الرئيسة \  واحة اللقاء  \  انكشاف ألاعيب الأسد

انكشاف ألاعيب الأسد

25.09.2013
ترودي روبين


الاتحاد
الثلاثاء 24/9/2013
إن إنكار الحكومة السورية بأنها هاجمت شعبها بالغاز -في مواجهة أدلة صارخة تثبت عكس ذلك- يذكرني بتجربة تقشعر لها الأبدان مررت بها أثناء زيارتي لدمشق عام 1982.
كانت الشائعات تدور حول قيام نظام حافظ الأسد بذبح 10 آلاف مواطن على الأقل في مدينة حماة، بيد أن الحكومة لم تكن تسمح لأي أحد بالاقتراب من موقع الحدث. وبينما كنت أنتظر في مكتب وزير الإعلام أحمد أسكندر أحمد، إذا بي أصاب بالدهشة لرؤية لوحة معلقة على الجدار تصور مركز مدينة حماة التاريخي، حيث تظهر نواعير المياه التي تشتهر بها المدينة في مقدمة اللوحة، كانت هذه هي بالضبط المنطقة التي دمرتها قذائف الحكومة.
وعندما ظهر الوزير، استفسرت عن اللوحة، فأجاب بوجه صارم قائلاً «هذه هي مدينة حماة الجميلة. الكثير من السياح يزورونها، عليك أن تقوم بذلك يوماً ما».
قصف؟ أي قصف؟ كان يعلم أنني أدرك كذبه، ولكنه أصر على روايته.
وعندما يتعلق الأمر بقتل الشعب، لا نجد أن شيئاً قد تغير في ظل نظام بشار. فالأسد، مثل أسكندر، (ومؤيديه في روسيا) سيعملون على نشر دعاية غير صحيحة تخدم مصالحهم الشخصية بوجه فعال. وتشير بيانات الطب الشرعي التي جاءت في التقرير الذي أعده مفتشو الأمم المتحدة هذا الأسبوع إلى أن وحدات النخبة في النظام قد استخدمت الغاز الكيماوي ضد شعبها. إن الحجم الكبير وحمولة الجزء المملوء بغاز السارين في الصواريخ تفوق ما يستطيع الثوار امتلاكه أو التعامل معه.
(وحتى لو افترضنا أن يكون بعض الثوار قد حصلوا، أو استخدموا، كميات ضئيلة من الأسلحة الكيماوية -بالرغم من عدم وجود دليل على حدوث ذلك- ولكن لا يمكن أن يقع ذلك بهذا الحجم)
ومن الأدلة القاطعة أيضاً أن الزاوية التي أطلقت منها الصواريخ (والتي تمكن خبراء الأمم المتحدة من تحديدها) تشير إلى أنها قد أطلقت من القواعد الأساسية لقوات النظام، والتي تقع في المناطق التي يحكم السيطرة عليها ولا يستطيع المعارضون التسلل إليها. كما أن الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية الأميركية تؤكد البيانات التي جاءت في تقرير الأمم المتحدة.
وعلى رغم ذلك، فما زال الأسد ومؤيدوه في روسيا يصرون على أن المعارضين المسلحين هم من قاموا بالهجوم الذي وقع في 21 أغسطس. وتسعى روسيا بالفعل إلى تقويض النتائج التي توصل إليها مفتشو الأمم المتحدة. وهذا الإنكار التام يشير بوضوح إلى أن الأسد قد لا يريد تدمير كافة أسلحته الكيماوية، وفقاً لإطار الاتفاق الذي أعلن الأسبوع الماضي بين روسيا والولايات المتحدة. كما أن الروس لن يؤيدوا أي قرار قاس لمجلس بفرض عقوبات على الأسد إذا رفض تدمير أسلحته الكيماوية. وفي الواقع، فإنه يفهم من الروس إصرارهم على براءة الأسد من أجل الدفاع عن رفضهم وصفه بأنه مجرم حرب.
وقد دعا مشروع قرار فرنسي مجلس الأمن بإحالة الأسد إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، الأمر الذي من شأنه إضعاف قبضته على السلطة. فأي قرار يتضمن مثل هذه الإحالة سيواجه بفيتو (حق النقض) مؤكد من قبل روسيا، وبالتالي فمن المحتمل إسقاطه.
وما زال الروس يصرون على أن المعارضة المسلحة هي من قام بـ«تلفيق» الهجوم بغاز السارين الذي وقع في 21 أغسطس. وقد استشهد لافروف «بكثير من الأدلة التي وضعها خبراء مستقلون على شبكة الإنترنت»، غير أن هذه الأدلة غريبة وغامضة في أحسن الأحوال. ومن بين هؤلاء الخبراء راهبة كرملية لبنانية موالية للأسد طالما ما استشهدت وسائل الإعلام الروسية بها. ولم تكن الراهبة بالقرب من الهجوم، ولكنها تصر، من خلال شبكة الإنترنت، على أن الثوار قاموا باختطاف أطفال وأصابوهم بالغاز السام في شرق الغوطة.
وبالإمكان إرجاع «أدلة» روسية أخرى إلى مواقع هامشية مثل موقع «جلوبال ريسيرتش» الذي نشر أخباراً مجهولة المصدر تحت عناوين مثل «هل ساعد البيت الأبيض في التخطيط لشن هجوم سوري بالأسلحة الكيماوية؟».
وتستند بعض «الأدلة» على مقاطع فيديو مزيفة. فقد نشر المحلل الأمني والمدون البريطاني إليوت هيجينز -المعروف باسم براون موزيس- ثلاثة مقاطع فيديو تحاول إدانة المعارضة المسلحة وأوضح أسباب شكه في أن هذه المقاطع مزيفة. وقد أصيب بصدمة عندما علم أن قناة «روسيا اليوم» التي تدعمها الحكومة الروسية قد استخدمت مقاطع الفيديو لإثبات دعمه لفرضية أن المعارضين هم من شن هجوم 21 أغسطس.
وما زلت أعتقد أن الروس، الذين يتصرفون وفقاً لمصالحهم الذاتية، قد قدموا خدمة لأوباما بإنقاذه من إحراج رفض الكونجرس لتوجيه ضربة عسكرية إلى سوريا.
إن عملية معيبة لنزع السلاح الكيماوي هي الحل الأفضل لحدوث ضربة عسكرية معيبة، غير أنه يتعين إدراك الهدف منها -فقد صممت روسيا تكتيك تأخير الضربة العسكرية للحفاظ على الأسد في السلطة. إن تولي روسيا سرد القصص حول براءة الأسد يهدف إلى تأكيد أنه ليس بإمكان الأسلحة الغربية ولا الدبلوماسية الغربية خلعه من منصبه.
وإن أي شخص يأمل في أن اتفاق نزع السلاح سيؤدي إلى مفاوضات سلام سورية جادة -قد ينتج عنها تشكيل حكومة انتقالية بدون الأسد- هو شخص واهم، فلا دمشق ولا موسكو ترغبان في ذلك.
وما زال الأسد يردد بوجه صارم: هل أنا مجرم حرب؟ هذا هراء. في حين أنه يخفي بعض الحاويات المحملة بغاز السارين، ويتخلى عما يكفي لجعل مفتشي الأمم المتحدة يواصلون البحث.
محللة سياسية أميركية
ينشر بترتيب مع خدمة «إم.سي.تي. إنترناشونال»