الرئيسة \  واحة اللقاء  \  انتصار أسوأ من الهزيمة

انتصار أسوأ من الهزيمة

10.06.2013
صالح القلاب

الرأي الاردنية
الاثنين 10/6/2013
تضخيم إنتصار نظام بشار الأسد وحزب الله في معركة «القصير» أكثر من اللزوم وإعطاء هذا الإنتصار طابع الثأر التاريخي الطائفي ترَك جرحاً راعفاً ربما لن يلتئم لعشرات السنين وكل هذا مع أنَّ «القصير» هي بلدة صغيرة لا يمكن أن يحتفل بإحتلالها إلاَّ جيش يعاني من هزيمة معنوية فادحة ويشعر أنه بحاجة حتى إلى إنتصار كاذب وبخاصة وأن هناك مؤتمراً دولياً (جنيف2) سينعقد خلال فترة لاحقة قريبة وأن هناك مفاوضات مضنية ستجري في هذا المؤتمر الذي لا تزال تحوم دون إنعقاده شكوك كثيرة.
«القصير» هي مجرد بلدة صغيرة وهي لا تحتل أي موقع إستراتيجي كما روج الإعلام الموالي لحلف نظام بشار الأسد مع إيران وحزب الله وروسيا الإتحادية وأيضاً الإعلام الموالي والمساند للمعارضة السورية ثم وأن الذين راهنوا على إمكانية إنتصار عشرات المسلحين بأسلحة فردية على جيش جرار زحف على هذه البلدة المعزولة بمئات الدبابات وبألوف الجنود، الذين تساندهم كل الميليشيات التي يملكها حزب الله ومع هؤلاء على مستوى القيادة ضباط إيرانيون وشراذم طائفية جاءت من العراق واليمن ومن كل حدب وصوب وكل هذا تحت غطاء جوي وقصف مدفعي إستمر لأكثر من ثلاثة شهور، قد إرتكبوا خطأً فادحاً وثبت أنهم غير مؤهلين للتعاطي مع مسألة على كل هذا المستوى من التعقيد والتدخل والخطورة.
إنه غير صحيح أن هذه البلدة الصغيرة المعزولة تشكل بموقعها الجغرافي عقدة إستراتيجية تجعل من يحتلها يسيطر على سوريا كلها وتجعل المنتصر في معركتها هو المنتصر في هذا الصراع الدامي الذي اتخذ ومنذ اليوم الأول إبعاداً إقليمية ودولية جعلت ما جرى في «القصير» هو كذلك الذي جرى في «بابا عمرو» في حمص أيّْ مجرد مناورة في ساحة عرضها بمقدار بُعْد موسكو عن واشنطن وجعلت أن لا المنتصر فيها منتصراً ولا المهزوم مهزوماً.
إنَّ أكبر وأسوأ وأخطر ما يجري في «القصير» أنَّه إتخذ صفة الحرب المذهبية البغيضة وأن الإنتصار في هذه الحرب قد أُعطي طابع الإنتصار التاريخي للشيعة على السنة والدليل هو تلك الإحتفالات الهستيرية التي جرت في الضاحية الجنوبية من بيروت وفي بعض المناطق العراقية وفي طهران التي أعتبرت أنَّ هذا الإنتصار يشكل رداً على هزيمة الفرس في القادسية الأولى وهزيمة الخميني في ما أعتبر قادسية ثانية.
وحقيقة أنَّ هذا هو ما أراده بشار الأسد منذ اللحظة الأولى بل وأن هذا هو ما أراده حافظ الأسد عندما إنتزع من الإمام موسى الصدر فتوى بأنَّ الطائفة العلوية جزء من المذهب الشيعي الجعفري الإثني عشري، وذلك مع أنَّ هذا مخالف لحقائق التاريخ ويدحضه الواقع القائم فهذا النظام الذي أقيم في إنقلاب عام 1970 قد بدأ طائفياً ووصل إلى هذه المواجهة مع الشعب السوري وقد إزداد مذهبية وطائفية ولذلك كان تحالفه مع إيران الخمينية حتى في ذروة حرب الخليج الأولى وكان تحالفه المبكر مع حزب الله وكان بصياغته تركيبة الدولة السورية على أسس طائفية وتكوين هذا الجيش على أسس مذهبية واضحة.
لا شك في أنَّ قول هذه الأشياء ونحن في القرن الحادي والعشرين يؤذي النفس ويوجع القلب ويؤلم الضمير لكن ما العمل وقد اعطيت المهرجانات، التي أقيمت في القرداحة وفي ضاحية بيروت الجنوبية وفي المناطق العراقية وفي «قُمْ» وطهران وإيران كلها، انطباعا بأنَّ هذا الإنتصار البائس هو انتصارٌ تاريخي للشيعة على السنة وأن مذبحة «القصير» هي كربلاء جديدة ولكن لأهل السنة..وهذا كله قد فتح جرحاً راعفاً في جسد هذه الأمة، المليء جسدها أصلاً بالجروح، قد لا يندمل في عقود مقبلة طويلة.