المتحدة
ويؤدي الصراع والعدوان في الشرق الأوسط إلى توتر النظام العالمي، وهو ما يؤثر على الأمن الأميركي. كما أن تأثيرات تغير المناخ تزيد من حدة التحديات الأمنية الأخرى. وأخيرا، يمكن القول إن الولايات المتحدة تستفيد من رفاهية حلفائها وشركائها.
ولا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بوجود عسكري قوي، بما في ذلك القواعد في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. وتدير عشرات الآلاف من القوات الأميركية دبابات في الكويت، وتبحر عبر مضيق هرمز وتشارك في مهمات جوية عبر شبه الجزيرة العربية.
وذكر تقرير “راند” أنه بالرغم من أن تنافس الولايات المتحدة مع روسيا والصين أفضى إلى المطالبة بألا تكون للشرق الأوسط الأولوية في السياسة الخارجية والأمنية الأميركية، فإن هناك مجموعة كبيرة من المصالح الأمنية الأميركية الحيوية في الشرق الأوسط لا يجب تجاهلها.
فالتغيّرات السياسية والأمنية والاقتصادية في الشرق الأوسط تتطلب تعديل الأولويات الأميركية. ويرى الباحثون أنه يتعين على الولايات المتحدة ألا تتراجع عن إعطاء الأولوية للشرق الأوسط أو تنفصل عنه، وينبغي لها أن تدير كل مصالحها هناك، تشمل الأهداف التقليدية الخاصة بمنع الإرهاب وحماية أسواق الطاقة العالمية ومواجهة البرنامج النووي الإيراني وغيره من الأنشطة المزعزعة لاستقرار المنطقة، وكذلك المصالح الإضافية التي تتعلق بالتعامل مع تنافس القوى الكبرى والصراعات الإقليمية والتداعيات البشرية والمالية لصراعات ونزوح المدنيين، وتغير المناخ وعدم الاستقرار المزمن.
ويقول الباحثون إنه من أجل تأمين مصالحها يتعين على الولايات المتحدة الاعتماد بصورة أقل على العمليات العسكرية وزيادة الاعتماد على الدبلوماسية والتنمية الاقتصادية والمساعدات الفنية؛ فأي إستراتيجية أميركية جديدة تحافظ على الشرق الأوسط كأولوية وتعيد التوازن بين الآليات العسكرية والمدنية يمكن أن تساعد في تحويل المنطقة من وضع يشهد تعرض الولايات المتحدة لخسائر إلى وضع تزداد فيه مكاسب الشعب الأميركي، وكذلك شعوب الشرق الأوسط.
التقرير دعا إلى ضرورة تبني واشنطن إستراتيجية جديدة خاصة بالشرق الأوسط وتعتمد بدرجة أكبر على الآليات المدنية
وأكد الباحثون أن شعوب الشرق الأوسط أظهرت قدرتها على التضحية من أجل التنمية، ومن أجل حياة أفضل وأكثر رخاء وسلما، وأن الولايات المتحدة ينبغي لها أن تهتم بتحقيق هذه الأهداف.
ويوضح الباحثون أنه يمكن للولايات المتحدة أن تقوم بذلك من خلال العمل بفاعلية لإنهاء الصراعات وبالمساعدة على تعزيز المزيد من التبادل الاقتصادي وتوفير المزيد من الحكم الفعّال. كما أن تحقيق ذلك من شأنه أن يحد من خطر استدعاء الولايات المتحدة مرة أخرى للمشاركة في عمليات عسكرية في المنطقة، وما يصاحب ذلك من تكاليف باهظة.
ومن بين التوصيات التي تضمنها التقرير ضرورة تبني الولايات المتحدة إستراتيجية جديدة خاصة بالشرق الأوسط وتعتمد بدرجة أكبر على الآليات المدنية، وكذلك تطوير أساليب جديدة لإدارة المخاطر عندما تخفض الولايات المتحدة تواجدها العسكري في المنطقة، والاحتفاظ بإستراتيجية متكاملة طويلة الأمد في ما يتعلق بإيران، وأيضا الاحتفاظ ببرنامج متكامل يشمل مختلف الأجهزة لمواجهة التطرف العنيف.
كما دعت التوصيات الولايات المتحدة إلى التوسط لإنهاء النزاعات وإيجاد حلول عملية لمشكلة نزوح المدنيين، وضرورة تركيز واشنطن على المساعدات التنموية لمواجهة سببين كانا وراء اندلاع احتجاجات الربيع العربي؛ هما افتقار الشباب إلى الفرص الاقتصادية وفساد الحكم. وأكدت التوصيات على وجوب تسهيل التفاعلات الإقليمية والمساعدات المتبادلة والحوارات الأمنية.