الرئيسة \  واحة اللقاء  \  انتخابات في السفارة السورية بباريس... هل غيّرت فرنسا موقفها حول سوريا؟ 

انتخابات في السفارة السورية بباريس... هل غيّرت فرنسا موقفها حول سوريا؟ 

23.05.2021
عبدالله سليمان علي


النهار العربي  
السبت 22/5/2021 
بعد عاصفة من المواقف المتشددة الرافضة لإضفاء أي شرعية على الانتخابات الرئاسية في سوريا، فاجأت فرنسا الجميع من خلال الموافقة على السماح للسفارة السورية في باريس بفتح صناديق الاقتراع أمام السوريين المقيمين في فرنسا للمشاركة في عملية الاقتراع. الخطوة الفرنسية، من الناحية الدبلوماسية، قد تكون مجرد إجراء رمزي لا يمكن البناء عليه للحديث عن انعطافة فرنسية نحو دمشق، غير أن ذلك لا يكفي للتقليل من أهميتها خصوصاً أن فرنسا كانت تشكل على الدوام بوابة لأيّ تغيير في السياسة الأوروبية إزاء سوريا. 
 وظلّ التشكيك سيد الموقف بعد إعلان معاون وزير الخارجية السوري أيمن سوسان، يوم الأربعاء الماضي، عن موافقة السلطات الفرنسية على الاقتراع في الانتخابات الرئاسية في السفارة السورية بباريس. إلا أن توافد مئات السوريين، نهار أمس الخميس، على مقر السفارة للإدلاء بأصواتهم حسم الموقف وأكد بما لا يدع مجالاً للشك أن فرنسا تخلت عن موقف المقاطعة الذي اتخذته بخصوص انتخابات عام 2014. ولم يخف وزير الخارجية السوري فيصل المقداد انطباعه الايجابي عن الموقف الفرنسي معتبراً أنه "يشكل خطوة في الاتجاه الصحيح"، رغم استطراده بالقول إن "علينا أن نراقب التطورات أكثر" وذلك في مقابلة أجراها مساء أمس الخميس مع إذاعة شام أف أم. 
 من جهتها، اكتفت فرنسا بالصمت ولم يصدر عنها أي تعليق حول موضوع الانتخابات وما هي الأسباب التي دفعتها إلى تغيير موقفها أو دلالات ذلك، الأمر الذي ترك الباب مفتوحاً لكثير من التكهنات والتأويلات، وهو ما استفادت منه دمشق في نشر سرديتها الخاصة حول تغيّر فرنسي في التعامل مع الملف السوري، وإن كانت ملامح هذا التغيّر ما زالت غير واضحة. 
وجاءت التصريحات السورية المرحبة بالموقف الفرنسي بعد أقل من شهر على تصريحات نارية صدرت عن المقداد اتهم فيها فرنسا بأنها "تقود الآن معسكر العداء لسوريا بطريقة جنونية ومبنية على الأكاذيب والتضليل" وذلك في سياق رده على تقرير منظمة الأسلحة الكيماوية الذي اتهم دمشق، في نيسان (أبريل) الماضي، باستخدام مادة الكلور في هجوم على مدينة سراقب في شباط (فبراير) من العام 2018. وعلق المقداد على التقرير قائلاً إن "منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية تعمدت إصدار تقريرها في هذا التوقيت للمضي في ما يسمى (محاسبة سوريا)"، ولم يفته الربط بين ازدياد الضغوط الأوروبية الحالية على النظام السوري، بقرب موعد الانتخابات الرئاسية. 
ويؤكد مراقبون لتاريخ العلاقات الفرنسية – السورية، أنه لا يمكن الرهان على التصريحات العلنية للحكم على هذه العلاقات وطبيعة تطورها، فقد تكون التصريحات في واد وحقيقة ما يجري بين البلدين في واد آخر. ويذكِّرون في هذا السياق بأزمة العلاقات السورية الأوروبية التي اندلعت في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005، وكيف كانت فرنسا رأس الحربة في مهاجمة سوريا قبل أن تتحول في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي إلى بوابة لتطبيع العلاقات الغربية مع دمشق. وبحسب هؤلاء المراقبين، فإن ما يجري حالياً قد يكون مشابهاً لسيناريو 2008 وأن فرنسا قد تكون بدأت بالإعداد لتخريج "عودة دمشق" في حال وجدت ذلك يصب في إطار مصالحها الاستراتيجية لا سيما في ظل تدهور علاقتها مع تركيا. 
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد دشّن ولايته عام 2017 بإعلان مقاربة جديدة للملف السوري، حيث اعتبر ماكرون في مقابلة أجرتها معه ثماني صحف أوروبية بعد شهر من انتخابه، أن "إزاحة الأسد لم تعد تشكل شرطاً مسبقاً لكل شيء" وفسر ذلك بقوله: "لأنّ أحداً لم يقدم لي مشروعاً مختلفاً له (أي للأسد)". وقد اعتبرت تصريحات ماكرون آنذاك بمثابة انعطاف في الدبلوماسية الفرنسية في معالجة الأزمة السورية، إذ على خلاف فترة حكم الرئيس السابق فرنسوا هولاند، حين كانت أيادي الدبلوماسية الفرنسية مكبلة بشرط رحيل بشار الأسد عن الحكم كمخرج للأزمة السورية، جاءت تصريحات ماكرون لتحطم هذا "الحاجز" الذي ألزمت باريس به نفسها طيلة السنوات الخمس الماضية. 
ومع ذلك فإن انعطافة ماكرون على أهميتها بقيت مجرد حبر على ورق ولم يترتب عليها أية تغييرات فعلية على مسار العلاقات بين فرنسا وسوريا، بل شهدت هذه العلاقات في مراحل لاحقة منعطفات عدة طغى عليها طابع الاشتباك الدبلوماسي. قد يكون الخلاف بين البلدين حول تقرير منظمة الأسلحة الكيماوية الأخير ولكنه ليس الوحيد. ففي عام 2019 كانت علاقة البلدين على موعد مع توتر بين أعلى المستويات، فقد اتهم الرئيس السوري بشار الأسد فرنسا بأنها كانت منذ البداية رأس الحربة بدعم الإرهاب في سوريا ويدها غارقة بالدماء السورية منذ الأيام الأولى، ولا نرى أنهم غيروا موقفهم في شكل جذري حتى الآن"، الأمر الذي استدعى رداً من الرئيس الفرنسي ماكرون قال فيه: "لا أعتقد أن في الإمكان بناء سلام دائم وحل سياسي من دون سوريا والسوريين، ولا أعتقد في المقابل أن سوريا تتلخص ببشار الأسد"، واصفاً كلام الرئيس السوري بأنه "في غير محله". وفي مؤتمر صحافي جمعه مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مطلع العام 2019 انتقد ماكرون التوجه نحو التطبيع مع دمشق واصفاً ذلك بالقرار غير المسؤول. 
ومؤخراً اتخذت فرنسا مواقف متشددة إزاء الانتخابات الرئاسية في سوريا، حيث اعتبر مندوبها الدائم في مجلس الأمن "نيكولا دي ريفيير" في شهر أيلول (سبتمبر) من العام الماضي أنّ بلاده "لن تنخدع بمحاولات نظام الأسد لإضفاء الشرعية على نفسه"، مشدّداً على عدم الاعتراف بنتائج أي انتخابات في سوريا لا تجري تحت إشراف الأمم المتحدة". وفي شهر آذار (مارس) المنصرم أعلن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مع فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا رفض إجراء الانتخابات الرئاسية في سوريا وشددوا على ضرورة ألاّ تكون مبرراً للتطبيع مع دمشق. وتزامن ذلك مع تسريب وثيقة فرنسية تدعو إلى رفض انتخابات "صورية" في سوريا وتطلب من ممثلي الدول الأوروبية "معارضة محاولات النظام السوري وحلفائه إعلان نهاية الأزمة، من خلال إجراء انتخابات صورية مزيفة في سنة 2021 الحالية، من دون الالتزام بتنفيذ العملية السياسية المستندة إلى القرار 2254، أو التعامل المباشر مع الأسباب العميقة للأزمة الراهنة". 
وكانت صحيفة "greekcitytimes" اليونانية قد نشرت في شهر نيسان (أبريل) الماضي تقريراً تحدثت فيه عن طلب فرنسا من اليونان العمل من أجل تسهيل التقارب الفرنسي - السوري، ووضعت الصحيفة الطلب الفرنسي في سياق رغبة فرنسا في تعزيز نفوذها في كل من لبنان وسوريا.