الرئيسة \  واحة اللقاء  \  امتياز اوكرانيا على سوريا

امتياز اوكرانيا على سوريا

27.02.2014
محمد النعمة زيني


المغرب
القدس العربي
الاربعاء 26/2/2014
لم يكن سقوط عشرات القتلى في مواجهات الأيام الماضية في العاصمة الأوكرانية كييف ليمر مرور الكرام قبل أن يحرك العالم فجأة باتجاه التعجيل بإيجاد حل سياسي يحقن دماء الشعب الأوكراني ويسدل الستار على أسابيع من الإحتقان السياسي الشعبي الذي أخذ بعدا دوليا بعد أن شكل ‘يورو ميدن’ أو ‘ساحة اليورو’ في العاصمة كييف حلبة للصراع بين الحكومة والمعارضة بدءا من ليلة 21 من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر العام المنصرم، بل وجسد حلبة أكبر لصراع آخر ظاهرـ مستتر بين روسيا من جهة التي تحاول جر أوكرانيا الى ماضيها السوفييتي الشيوعي، وبين الإتحاد الأروبي وامريكا اللذين يسعيان إلى إستمالة أكبر جمهوريات الإتحاد السوفييتي السابق بعد روسيا إلى حظيرة اليورو من بوابة إتفاقية التبادل الحر والشراكة الإقتصادية أولا.
جميل جدا أن نرى هذا الحرص من لدن الغرب على أرواح الأبرياء في أوكرانيا، لكن هذا الحراك الغربي لإيجاد حل سلمي وسريع يفضح الوجه القبيح للغرب المنافق الذي لطالما كال بمكيالين كلما تعلق الأمر بدولة غربية وأخرى من بلاد الإسلام، ففي الوقت الذي تستنفر فيه امريكا والإتحاد الأوروبي من جهة وروسيا الإتحادية من جهة ثانية كل طاقاتها الديبلوماسية وتحرك كل أوراقها السياسية بهدف وقف أعمال العنف والعنف المضاد وحث الأطراف المتنازعة على الجلوس إلى طاولة الحوار وإنهاء الأزمة، لم تكلف نفسها يوما كل ذلك العناء عندما تعلق الأمر ببلاد الإسلام؛ اللهم إلا باتجاه صب مزيد من الزيت على النيران المشتعلة أصلا بل وحتى الدفع بها نحو منزلقات القتل والدمار الدائرة ضمن حلقة مفرغة.
من الواضح طبعا بأن أرواح الأبرياء في سوريا لا تعني للغرب أكثر من مجرد أرقام تتحرك بشكل مهول على عداد الموت السوري الذي يحصي إلى جانب الأرواح السورية كذلك مكاسب هذا الغرب المنافق من تدمير وطحن بلاد الشام أرضا وشعبا، ثم بعد ذلك محاولة نزع الملامة الدولية بدعوة أطراف الصراع في البلاد إلى حلقة مفرغة من الجنيفات بوفود محتشمة تأتي لنفس الغرض؛ نزع الملامة وتجزئة الوقت على كل حال.
لن نرى طبعا مسارعة الغرب إلى تزويد المعارضة بالسلاح والعتاد لقتال النظام الذي يتحمل جانبا كبيرا من المسؤولية في سقوط ضحايا أبرياء من الشعب الأكراني، ولا تحرك جيران أوكرانيا جغرافيا لإرسال ميليشات تقاتل ضد نظام يانوكوفيتش على أساس ديني أو مذهبي ولا حتى حملات تجنيد واسعة للقتال، لا فتلك ماركة مسجلة لدينا استأثرنا بها دون غيرنا في هذا الكوكب.
غير أنه من نافلة القول بأن أطراف الصراع السياسي في أوكرانيا سواء على المستوى الخارجي أو الداخلي تبادلوا الإتهامات بخصوص الأحداث، إتهامات إستهلها رئيس الوزراء الروسي ديميتري ميدفيديف بالقول ان المتظاهرين يحضرون لجزرة لا ثورة وأن كل شيء محضر له من قبل؛ وسار على ركبه نظيره الأوكراني ميكولا أزاروف، في حين عبر وزير الخارجية الألماني لدى زيارة ميدان اليورو عن رفض بلاده محاولات النظام ردع المتظاهرين عن التعبير عن رغبتهم في دخول حظيرة الإتحاد الأوروبي على حد وصفه، وهو نفس الموقف الذي عبرت عنه مساعدة وزير الخارجية الأمريكية لشؤون أوروبا وآسيا فيكتوريا نولاند.
غير أن هذا الحجم من التجاذبات السياسية على الساحة الأوكرانية سواء أكانت بريئة أو مغرضة يكشف إلى جانب الصراع على الأرض السورية فضلا عن الجدل الدائر حول الإختراق الأمريكي الأوروبي لجمهوريات الإتحاد السوفييتي سابقا والذي مثلت أوكرانيا نموذجا حيا له؛ يكشف إلى أي حد تستطيع جمهورية روسيا الإتحادية الوقوف في وجه الهيمنة الأمريكية الأوروبية في العالم على الرغم من كون الحديث عن عودة الثنائية القطبية حديثا سابقا لأوانه’ومرد ذلك إلى تباين الإمكانات الإقتصادية والعسكرية والسياسية فيما بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.
يبدو أن الأشهر القليلة القادمة ستكون حاسمة في كشف الغمامة الكبيرة التي تخيم على أرض التوازنات السياسية العالمية، من بوابة أوكرانيا على الأقل بما أن الواقع السوري لا يوحي بحسم منتظر للصراع العسكري ومعه السياسي لإرتباط الثاني بالأول، وأن الموقع الجديد لأوكرانيا سيشكل تهديدا للأمن القومي كما يعتقد قيصر روسيا فلاديمير بوتين.
بمعزل عن ذلك كله نتمنى لسوريا أرضا وشعبا الأمن والسلام والوئام وأن يعبر الناس عن آرائهم دون حاجة إلى الجلوس على الكراسي المقلوبة وتجريب صنوف التعذيب وأشكال التنكيل وإستقبال البراميل المتفجرة ضيوفا على بيوت الآمنين من الأهالي، فضلا عن الكيماوي وليس إنتهاء بطوابير المسلحين القادمين من أصقاع الدنيا بحثا عن ‘الشهادة . ‘
هي مقارنة بسيطة إذا بين تعاطي الغرب المرن مع أزماته بالدبلوماسية والإجتهاد في إيجاد الحلول السياسية ومع أزماتنا بتزكية الإقتتال والتلكؤ في إيجاد الحلول، حفظ الله سوريا وشعبها وحقن دماء الأمة.