الرئيسة \  واحة اللقاء  \  امريكا تحاور الإسلاميين السوريين

امريكا تحاور الإسلاميين السوريين

09.12.2013
سمير الحجاوي


الشرق القطرية
الاحد 8/12/2013
أفضل ما في السياسة الأمريكية أنها "براغماتية" تتعامل مع الواقع والوقائع ولا تتعامل مع الأوهام والخيالات والرغبات، وهذا ما يجعل من السياسة الأمريكية سياسة فاعلة وقوية وتؤدي إلى نتائج تفيد مصالح الولايات المتحدة ونفوذها، وهي سياسة "لا أخلاقية" بالضرورة، بمعنى أنها لا تصنف الأصدقاء والأعداء على أساس مسطرة أيديولوجية ثابتة، لأنها تقوم على قاعدة "هناك مصالح دائمة لا أصدقاء دائمون".
أدركت واشنطن أنها لا تستطيع تجاوز الرقم الإسلامي في المعادلة السورية، فالثوار الإسلاميون هم الأقوى والأكثر نفوذا والأشرس في محاربة نظام الأسد الإرهابي، وأن المقاتلين الإسلاميين هم رأس حرب الصراع لإسقاط النظام البعثي، وقد قاد هذا الإدراك الإدارة الأمريكية إلى فتح قنوات مع الجماعات الإسلامية السورية المختلفة وإلى بدء حوار معها باستثناء جبهة النصرة بوصفها الذراع السورية لتنظيم القاعدة.
هذه المحادثات لم تعد سرا، بل كشفت عنها مساعدة المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماري هارف وقالت: "إننا نجري حوارا مع عينة واسعة من السوريين، فضلا عن مسؤولين سياسيين وعسكريين من المعارضة بمن فيهم مجموعة كبيرة من المجموعات الإسلامية. لكننا لا نتحدث إلى "الإرهابيين"، وإلى المجموعات المصنفة منظمات إرهابية". وأضافت أن "الواقع على الأرض هو أن ثمة مجموعة واسعة من المجموعات التي تتشكل منها المعارضة"، ونشرت صحيفة وول ستريت جورنال أن دبلوماسيا أمريكيا توجه إلى سوريا للقاء مجموعات إسلامية.
هذه الواقعية الأمريكية التي تعترف بالثوار الإسلاميين بوصفهم "الرقم الصعب" جاءت بعد محاولات عديدة لتجاوز الواقع الميداني في سوريا أو محاولة خلق واقع جديد عبر صناعة "دكاكين ثورية" تشكل ذراعا للأمريكيين وغيرهم على الأرض، لكن المحاولة الأمريكية وصلت إلى طريق مسدود رغم محاولة "بعض الأطراف العربية"، لإقناع الأمريكيين بجدوى فتح الدكاكين الثورية المتحكم به للتحكم ببعض مفاصل الثورة السورية، لكن الأمريكيين وجدوا أن هذا الطريق يقود إلى نفق مغلق، ومن هنا انتقلت الإستراتيجية الأمريكية من عدم الاعتراف بالإسلاميين كقوة عسكرية على الأرض بوصفهم قوى مجهولة الهوية "لأننا لا نعرفهم"، كما قال أحد المسؤولين الأمريكيين، إلى الاعتراف "بالإسلاميين الثوريين" والرغبة بالانفتاح عليهم، والتعرف عليهم "وجها لوجه" بشكل تدريجي ومتحفظ و"استطلاعي"، مع استثناء "الإسلاميين العدميين" الذين لا يقبلون بالانفتاح على الأمريكيين مثل جبهة النصرة أو الدولة الإسلامية في العراق والشام.
هذا الانفتاح الأمريكي على الإسلاميين السوريين يأتي أيضاً بعد إعلان 7 فصائل إسلامية اندماجها لتشكيل "الجبهة الإسلامية"، لتشكل أكبر تجمع لقوى إسلامية على الساحة السورية وبعد استيلاء جماعات إسلامية النصرة والدولة الإسلامية وأحرار الشام وجيش الإسلام على مناطق كانت تحت إدارة الجيش الحر وكان آخرها الاستيلاء على مستودعات ومقرات للجيش الحر بلدة باسقبا قرب معبر باب الهوى بإدلب.
ماذا يريد الأمريكيون من الإسلاميين؟ المعلن هو ما صرحت به المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية بقولها: " نظرا إلى عدم إمكان حصول أي حل عسكري، نحتاج إلى أن تؤيد هذه المجموعات فكرة أنه يجب أن يكون هناك حل سياسي"، وإقناع المجموعات الإسلامية بدعم "مؤتمر جنيف 2". يعني ما يريده الأمريكيون هو إنضاج "الطبخة المسمومة" لإنهاء الأزمة السورية على قاعدة "نظام لا يهزم وثورة لا تنتصر" من أجل تقاسم السلطة بين نظام الأسد والمعارضة، على أن يتم تقديم جزء من هذه الكعكة للإسلاميين بهدف إغرائهم بـ"تقاسم السلطة"، وأمل واشنطن هو أن "يبلع الإسلاميون الطعم الأمريكي".
في المقابل على الإسلاميين أن يكونوا واقعيين وأن ينفتحوا على الأمريكيين مباشرة لإسماع صوتهم والتحاور معهم دون وسيط وإسماعهم الصوت الصافي والواضح لمطالب الشعب السوري وثورته والمتمثلة بإسقاط نظام الأسد بكل رموزه ومؤسساته وأجهزته الأمنية والسياسية والاجتماعية والحزبية، وغير ذلك يدخل السوريون في مسار أشبه ما يكون بـ"مسار أوسلو الفلسطيني"، حيث يضيع الشعب والقضية والثورة.
ليس هذا فحسب، بل على الأنظمة العربية الانفتاح على الإسلاميين السوريين، بما في ذلك جبهة النصرة والتحاور معهم، فلا يعقل أن تبدأ أمريكا حوارا مع الإسلاميين وترفض الأنظمة العربية الحوار مع سادة الميدان في سوريا، وإذا كانت بعض الأنظمة العربية "مهمومة بمشاكلها الداخلية" وترى في جبهة النصرة والثوار الإسلاميين "تهديدا داخليا"، فإنها تعمل على دعم نظام الأسد الإرهابي بشكل غير مباشر، لأنها تفضل بقاءه ولو على حساب الدم السوري.. على الأنظمة العربية أن تعيد دراسة إستراتيجيتها، فالأمريكيون يعملون لحسابهم ولو مع "الشيطان"، ودرس الاتفاق النووي مع إيران لا يزال ساخنا.. أليس كذلك؟