الرئيسة \  واحة اللقاء  \  انتبهوا.. حتى لا يضيع مستقبل سوريا

انتبهوا.. حتى لا يضيع مستقبل سوريا

15.03.2014
علي الرشيد


الشرق القطرية
13/3/2014
إذا كان الواقع الحالي في سوريا مؤلماً ومظلماً، فربما يكون المستقبل أكثر إيلاما وإظلاما، إن لم نستوعب أبعاد الأزمة التي نعيشها وحجم انعكاساتها المستقبلية على شرائح الشعب ومكوناته، ونعمل من أجل إيجاد حلول لها.
لا ينبغي أن نحصر تفكيرنا في مخاطر الحاضر، ونغفل عن مخاطر المستقبل التي قد تكون أشد وطأة وتأثيرا علينا وعلى بلادنا وأمتنا، كما لا ينبغي أن نغرق في تأمين المواد الغذائية تفاديا للجوع والمجاعة، على سبيل المثال لا الحصر، فيما ننسى غذاء العقل، الذي لا يقل أهمية عن غذاء الجسم.
علينا أن نفكر بالطفولة والناشئة، قبل غيرهم، ونحن نعيش المأساة في سوريا وغيرها من مآسي الأمة، لسببين رئيسين الأول أنهم هم الأكثر تضررا على مستوى اللحظة الراهنة بسبب تعرضهم للقتل واليتم والاغتصاب والتجنيد، والعمل في سن مبكرة بسبب صعوبة الظروف المعيشية للأهل، وفقدانهم لحقهم في التعليم والرعاية الصحية الأولية، والآخر: مستقبل سوريا الذي سيكون في مهب الريح، لأنهم هم من سيلقى عليهم مهمة البناء وإعادة الإعمار بعد انتهاء الأزمة وزوال ليل الظلم عنها.
قد نلتفت في اللحظة الراهنة إلى حجم القتل في المدنيين والاعتقالات والنقص الكبير في المأوى والمأكل.. وهو صحيح بكل تأكيد، ولا نلتفت إلى ملايين الأطفال الذين حرموا لأعوام من الذهاب للمدارس، وتعرض عشرات الآلاف منهم للإصابات الجسدية والنفسية البليغة.. رغم أن الخطر المترتب على الشقّ الثاني ربما يكون أشد وأنكى على المستوى البعيد المدى. وقد أعجبني وآلمني بالوقت نفسه توصيف منظمة اليونسيف لواقع الأطفال حينما قالت في تقريرها الأخير "الحصار، الأثر المدمّر للأطفال" بأن الملايين منهم مهددون بأن يكونوا "جيلا ضائعا".
الأرقام في هذا التقرير مرعبة وأهم ما تم إيراده:
ـ الأزمة أثرت على نحو 5.5 ملايين طفل سوري بينهم نحو ثلاثة ملايين نازح داخل البلاد و1.3 مليون لاجئ.
ـ عدد الأطفال السوريين الذين أثرت عليهم الحرب زاد أكثر من المثلين خلال العام الأخير.
ـ مقتل ما لا يقلّ عن عشرة آلاف طفل، مع التأكيد على أن العدد الحقيقي ربما أعلى من ذلك.
ـ معدل الإصابات بين الأطفال كان أعلى معدل سجل في أي صراع وقع بالمنطقة في الآونة الأخيرة.
ـ نحو ثلاثة ملايين طفل في الداخل والدول المجاورة غير قادرين على الذهاب إلى المدارس بانتظام، وهذا الرقم يشكّل نحو نصف سكان سوريا ممن هم في مرحلة الدراسة.
ـ ما يقدر بمليون طفل محاصرون أو في مناطق يصعب الوصول إليها، وأن الملايين مهددون بأن يكونوا جيلا ضائعا.
إفرازات هذه الأرقام تعني الكثير إذا ترك الأمر على عواهنه دون انتباه وتيقظ لهذا الأمر، أيتام بلا رعاية وكفالة ومعيل مع احتمالات التعرض بسبب ذلك للانحراف لا قدر الله (تقديرات تشير إلى أن عددهم وصل إلى 90.000 يتيم خلال السنوات الثلاث الماضية)، جهل وعمالة مبكرة وفراغ مقلق بسبب انعدام فرص التعليم، إعاقات كثيرة بسبب الإصابات، أمراض نفسية بكل إفرازاتها من إحباط وخوف وعقد وعدوانية.
الأمر يحتاج إلى يقظة وخطط إستراتيجية عاجلة تأخذ بعين الاعتبار ما يلي:
ـ مشاريع لكفالة ورعاية الأيتام، وفتح دور خاصة بهم في دول اللجوء (في لبنان يوجد 3500 طفل سوري من دون ذويهم أو انفصلوا عن ذويهم منذ بداية الأزمة، وتقديرات أخرى تشير إلى وجود 7000 يتيم).
ـ مشاريع لكفالة طلاب العلم، لكي لا يبقى طفل من دون مدرسة وتعليم، تضمن توفير مقعد لدراسته، واحتياجاته من حقيبة وكتب وقرطاسية، وبناء وترميم وتسيير المدارس وتوفير تجهيزاتها خصوصا في الداخل السوري، وكفالة المعلمين وتوفير المنهج، وتحييد المدارس عن ساحات المواجهة والقتال، وقد أعجبتني خطط الهيئة السورية للتربية والتعليم، في تنقيح المناهج ودعم المدارس، والتفكير بحافلة تعليمية للوصول للطلبة في المغارات وتحت الأشجار، وقناة تعليمية فضائية حتى لا يكون عدم توفر مقر للمدرسة سببا في حرمان الأطفال من التعليم.
ـ مشاريع صحية لتوفير الرعاية الصحية للأطفال وأمصال التلقيح، وتركيب الأطراف الصناعية.
ـ مشاريع للدعم النفسي، لتخليص الأطفال من الضغوط النفسية وما لحقهم بسبب الحرب.
ـ فرص تنمية القدرات والمهارات والتدريب، والتدريب المهني.
أطفال وناشئة سوريا هم مستقبلها بعد كنس الاستبداد والديكتاتورية منها..عليهم أن يحظوا بأولوية لكل من يحبون الخير لها ولشعبها، خصوصا مؤسسات الإغاثة والتنمية ومنظمات المجتمع المدني.. أولوية في الاهتمامات والخطط والبرامج.. وإلاّ نخشى أن يكونوا عالة أو وبالا عليها، بدلا من أن يكونوا بناتها وحماتها.