الرئيسة \  تقارير  \  “فايننشال تايمز” :لماذا يشكل الخلاف الفرنسي-البريطاني خطراً على الغرب؟

“فايننشال تايمز” :لماذا يشكل الخلاف الفرنسي-البريطاني خطراً على الغرب؟

06.11.2021
الفجر


الفجر
الخميس 4/11/2021
يرى جدعون راكمان في صحيفة “فايننشال تايمز” أنّ رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يجمع العالم حول برنامج مكافحة التغير المناخي لكن تركيزه مشتت بفعل الخلاف مع الفرنسيين حول حقوق صيد السمك.
لكن الخلاف بين الدولتين يتحول إلى مشكلة دولية خطيرة. لقد عُقدت قمة مجموعة السبع في يونيو -حزيران على خلفية تباين فرنسي-بريطاني آخر مرتبط بآيرلندا الشمالية. إن كل خلاف صغير بين الدولتين يتحول إلى تبادل تصعيدي للتهديدات والإهانات. لكن المشكلة الكامنة بينهما ليست صيد السمك ولا آيرلندا الشمالية بل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي -بريكست. ببساطة يريد جونسون من بريكست النجاح بينما يريد ماكرون فشله.
تسربت رسالة عن رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستكس وجهها إلى المفوضية الأوروبية تقترح ضرورة إثبات، أمام الجمهور الأوروبي، أن أكلاف مغادرة الاتحاد أكبر من أكلاف البقاء فيه. قالت بريطانيا إن هذا دليل على أن باريس تهدف إلى معاقبة لندن على خيار بريكست. ترد فرنسا بأن هذا سوء تفسير متعمد. إن حرص الحكومة البريطانية على وضع أسوأ تفسير للرسالة فيه الكثير من الدلالات.
الصدام مغرٍ                             
على الرغم من أن جونسون آت من مؤتمر ناجح لحزب المحافظين، تقترح استطلاعات الرأي أن الجمهور البريطاني يعتقد أن بريكست كان خطأ. رداً على سؤال بشأن ما إذا كانت بريطانيا محقة أو مخطئة بمغادرة الاتحاد الأوروبي، قال 49% من المستطلعين البريطانيين إنه كان خياراً خاطئاً. بينما أعلن 38% أنه كان القرار الصائب. وفي استطلاع رأي آخر أجري حديثاً، تبين أن 53% من البريطانيين يعتقدون أن بريكست أدى إلى ارتفاع الأسعار. بإمكان هذه التغيرات في الرأي العام أن تثير المشاكل لجونسون إذا تفاقم التضخم والنقص في السلع خلال الشتاء. وهذا يجعل الصدام مع ماكرون مغرياً جداً.
إذا نفذ الفرنسيون تهديدهم بإبطاء تدفق السلع البريطانية عبر موانئ القناة، فسيكون بالإمكان إلقاء اللوم على العقلية الفرنسية المدمرة عوضاً عن العيوب المتأصلة في بريكست. ويبدو أن الحكومة البريطانية تستعد لإدخال تغييرات أحادية في بروتوكول آيرلندا الشمالية الذي كان جزءاً من اتفاق بريكست. قد يسمح الخلاف مع فرنسا لجونسون بالادعاء أن هذه التغييرات هي رد على التعنت الفرنسي وليس سوء نية بريطانياً.
ما هي حسابات ماكرون؟
أضاف راكمان أن ماكرون مثل جونسون خاضع لضغط سياسي حاد. هو يواجه انتخابات رئاسية في أبريل -نيسان  المقبل. يقول النجم الصاعد لليمين الفرنسي المتطرف إريك زيمور إن “الإنكليز فازوا بمعركة بريكست”. يحتاج ماكرون إلى سحق هذه الفكرة. لقد شكل اتفاق أوكوس الذي تم التفاوض عليه بسرية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ضربة قاسية لفرنسا. في هذا الإطار، قال مسؤول أمريكي: “اعتقدت فرنسا أن بريكست جعل بريطانيا غير أساسية وأننا سنتجاوز لندن. عندها اكتشفوا أننا عقدنا اتفاقاً سرياً مع البريطانيين، من وراء ظهرهم”. إن فقدان اتفاق دفاعي قيم مع أستراليا فاقم غضب فرنسا أيضاً.
اقتراح
ينعكس الضغط الذي ترزح تحته حكومة ماكرون في النغمة الهستيرية بعض الشيء التي شابت بضعة بيانات. شدد وزير خارجية فرنسا لشؤون أوروبا كليمان بون على أن اللغة الوحيدة التي تفهمها بريطانيا هي لغة القوة.
من الواضح أنه يجب القيام بأمر ما من أجل تخفيف هذه التوترات وبشكل يدوم لأكثر من بضعة أسابيع. يبتكر الفرنسي-البريطاني في المجلس الأطلسي بن جوداه اقتراحاً خلاقاً يقضي بتشكيل الدولتين لجنة مشتركة مؤلفة من كبار الشخصيات كي تعمل على المصالحة. في عالم مثالي، يمكن أن تمهد هذه المبادرة لاتفاق ودي جديد شبيه بذاك الذي تم التوقيع عليه سنة 1904 وقد نزع فتيل جولة سابقة من التوتر بين البلدين. لكن يبدو أن لندن وباريس غير مستعدتين لإصلاح الأمور.
السم قابلة للانتشار
ينقل راكمان عن السفير البريطاني السابق إلى باريس بيتر ريكيتس توقعه استمرار التوتر المتبادل لسنوات قبل تحسن العلاقة في نهاية المطاف. لكن إدارة بايدن والتحالف الغربي لا يستطيعان تحمل ذلك. فالسمّ في العلاقات البريطانية-الفرنسية قابل للانتشار والتأثير في حلف شمال الأطلسي ومجموعة السبع والمفاوضات الدولية وفي كل الملفات بدءاً من التغير المناخي وصولاً إلى التجارة. وستصعب الاحتكاكات بين الدولتين إيجاد قواسم غربية مشتركة في الصراع مع الصين وروسيا.
حاجة لضرب الأوهام
يبدي توماس رايت من معهد بروكينغز قلقه من خطر تحول بريطانيا وفرنسا إلى “يابان وكوريا جنوبية أوروبيتين” حيث تشكل هاتان الدولتان حليفين موثوق بهما للولايات المتحدة لكنهما خصمان لدودان مع بعضهما البعض. في آسيا، حاولت الولايات المتحدة بناء جسور بين طوكيو وسيول. ربما حان الوقت الآن كي تؤدي واشنطن الدور نفسه بين لندن وباريس. وتحتاج أمريكا إلى ضرب الأوهام لدى الطرفين بحسب الكاتب.
ما الذي عليهما فهمه؟
يشير راكمان إلى ضرورة فهم بريطانيا أن الولايات المتحدة تنظر إلى الاتحاد الأوروبي كشريك جوهري وهي لن تتخلى عن بروكسل لصالح الأنغلوسفير. بالمقابل، يحتاج الفرنسيون للقبول بأن واشنطن تحتاج إلى نجاح لندن وبأن الأمريكيين لن يعاملوا المملكة المتحدة على أنها دولة مارقة. لقد تعرضت قدرة الولايات المتحدة على تأدية دور الوسيط النزيه للتعقيد بفعل أوكوس. لكن يبدو أن بايدن نادم حقاً على تجاهل الفرنسيين في ذلك الاتفاق وقد تحرك سريعاً لإصلاح الخلاف.
إن إعطاء ماكرون وجونسون قيمة حقيقية لعلاقتهما مع الولايات المتحدة يقدم فرصة لبايدن. يرى الكاتب أن على الولايات المتحدة التدخل وإقناع البريطانيين والفرنسيين بالتخلي عن تهديداتهم الغريبة والعمل على مصالهم الخاصة ومصالح الغرب الأوسع.