الرئيسة \  واحة اللقاء  \  انتصار "داعش" لا يناقض الفوز الأميركي

انتصار "داعش" لا يناقض الفوز الأميركي

15.10.2014
لؤي حسين



الحياة
الثلاثاء 14-10-2014
لم تبدِ "داعش" أي رد فعل على الهجمات الجوية للتحالف الأميركي عليها. تعاملت مع الأمر بكل موضوعية، ونظرت إليه على أنه نشاط ما في الطبيعة، كالبرد والحر أو الموت. حاولت أن تتقيه من دون التفكير بإلغائه. وتابعت مسارها بخطى القادر الواثق، من دون تذمر أو شكوى.
واشنطن، في المقابل، لم تغيّر شيئاً في أدائها مع تمكّن داعش من توسيع مناطق سيطرتها، إن كان في العراق أم في سورية. تعاملت مع الأمر، أيضاً، بكل موضوعية، وكأنه نشاط عرَضي للطبيعة، كالإعصار مثلاً. فلم تحاول أن تلغيه أو توقفه، بل حاولت أن تتقي أخطاره لا أكثر. فلم تتجاهله: تدرسه جيداً، تضع استراتيجيات مفتوحة الزمن والاحتمالات للتعامل معه، والأهم: تحاول الاستفادة منه.
المراقبون والمحللون يتساءلون: كيف لـ "داعش" أن تستمر في انتصاراتها في توسيع مناطق سيطرتها مع استمرار الهجمات الجوية عليها. إذاً هجمات التحالف الأميركي لا تجدي نفعاً. فواشنطن لم تقل أو تدّع أن ضرباتها الجوية ستقضي على "داعش"، لا في العراق ولا في سورية. ولم تعد بأنها ستحقق انتصارات مهمة خلال أسابيع قليلة. ما قالته إنها ستحارب "داعش" في زمن مفتوح، حده الأدنى ثلاث سنوات. و"داعش"، في المقابل، لا تجد عقبات لانتصارها، بل لم تقل إنها في حاجة لشيء كي تنتصر، قالت: أنا منتصرة.
الأمر المهم ليس فقط انتصارات "داعش" العسكرية في العراق وسورية، بل ازدياد عدد مقاتليها على رغم ما تخسره في المعارك، ورسوخ حكمها وسيادتها في المدن والبلدات التي تسيطر عليها (مع استثناءات قليلة). هذا على رغم عدم وجود أي دولة تدعمها أو تؤيدها علناً. بل على رغم مواجهتها في سورية من قوى التحالف الأميركي والقوات الحكومية السورية المدعومة من روسيا وإيران، إضافة للمجموعات المسلحة الكردية وغير الكردية. واستناداً إلى هذا يمكننا القول إن كل ما تقوم به هذه الأطراف والقوى، الآن، في مواجهة "داعش"، غير كافٍ وغير مجدٍ للقضاء عليها، ولا على ردعها حتى. بل كل ذلك لا يؤثر في ازدياد جاذبيتها للمقاتلين المحليين، ولا على قبول سكان الكثير من المناطق العيش في ظل حكم "داعش" (مع قلة المعلومات عن ظروف هذا العيش). وهذا يعني بوضوح شديد أن لدى "داعش"، على رغم الهمجية التي تظهرها، قيادات تمتلك الكثير من الدراية والحنكة والمهارة في تحقيق أهدافها.
هذا غير غائب عن صنّاع القرار في الدول المعنية، الإقليمية منها أو البعيدة، ولكن مصالحها ومنافعها لا تتوافق بالضرورة مع مصالح شعوب منطقتنا ومنافعها، بل يمكنني الجزم بذلك. فغير خاف عن هؤلاء أن مواجهة "داعش" تحتاج الى برامج سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية جدية تحقق لأهالي منطقتنا العيش الحر الكريم، بل أن يشعر أبناء هذه الشعوب بهذا العيش الحر الكريم، ويرتضونه.
صحيح أن لدى "داعش" الكثير من مقومات القوة الحقيقية، لكن من غير الصحيح أن يكون في مقدورها الاستمرار في انتصاراتها لو كانت الدول والأطراف تعمل بصدق وجدية على القضاء عليها. لكن جميع الأطراف التي تعلن مواجهتها لـ "داعش" تعمل بالمطلق للاستفادة منها، أو من مواجهتها، لتحقيق فوز على الخصوم الآخرين. فصراعهم ليس مع "داعش" بل بين بعضهم البعض بالاستفادة منها بذريعة مواجهتها. فلو كان الأمر غير ذلك لواجهوها في مرحلة نشوئها الأول، وما كانوا سمحوا لها أن تنهض وتكبر. إذ لم يكن من الصعب رؤية نشوء ظواهر متطرفة ضمن معمعة المقتلة السورية بعد مضي حوالى السنة على انطلاق الانتفاضة السورية.
بالعموم ليس بين الأطراف من يستهدف "داعش" بحد ذاتها، أو يريد القضاء عليها، أقلّه في الوقت الراهن. وهذا ينطبق على "داعش" في سورية أكثر منها في العراق. فالنظام السوري، الذي بات معروفاً عدم قيامه سابقاً بأي عمل جدي في مواجهة "داعش"، عسكرياً أم سياسياً أو حتى أمنياً، يعتقد أن أي إضعاف جدي لها ستستفيد منه القوى المسلحة المناوئة له غير الموصوفة بالإرهابية دولياً، والتي تحظى بقدر ما من الدعم والاعتراف بها كمعارضة شرعية من قبل غالبية المجتمع الدولي. كذلك فهذه القوى تخشى أن يصبّ إضعاف داعش في مصلحة النظام، لعدم ثقتها أن لديها المقدرة على كسب ما تخسره "داعش"، ولتقديرها أن وجود "داعش" يساهم بشكل ما في إضعاف النظام.
روسيا، على رغم اضطراب موقفها الآن، لها نفس موقف النظام السوري، بل على الأرجح هي من يملي عليه مواقفه، وتجعله يصحح من هذه المواقف ما لا يرضيها أو يخدمها، كموقفه المؤيد لهجمات التحالف الأميركي في البداية. ولإيران، بقدر ما، نفس هذا الموقف. في المقابل، فإن واشنطن تجد في القضاء على داعش أو التضييق الجدي عليها في هذا الوقت تقليصاً لدورها الجديد الذي اكتسبته من قيادة التحالف، الذي مكّنها من التقدم خطوة مهمة في تقليص دور ونفوذ روسيا في المنطقة وتصغيرها دولياً. بقية دول التحالف تنقسم مصالحها في مواجهة "داعش" بين إضعاف الدور الروسي وإضعاف الإيراني والسير في ركب القائد الأميركي. وإلى أن يتم العمل الجاد على التوافق على سلطة وطنية يشعر جميع السوريين أنهم مشاركون فيها فعلياً، فيلتفون حولها دفاعاً عن وطنهم السوري، كخطوة أولى لتحقيق مواجهة دولية حقيقية وجدية لـ "داعش"، ستبقى "داعش" تتسع جغرافياً، وتتعمق أيديولوجياً، وتتكرس اجتماعياً في مجتمعاتنا المشرقية.
* رئيس تيار بناء الدولة السورية
e='fo� ie0��Y�ont-family:"Simplified Arabic"; mso-ascii-font-family:Calibri;mso-hansi-font-family:Calibri'>هكذا، فإن كل هذه التعقيدات تفسّر، إلى حد ما، التلكؤ التركي في دعم الثورة السورية، طوال السنوات الماضية، وعدم قدرة حكومة حزب "العدالة والتنمية" تجاوز السقف الذي حددته الولايات المتحدة لدعم جماعات "الجيش الحر"، إذ ان تركيا (والسعودية وقطر) لم تستطع تسليم مضاد طائرات واحد للجماعات العسكرية السورية، على رغم كل ما تعرض له السوريون من أهوال، وعلى رغم الدمار الذي أحاق بمدنهم، نتيجة القصف بالصواريخ والبراميل المتفجرة، وعلى رغم تشريد الملايين من بيوتهم. ولعل هذا الوضع هو ذاته الذي يفسر التلكؤ التركي، غير المقبول، في نجدة أهالي عين العرب (كوباني)، والتي واجه مقاتلوها ببسالة هجمات "داعش".
هكذا، فإن تركيا، سواء اختلفنا معها او اتفقنا، تتصرّف من واقع أنها معنية أساساً بمواجهة أية ارتدادات سلبية عليها، من العراق وسورية، ولأنها دولة إقليمية يحق لها تقرير مصير الأوضاع من حولها، وأنها لهذا وذاك تحتاج إلى خطة واضحة، وقرار حاسم، لا سيما مع وجود إدارة أميركية، تعودت تمييع كل الملفات والتهرب منها.
الآن، كل المؤشرات تفيد بأن تركيا تقف إزاء استحقاقات استراتيجية في غاية الأهمية لها وللمنطقة، بيد أن من الصعب التكهن بكيفية تعاملها مع هذه الاستحقاقات، او التداعيات الناشئة عنها، لكن ما يمكن قوله ان مصير السياسة التركية، في ظل اردوغان، بات مرتبطاً بمآلات الوضع في سورية، سلباً او إيجاباً.
طبعاً، نحن نتحدث في ظل غياب نظام عربي فاعل. وإزاء هذا الفراغ، فإن الدول الإقليمية، أي ايران وتركيا وإسرائيل، تتحرك لفرض أجنداتها، وتعزيز مكانتها، وتعظيم مصالحها، مع هامش الاستقلالية الذي تتمتع به، والذي تحدده رؤيتها لذاتها، ولأمنها ولأدوارها الإقليمية. مع ذلك، فإن ما ينبغي الانتباه إليه أن لا أحد يستطيع، لا تركيا ولا إيران ولا حتى إسرائيل، ان تتحرك منفردة لتغيير خرائط المنطقة، السياسية أو الديموغرافية او الجغرافية، فهذا الأمر لا بد له من توافق دولي، وهو يحتاج إلى أكثر من رضى الولايات المتحدة، أي إلى سكوتها أو مساهمتها ودعمها.
* كاتب فلسطيني