الرئيسة \  واحة اللقاء  \  امريكا ومصيدة الشعب السوري.. كلفة اغضاب امريكا أقل بكثير من كلفة ارضائها

امريكا ومصيدة الشعب السوري.. كلفة اغضاب امريكا أقل بكثير من كلفة ارضائها

20.11.2013
قصي كمال


القدس العربي
الثلاثاء 19/11/2013
سنستعرض في هذا المقال بإيجاز كيف استطاعت السياسة الأمريكية التي حيكت بعناية فائقة في الغرف السوداء للبيت الأبيض وفي تل أبيب، أن تنشئ أكبر مستنقع في الشرق الأوسط تغرق في رماله المتحركة أغلب القوى التي تم تصنيفها على أنها معادية للسياسة الأمريكية في المنطقة وبالتالي لإسرائيل. فلو نظرنا الى المشهد السوري بعين لا تحتاج إلى كثير من الدقة، لوجدنا أن جميع القوى المتصارعة ولأكثر من سنتين ونصف السنة، هي قوى قد صنفت بشكل أو بآخر على أنها إما معادية أو شبه معادية للسياسة الأمريكية الإسرائيلية، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر الدولة السورية بكل مؤسساتها، التي ساهم النظام المجرم بتفتيتها وتمزيقها، لمجرد حلمه بالبقاء على كرسي الحكم، إيران وأذرعها العسكرية في المنطقة، التي باتت ميليشيا تحمل الموت إلى الشعب السوري من اليمن إلى العراق، مرورا بلبنان، روسيا والصين واستنزافهما ماليا وأخلاقيا، تركيا اردوغان التي تقف كشوكة مؤلمة في حلق إسرائيل، دول المال في الخليج، التي طالما دفعت فاتورة الحروب في المنطقة وتم ابتزازها من خلال إيران، تنظيم ‘القاعدة’ وأذرعه التي فتحت لها الأبواب من قبل الاستخبارات السورية والإيرانية والعراقية وحتى الروسية، لتسهيل تدفقها إلى التراب السوري، وأخيرا وليس آخرا الشعب السوري، وبالخصوص مكونه السني الذي تخشى إسرائيل أشد الخشية من استلامه الحكم وتحالفه مع اردوغان وثورات الربيع العربي.
والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه الآن، هل من عاقل على وجه هذه البسيطة يظن ولو من قبيل الظن بأن لأمريكا أية مصلحة في وقف هذه الحرب؟
إن إدراك الإدارة الأمريكية المبكر، ومن خلال عشرات التقارير التي رصدت شخص بشار الأسد، لأهم صفتين يمتاز بهما وهما الغرور والعناد (وهما صفتان قاتلتان حقيقة) كان له دور كبير في رسم سياساتها تجاه الأزمة السورية، وجعلها على قناعة راسخة بأن هذا الشخص لن يتنازل عن السلطة إلا مقتولا، مع التأكيد على حب هذه الإدارة اللامتناهي له ولنظامه، وعدم رغبتها في تغييره، وكما قال أحدهم في بداية الثورة إنهم يحبونه، ويقصد بشار الأسد، أكثر مما تتخيلون.
هذا من جهة النظام، أما من جهة داعمي النظام واقصد هنا ايران وروسيا، فلأمريكا تجربة طويلة مع الإيرانيين وعنادهم خلال الحرب العراقية الإيرانية، وهم يدركون تمام الإدراك بأن إيران لن تتخلى بسهولة عن تمددها في سورية من خلال النظام، وهي التي استثمرت في سورية الكثير وعلى مدى عقود طويلة، حتى باتت تعتقد بأن سورية هي إحدى المحافظات الإيرانية الكبرى وهي جزء من التراب الإيراني.
أما بالنسبة لروسيا فإن أمريكا تعي جيدا خسارتها الكبيرة في المنطقة، خصوصا في ليبيا، حيث خدعت روسيا وحرمت من المشاركة في الكعكة الليبية، مما اعطى اليقين لساسة أمريكا بأن روسيا لن تمرر أي قرار في مجلس الأمن يؤدي الى تنحي بشار الأسد، أو حتى يدين نظامه، ناهيك عن اطمئنان أمريكا لعدم تغير رأي الدب الروسي بالإغراءات الخليجية، كما حدث في حرب تحرير الكويت، لأن روسيا لن تبيع البحر المتوسط بملئه ذهبا، كل ذلك جعل الإدارة الأمريكية مطمئنة بأن أي قرار ستزج به في مجلس الأمن ضد النظام (الذي تحب) سوف يصطدم بالفيتو الروسي ومن خلفه الصيني، وبالتالي تتحمل كل منهما العبء الأخلاقي أمام العالم وأمام الرأي العام الأمريكي تحديدا، وتبقى هي تمثل دور الحمل الوديع غير الراضي عن ذلك. ولقد رأينا مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن كيف تهز برأسها وهي تدعي الغضب من الفيتو الروسي الصيني، وعيناها ترقصان فرحا وعلائم الرضا التام ترتسم على وجهها.
لقد دفعت سياسة أمريكا بالشعب السوري إلى أتون الجحيم دفعا، فكلنا يتذكر قول وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، عندما رأت صور الطفل الشهيد حمزه الخطيب، الذي قطعه النظام المجرم أشلاء، قالت بالحرف الواحد إن دم حمزه الخطيب يجب ألا يذهب هدرا، لقد فهم الشعب السوري الرسالة وظن خطأ أن أمريكا لن تتركه ولن تخذلهن فهذا اوباما قد سحب الشرعية من بشار الأسد، وذاك الثعلب فورد يزور مجالس العزاء ويتنقل بين المحافظات لدعم الثورة، وانتظر السوريون زيف الامريكان طويلا، ولكن ذلك لم يأت فاستفحل النظام في القتل والاعتقال والاغتصاب والنهب لكل من ساند الثورة، والامريكان يتفرجون وينددون ومن ورائهم العالم المتحضر بكل ما يملك من منظمات كاذبة فاشلة، ابتداء من الأمم المتحدة، مرورا بمجلس الأمن الذي ومنذ إنشائه لم يحافظ إلا على أمن ومصالح الدول التي انشأته، وصولا الى الجامعة العربية وأمينها العام نبيل العربي، وكيف ننسى هذا الشخص وهو الذي خرج من قصر بشار الأسد بعد مقتل آلاف السوريين السلميين، واعتقال عشرات الآلاف ليقول أنا مرتاح الضمير! وأنا أسأله اليوم هل لا زلت مرتاح الضمير أم ان ضميرك قد دفن مع أطفال سوريا وشيوخها؟
وبدأ السوريون يبيعون حلي نسائهم ليشتروا سلاحا علهم يستطيعون الدفاع عما تبقى من مال وولد، فجاءت الصدمة الكبرى، وإذ التي كانوا ينتظرونها لتخلصهم من طغيان الأسد (أمريكا) تضغط بكل الوسائل لمنع تسليحهم بحجة الجماعات المتطرفة، التي تدفقت الى سوريا تحت سمعهم أبصارهم، عابرة الحدود من ايران الى العراق الى الشمال السوري، مرورا بأبي غريب المالكي وسجون المخابرات السورية وبدأ هؤلاء يقاتلون الشعب السوري بدلا من النظام، وعيونهم على نفط الشمال الذي استولوا عليه بالفعل وأخذوا يبيعونه للنظام، ضاربين بعرض الحائط توق السوريين للحرية والثمن الغالي الذي دفعوه من أجل ذلك.
إن أمريكا في واقع الأمر لا تريد للثورة أن تنتصر وإنما تريد إدارة الصراع حتى يفني المتصارعون بعضهم بعضا، تماما كما فعلت إبان الحرب العراقية الإيرانية، فكلما حقق الثوار نصرا على الأرض نرى أمريكا تضغط لتجفيف منابع السلاح فيستعيد النظام توازنه.
ثم كانت الخديعة الكبرى والتلويح بالضربة العسكرية بعد استخدام النظام للسلاح الكيماوي، التي حصدت إسرائيل من خلال ذلك تفكيك منظومة السلاح الكيماوي للنظام (الممانع والمقاوم!) وهكذا بيعت دماء السوريين بصفقة الكيماوي، تماما كما بيعت دول الخليج بصفقة تخصيب اليورانيوم الإيراني. إن الشعب السوري اليوم يحارب حقيقة العالم بأسره، فهو بين مطرقة النظام ومن خلفه جبروت روسيا وايران، وبين سندان تآمر أمريكا عليه وصمت العالم المخزي إرضاء لإسرائيل.
لقد نجحت أمريكا بامتياز باصطياد الشعب السوري، وبظني انه لم يكن وحده من دخل المصيدة، بل دخلت معه إيران ومليشياتها ومن خلفها روسيا والصين، ولعل المستنقع السوري سيكون أشد ألما لإيران من حربها على العراق وأشد ألما لروسيا من حربها في افغانستان.
واختتم لأقول إن كلفة اغضاب أمريكا أقل بكثير من كلفة إرضائها، وعلى الشعب السوري أن يعتمد على قدراته الذاتية، بعد الله سبحانه وتعالى، وأن يستفيق من وهم الدعم الأمريكي والغربي، وعلى شعوب العالم أن تنهض بثورات عارمة ضد المنظومة الدولية الفاسدة والظالمة، فمن يدري أي شعب قد قدر له ان يدخل المصيدة بعد الشعب السوري. أما العرب فكفاكم هرولة وراء الرضا الأمريكي فأمريكا لا تراهن إلا على الحصان الرابح ولن تحترم العرب ابدا ما داموا على هذه الحالة من الضعف والاستكانة وفقدان القرار.