الرئيسة \  مشاركات  \  الى أين تذهب عقول العرب؟

الى أين تذهب عقول العرب؟

07.04.2013
الشيخ حماد ابو دعابس


رئيس الحركة الاسلامية
لا أستخف ابداً بالعرب ولا بعقليَّاتهم الكبيرة ، ولكنَّ الواضح ان هنالك خللاً كبيراً في استثمار العقول العربية وتوجيهها الوجهة الاجدى والأنجع . مما يستدعي دائماً الوقوف على هذا الانحراف الخطير في وجهة الامة ، نحو اعادة بناء نفسها ، وصياغة حاضرها ومستقبلها . ففي حين تستثمر الدول الغربية نسبة 2%- 4 % من ميزانيتها العامة ، الضخمة اصلاً ،في مجال البحث العلمي ، وتشجيع الاختراع والتطوير والتحديث ، فانَّ غالبية الدول العربية تستثمر ما دون 2% (أي 2 في الالف)من ميزانيتها المتواضعة اصلاً لهذا الغرض. ولذلك يبقى العرب رغم نفطهم ، وسعة اراضيهم ، وتوفِّر كافة المعادن والثروات الطبيعية لديهم ، دولاً اتكالية ،تعتمد في كل شيء تقريباً على الخدمات الاجنبية ، ولا تكاد تملك الاكتفاء الذاتي الكامل في أي صناعة كانت.
لا يزال العرب رغم النيل ودجلة والفرات وغيرها من الانهار ، يستوردون القمح وسائر انواع الاغذية من خارج وطنهم ،ويلبسون ما يُصنع في مصانع الصين وكوريا ، ويركبون ما تصنعه اوروبا وأمريكا .وحتى نفطهم تستخرجه الشركات الغربية ويُكرَّر في خارج الوطن العربي ثم يعود ليُباع للعرب من جديد. فما بالك بسلاحهم،الذي يستلمون منه دائماً النسخة القديمة، بالتقنيات المحدّدة والكميات التي يُحددها لهم العمّ سام .ولن يبلغ العرب لهم استقلالية قرارهم حتى يأكلوا مما يزرعون ويلبسوا ويركبوا ويقاتلوا ممّا يصنعون.
العقول العربية المهاجرة
مئات الالاف ان لم يكن الملايين من حملة الشهادات العليا من العرب ،لم تستطع ان تستوعبهم دولهم،ولا مؤسساتها الوطنية ، فتخرجوا من جامعات امريكا وأوروبا ،واستقروا فيها ، يُبدعون ويخترعون ويكتشفون ، ويتقدَّمون بانجازاتهم العلمية الى الصفوف المتقدمة على مستوى العالم.وحتى لو قرَّر الالاف منهم العودة الى اوطانهم ، فإنه ليس باليسير توفّر البيئة المناسبة لاستيعابهم ،وسيجدون انفسهم طاقةً ضائعةً غير مستغلَّة، او مضطرة لخوض صراعات مريرة لإثبات حضورهم .الامر الذي لا يشجِّع على عودة هذه العقول المهاجرة ، بل ايثارها للبقاء في الحاضنة الغربية التي تحسن استثمارها ،  والاستفادة منها .
ولا شكَّ ، الى جانب ذلك ،ان تركيبة النظام العربي ،المؤسَّس على التشكيك في الكفاءات العلمية ،والنظر اليها كمصدر خطر وقلق على مستقبل النظام، تجعل من هذه العقول اهدافاً مطاردةً مستهدفةً ،بل مشكوك فيها .فالنظام الحريص على بقاء نفسه اكثر من حرصه على مستقبل بلاده ، يرى في العقليات الكبيرة في بلده مصدر خطر على أمنه واستمراره .هذا اضافةً الى أنَّ الانظمة العربية التي لا تملك استقلالية القرار ، وتنسِّق امنيّاً مع اعداء الامّة ، فإنّهم ولا شكَّ سيتخلّون عن علمائِهم الأفذاذ الذين يرى فيهم الاعداء خطراً عليهم ، فيُتركون لملاقاة مصير الاختطاف او الاغتيال أو التحييد بشتّى الوسائل.
لا بُدّ للدول والأنظمة العربية الجديدة ، ان تأخذ على محمل الجدّ ، بل ان ترفع الى اعلى سلم الاولويات ، تهيئة المناخ المناسب ،لاستيعاب وتطوير واحتضان هذه العقول الكبيرة ،ليعود نفعُها وخيرها الى اوطانها.لا بدَّ من ايجاد السُبُل لاستعادة الكمّ الاكبر من هذه العقول الجبَّارة المهاجرة ،واحسان رعايتها ،وتوفير الميزانيات الحقيقية لتطوير البحث العلمي في شتَّى المجالات نحو صناعة الاكتفاء الذاتي العربي والإسلامي في كل شيء. وسيكون لذلك الاثر الاكبر على صناعة مستقبل امتنا العربية .
وعقول اخرى مستأجرة
اما الكمّ الكبير الآخر من العقول العربية ، والباقية في وطنها ،فلا تجد لها حيِّزاً تتحرَّك فيه إلاّ مؤسسات تابعة للدولة ،تستأجر تلك الطاقات ،وتفعلها وفق اجندتها وأولوياتها ،وكثيراً ما تُسخَّر لخدمة الانظمة لا الشعوب .
ولو بدأنا بالمثال القريب: من المستفيد الاول من عقول وكفاءات شبابنا العرب في الداخل الفلسطيني ؟ ان مؤسساتنا الوطنية والإسلامية لا تملك الطاقة لاستيعاب نسبة (1) في الالف من هذه العقول لتفرّغها للعمل الوطني والإسلامي ممّا يضطر هذه العقول للبحث عن مصدر عيشها في المؤسسات الحكومية ، والمصانع والمعاهد الاسرائيلية ،وقليلاً ما تجد المتطوِّع من اصحاب هذه الكفاءات للعمل الوطني او الاسلامي .
فأطباؤنا ليس لهم عمل إلا في المستشفيات ووزارة الصحة الإسرائيلية ، والمدرِّسون والأكاديميّون في سلك التربية والتعليم والجامعات الاسرائيليّة. والتقنيون والاختصاصيون في المصانع والشركات الاسرائيلية. بل الادهى من ذلك ،انَّ عملهم واكتسابهم يتحوَّل مع الوقت الى عنصر ضغط عليهم، يحول بينهم وبين انخراطهم في العمل الوطني والإسلامي خوفاً على اماكن عملهم ومصادر رزقهم . وبات العمل الاسلامي والوطني مرهون الى الكفاءات المتوسطة وما دون ذلك،اضافةً الى المتطوعين القلائل الذين يمتلكون الجرأة للوقوف الى جانب قضايا شعبهم وأمتهم ،رغم مواقعهم العلميَّة والتخصصية والمهنية ،ولهؤلاء نرفع التحيَّة الاجلال والإكبار والتقدير. وعلى ذلك قِس بما يجري في الوطن العربي. انه صاحب المال والسلطة الذي يمتلك القدرة على الاستفادة من تلك العقول الكبيرة. وواجب الأُمّة تجاه هذه العقول المستأجرة ،هو توفير جوّ الامان والاستقلاليّة الذي يوفِّر لها امكانية الابداع والعطاء لخدمة الدين والوطن ،بما لا يهدِّد لقمة عيش اصحاب الكفاءات والتخصصات.
ومضات سريعة
1- لقد سبق واستنكرنا حادث الاعتداء على طاقم الجزيرة ومراسلها الياس كرَّام في مسيرة يوم الارض بسخنين .هذا العمل غير المسئول لا يعبِّر بحال من  الاحوال عن قيمنا ، ولا عن مفاهيمنا ،ونحن برءآء من  مثل هذا التصرُّف المشين.
2-  حادثة غرق الاشقَّاء الثلاثة من عائلة الصرايعة في النقب ، تُشعل الضوء الاحمر امام جميع شبابنا للحذر في مواسم السباحة ، وتجنب الشواطئ غير الامنة ،وعدم ولوج البحر لمن لا يُتقن فنّ السباحة .
3-  اذا كانت قد وحدتنا جنازة الاشقاء الثلاثة بمشاركة 15000 مشيِّع، فينبغي ان توحّدنا كذلك نضالاتنا الجماهيرية كمسيرة ومهرجان يوم الارض وسائر الفعاليات الوطنية والإسلامية .فهي لفتة لجمهور يوم الارض خاصَّة.
4-  لقد رفعنا تعازينا الحارّة لامتنا الاسلامية بوفاة العالم الجليل الشيخ ابراهيم زيد الكيلاني ، ونعتبر أنّ الامة قد فقدت بوفاته علماً كبيراً من اعلامها الافذاذ ، فإلى جنة الخلد ،ومقعد الصدق عند المليك المقتدر بإذن الله تعالى .
5-  وفاة الاسير ميسرة ابو حمدية ،الذي عانى المرض في اخر فترة سجنه ، ولم ترقَ السلطات الاسرائيلية الى المستوى الانساني المطلوب لتطلق سراحه ليموت بين ذويه . هذا تعبير عن الصلف الصهيوني الذي لا يعرف الحدود .انها وصمة عار اخرى في جبين الاحتلال .وما يزال الخطر يتهدَّد الاسرى المضربين عن الطعام وغيرهم من المرضى . فمتى ستستفيق انسانية هؤلاء؟
والله غالب على امره