الرئيسة \  واحة اللقاء  \  امبراطورية "حزب الله"

امبراطورية "حزب الله"

28.05.2013
اوكتافيا نصر

النهار
الثلاثاء 28/5/2013
عندما اجتاحت إسرائيل لبنان عام 1982، كنت مراهقة أترعرع في أسرة مسالمة لم تكن مسيَّسة ولا مذهبية. وعلى رغم أن “حزب الله” نشأ آنذاك كحركة مقاومة ضد الوجود الإسرائيلي في لبنان، لم يثر اهتمامي إلا في مرحلة لاحقة، وتحديداً عندما حاولت، في إطار عملي في الصحافة عام 1990، “التواصل مع الفريق الآخر”، وحصلت على مقابلة حصرية مع المرشد الروحي للتنظيم، السيد محمد حسين فضل الله.
أتذكّر أنني أمضيت ساعات طويلة في أحد مراكز البحوث القليلة المتوافرة في لبنان، حيث رحت أبحث في الوثائق والمقالات والكتب عن معلومات عن الرجل والتنظيم. والموضوع الأول الذي لفت انتباهي كان الأجندة الإسلامية التي يخفيها الحزب. وقد طرحت السؤال صراحةً على فضل الله. ربما كان من أصعب الأسئلة لأنه كان مباشراً وتطلّب رداً مباشراً منه. وقد نظر في عينَي وقال: “حتى لو كان مشروعنا الأسلمة، أستطيع أن أطمئنك وأطمئن الآخرين الى أن حكمنا سيكون جامعاً وشاملاً للبنانيين كافة وسيحترم حريات الجميع”. ومن الأمور المهمة الأخرى التي تلفت الانتباه في تلك المرحلة النفوذ الكبير الذي كان يتمتّع به فضل الله من موقع المرشد الروحي للحزب بالمقارنة مع أمينه العام، والعدد الكبير من الأشخاص الذين كان يؤثّر فيهم، بما في ذلك وفد إيراني كبير كان ينتظر للقائه بعد انتهاء المقابلة. ما بقي محفوراً في ذهني من تلك المقابلة هو الانطباع الذي تكوّن لدي عما يمكن أن يكون “حزب الله”، وهي صورة مختلفة تماماً عما كان الحزب في الحقيقة وعما صار على مر السنين.
شيئاً فشيئاً، إنما بخطى ثابتة، باتت القيادة تتمحور أكثر فأكثر على شخصية القائد الفرد بدل المجالس المتعدّدة التي أنشأها الحزب في البداية. ولم يعد هناك من وجود للمرشد الروحي، وحل محله حكم عسكري أكثر تشدداً. كان “حزب الله”، تحت ذريعة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، الميليشيا المسلّحة الوحيدة التي سُمِح لها بمواصلة العمل بعد إعلان انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، الأمر الذي منح التنظيم شرعية غير مسبوقة استخدمها لاحقاً ليشهر سلاحه في وجه الشعب نفسه الذي يُفترَض فيه حمايته. وقد عمدت القيادة في “حزب الله” إلى تغيير النظام الأساسي للحزب للسماح بإعادة انتخاب الأمين العام إلى أجل غير مسمّى. وهكذا يمسك السيد حسن نصرالله بدفة الميليشيا منذ سبع ولايات متتالية على الأقل اعتباراً من عام 1992. وقد وضع نفسه في مواجهة مع العالم، وجعل الحزب على لائحة المنظمات الإرهابية في الغرب، في حين تمنحه التنظيمات الأكثر تشدّداً وأصولية في المنطقة وسام الشرف. وفي عهده، اتّضح مشروع “حزب الله” أكثر علناً، فلم يعد يفصله سوى خيط رفيع وهمي عن التطرّف الإيراني والسوري. خاض حرباً مع إسرائيل عام 2006، ليعلن بعد ذلك تحقيق النصر “الإلهي” متجاهلاً الثمن الباهظ الذي دفعه اللبنانيون ولا يزالون يدفعونه نتيجة قراراته وتصرّفاته الأحادية خلال عام 2006 وبعده. مع أن علة وجود الحزب الأساسية، أي مقاومة إسرائيل، كان يجب أن تنتفي بعد انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000، تحوّل كياناً عسكريتارياً مستقلاً داخل لبنان ذا تمثيل واسع في مجلسَي النواب والوزراء. وعوض أن يصير الحزب شريكاً جدياً في بناء الدولة، تحوّل أمبراطورية في قلب الدولة.
على رغم أن السيد نصرالله يختبئ خوفاً من الاغتيال، فإنه يتصرف الآن ويتكلم وكأنه أمبراطور من الزمن الغابر. لقد خُيِّل إليه أن التصفيق الذي ناله من كثيرين تعبيراً عن إعجابهم بمقاومته للاحتلال الإسرائيلي، يمنحه ضوءاً أخضر للقيام بما يحلو له. وقد نجح أيضاً في خنق الجزء الأكبر من المعارضة للحزب تحت تهديد تصويب أسلحته نحو أي رأي انتقادي أو أية شخصية معارِضة. وبما أنه لا صوت داخل الميليشيا غير صوته هو، يشعر السيد نصرالله بأنه لا يُقهَر ولا يُردَع ولا يُمسّ ولا يتزعزع وأنه معصوم من الخطأ. ونتيجةً لذلك، لم يعد يصح القول بأن “حزب الله” هو حزب مقاوِم، بل أصبح الآن محرِّضاً ومثيراً للاضطرابات يخدم الأجندة الإيرانية الساعية إلى بسط هيمنة إيران على المنطقة. يدرك السيد نصرالله أنه امتداد لذلك المشروع، ويراهن على تأدية دور قيادي في حال نجاحه.
لقد سقط طغاة عرب وسيستمر آخرون في السقوط مثل أوراق الخريف، وفيما تتغيّر المجتمعات العربية في أنحاء المنطقة وتتّجه نحو الحداثة والانفتاح والحوار، اختار “حزب الله” سلوك الأزقة الضيقة والمظلمة، أزقة القمع في إيران وسوريا. ولعل السبب أنها الأماكن الوحيدة حيث تستطيع أمبراطورية “حزب الله” أن تنوجد وتزدهر!