الرئيسة \  واحة اللقاء  \  انتخابات 2016: الأسد يدخل اللعبة

انتخابات 2016: الأسد يدخل اللعبة

28.02.2016
نائل حريري


الحياة
السبت 27-2-2016
"لو كل الرجال أصبحوا رجلاً واحداً"...
يقولها عادل إمام بمنتهى السخرية في مسرحية "الزعيم"، لكن اسألوا عنها ممثلي النظام السوري في أي زمان وأي مكان، وهم يتدافعون بين عاصمة وأخرى في تكرار ممل لأسطوانة الشرعية والشعبية.
"لا يوجد في الدستور السوري ما يدعى حكومة انتقالية"، يقول المقداد، إذ إنه لا توجد حكومة أصلاً. بهذا قامت الحجة يوماً على انشقاق رئيس الحكومة السابق رياض حجاب، بالقول إن منصبه شكلي أصلاً. كل منصب عدا "الزعيم" شكلي وقابل للتفسير. الحديث عن اللامركزية الإدارية تهديد لوحدة الأراضي وسلامتها، وحرية التعبير ضرب لجهود جهابذة الإعداد العقائدي. ثمة رأي واحد وموقف واحد وحزب واحد، وقيادة واحدة هي دائماً "حكيمة".
المشكلة الكبرى هي أن المجتمع الدولي بكامله – بمن في ذلك الحلفاء الاستراتيجيون والأصدقاء المقربون – لا يرى ذلك في حدود الإمكان مهما طال التسويف والتأجيل. فيينا وميونيخ ليستا كمثل جنيف 2 وموسكو بنسخها المكرورة، وهي الحقيقة التي بات الجميع أكيداً منها، حتى النظام السوري.
مع بداية العد التنازلي للأشهر الثمانية عشر التي حددتها مرجعية وثائق فيينا (البيان)، يبدو أن نتائج التدخل الروسي طاولت النظام السوري قبل غيره. لم تعد روسيا تتعامل بمنطق تقديم النصح والمشورة أو الإعلان عن مبادرة سياسية ثم سحبها على مضض. اليوم، تسيطر روسيا على الأرض والجو معاً والميدانين السياسي والعسكري في آن. طائراتها تحكم الأجواء وجنرالاتها يسيطرون على الميدان. بدأت المرحلة الحاسمة في طاولات حوار الأزمة السورية التي يصوغها القطبان الروسي والأميركي، وبناء على ذلك بدأت روسيا تقدم الضمانات وتتخذ القرارات، حيناً بموافقة الأسد وحيناً ب "إقناعه"، وفي بعض الأحيان كانت تستعد لاتخاذ قرارات على الأرض من دون الرجوع إليه. هكذا تذكر مصادر متقاطعة كانت حاضرة في سياق الهدنة المزمعة بين "جيش الإسلام" ومسؤولين روس منذ أشهر، قبيل اغتيال زهران علوش قائد "جيش الإسلام".
إذا كان على الأسد أن يدخل لعبة طاولة الحوار الأممي، فإن عليه أن يقبل بالعد التنازلي نحو "جسم تنفيذي ذي صلاحيات كاملة" يتولى مهام السلطة التنفيذية، وبالتالي فقدان جزء من السيطرة على الحكومة وما يتبعها. لا تتضمن المرجعيات الدولية للطاولة أي إشارة إلى مستقبل السلطتين التشريعية أو القضائية، وتترك ذلك مرتبطاً بنتائج الحوار وتفاصيل الاتفاق. إذاً، لا بد للنظام السوري من استغلال نافذة الوقت المتبقي لإنجاز مجلس شعب جديد بطريقته المعتادة في الانتخابات "الحرة النزيهة".
لا تزال تجربة انتخابات مجلس الشعب السوري في 2012 ماثلة في الأذهان، إنما هذه المرة ستكون التجربة أسهل بكثير، حيث يسقط من الحساب "دستورياً" جميع الهاربين من جحيم الحرب وجحيم التنكيل إلى خارج البلاد، وتقتصر الانتخابات هذه المرة "شرعياً" على من تبقى في الداخل وداخل الداخل (ممن يمكنهم اللحاق بصناديق الانتخابات حيث تضعها السلطات)، ثم يأتي فرز الأصوات وإعلان النتائج على ذمة لجان الانتخابات التي يعينها المرسوم الرئاسي. تلك سلطة شرعية منتخبة توازي في شرعيتها شرعية النظام الذي يحكمها حالياً، وفي الإمكان استثمارها في تعديل ما أمكن من قوانين ومراسيم "بالإجماع" كما هي العادة قبل تولي أي حكومة انتقالية وأثناءه.
تفاصيل تلك العقدة في المنشار تركت باباً خلفياً لقتل الحل السوري. لا ممثلو المعارضة أشاروا بأصابعهم إليها، ولا القرارات الدولية ألقت إليها بالاً. بقيت السلطة التنفيذية الشغل الشاغل لكل مؤتمر وكل طاولة، وكأن الحري بصلاحيات الأسد التنفيذية أن تنتقل كلها من يد إلى يد. يبدو للأسف، أن أول من تنبه إلى استغلال محاسن فصل السلطات هو نظام الأسد نفسه، قبل أن يتنبه إليه من يقدمون أنفسهم كممثلي الحراك السلمي الديموقراطي ومحامي فصل السلطات. وعلى ذلك، فمن المتوقع لا أن تتم هذه الانتخابات كما خطط لها وحسب، بل أن يكون هذا البرلمان بالتحديد – على العكس تماماً من سلفه – الأنشط والأغزر إنتاجاً في تاريخ دولة البعث، إذ إن هناك كثيراً من الثغرات الواجب سدها تحضيراً للتغيير المقبل.
أمام هذا البرلمان فرصة تاريخية بأن يصبح في عهده "كل الرجال رجلاً واحداً"، وأن يصوغ قرارات مستقبل سورية "بالإجماع"، من دون أن تمسّه "الصلاحيات التنفيذية الكاملة".