الرئيسة \  تقارير  \  بأموالٍ طائلة.. هل تنجح السعودية في توطين الصناعات العسكرية على أرضها؟

بأموالٍ طائلة.. هل تنجح السعودية في توطين الصناعات العسكرية على أرضها؟

19.03.2022
يوسف كامل

                
ساسة بوست
الخميس 17/3/2022
في سبتمبر (أيلول) 2019 استطاع الحوثيُّون قصف منشآت نفطية لشركة “آرامكو” السعودية، مما أدَّى إلى عرقلة إنتاج النفط واضطرار السعودية إلى خفض إنتاجها من 9.1 ملايين برميل يومي إلى 3.4 ملايين، أي أن الحوثيين من خلال قصف بطائرات مسيَّرة زهيدة التكلفة، نجحوا في تعطيل أكثر من نصف الإنتاج النفطي للملكة العربية السعودية، وهو ما اعتُبر ضربة عسكرية مؤلمة لاقتصاد البلاد ومنظومتها الأمنية ككل.
ولم تكن حادثة خريف 2019 الوحيدة التي استطاع خلالها الحوثيون تسديد ضربات إلى الداخل السعودي، إذ إن الجماعة اليمنية كانت أعلنت في 12 مارس (آذار) 2021 قصفها لمنشآت نفطية وأخرى حكومية في مناطق الرياض وأبها وجيزان.
وبسبب هذه الضربات القاسية من طرف الحوثيين للداخل السعودي، تعرَّض الجيش السعودي والمنظومة الأمنية في السعودية لانتقادات لاذعة من طرف المحلِّلين الإستراتيجيين؛ إذ يشير الخبراء إلى أن الجيش السعودي فشل في التكيُّف مع ظروف الحرب اليمنيَّة؛ إذ واجه عدوًّا يستخدم أساليب غير تقليدية، كما أثيرت تساؤلات حول كفاءة الجيش السعودي الذي أنفقت عليه الحكومة بسخاء شديد وصل إلى رقم 67 مليار دولار سنة 2018 وحدها.
رغم ذلك فإنَّ الجيش السعودي يسعى إلى تطوير ترسانته الخاصة من الأسلحة من خلال خطَّة طموحة تقودها “الشركة السعودية للصناعات العسكرية”، والتي أعلنت في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 إنتاج أوَّل طائرة مسيَّرة موجَّهة للمهام القتالية، فما التحدِّيات التي يواجهها الجيش السعودي؟ وهل تنجح السعودية في توطين صناعتها العسكرية وإنتاج احتياجاتها من السلاح محليًّا؟
إنفاق باذخ وفعالية غائبة.. ما مشكلة الجيش السعودي؟
كثيرًا ما تنتقد الدوائر الأجنبية الجيش السعودي وتصفه بـ”عدم الكفاءة والاعتماد الصارخ على المساعدة الأمريكية”، وفي هذا الصدد، كشف تقرير فرنسي عن تفاصيل الأداء السعودي في حرب اليمن الدائرة منذ سنة 2015.
التقرير الفرنسي السرِّي المؤرَّخ في 25 سبتمبر (أيلول) 2018، الذي رُفع إلى القيادة الفرنسية العليا خلال اجتماع مغلق بين الرئيس ماكرون ووزير دفاعه فلورنس بارتي، ووزير الخارجية لودريان، والذي تسرَّب فيما بعد إلى مجموعة “ديسكلوز” الاستقصائية (هي المجموعة نفسها التي كشفت تفاصيل التنسيق المصري الفرنسي على الحدود مع ليبيا باسم “أوراق مصر”)؛ يرسم صورة قاتمة للقدرات العسكرية السعودية وينتقد أداء الجيش السعودي خلال حرب اليمن رغم الإنفاق السخيِّ على قطاع الدفاع من طرف المملكة العربية السعودية، والذي وصل إلى 67 مليار دولار سنة 2018، مقارنة بمبلغ 13 مليار دولار بالنسبة لإيران، العدو اللدود للملكة.
استعراض للجيش السعودي
وانتقد التقرير بشدَّة القدرات العسكرية السعودية وقيَّمها بـ”عدم الفاعلية”، كما وصف جهود الجيش السعودي في تأمين حدود البلاد مع اليمن ضد ضربات الحوثي بـ”الفشل”؛ ناهيك عن أنَّ التقرير يشير إلى اعتماد السعودية على المساعدة التقنية الأمريكية إلى حدٍّ كبير خصوصًا من خلال الضربات الجوية بالطائرات بدون طيَّار، على الرغم من النفي الأمريكي القاطع للمشاركة في العمليات العسكرية في اليمن.
كما يشير التقرير إلى أنَّ الحشد العسكري المكوَّن من نحو 25 ألف جندي ينتمون إلى الجيش السعودي على الحدود اليمنية فشل بسبب عدم دقَّة الضربات السعودية وغياب الفعالية ضد قوات الحوثي، وقال التقرير: “رغم القوَّات الدفاعية المسخَّرة على الحدود، حافظ المتمردون (الحوثيون) على مقدرتهم على الإزعاج، باستخدام الطلقات المدفعية والضربات الصاروخية والمتفجِّرات المصنوعة تقليديًّا واستطاعوا الاشتباك والتوغُّل داخل الأراضي السعودية”.
ورغم التفوُّق التكنولوجي المائل بشكل صارخ لصالح الجيش السعودي فإنه فشل، وفقًا للتقرير، في الوصول إلى أهدافه العسكرية، كما أنَّ قدرته على الاستهداف في حاجة إلى التحسين؛ كما وصف التقرير السعوديين بأنَّهم أقل فعالية في المهام الجوية والبحرية؛ وبمقارنة الطيارين السعوديين مع نظرائهم الإماراتيين، فإن الطيارين الإماراتيين أثبتوا جدارتهم في استخدام الذخائر الموجَّهة، وأن مستواهم يصل إلى معايير “حلف الناتو”.
المشكلة الأخرى التي تعاني منها الإستراتيجية العسكرية السعودية هي أنَّها تعتمد بشكل شبه كامل على السلاح الأمريكي والفرنسي وما يتبعهما من دعم تقني وأنظمة التشغيل، وهو ما يحد من مرونتها وقدرتها على المناورة إلى حدٍّ كبير، خصوصًا في حالة بروز خلافات سياسية مع الإدارة الأمريكية؛ إذ ليس في إمكانها ببساطة أن تستبدل بهذه الأنظمة بدائل صينية أو روسية بصورة فورية.
وقد أثيرت بعض المطالب بقطع صادرات السلاح الأمريكي إلى السعودية إثر انفجار قضية اغتيال المعارض السعودي جمال خاشقجي في سنة 2018، بعد أن طالب العديد من أعضاء الكونجرس الأمريكي بحظر تصدير الأسلحة إلى السعودية.
ومن أجل الفكاك من الضغط الغربي، أدارت السعودية وجهها شرقًا تجاه الصين ولو بصورة سريَّة، إذ كانت شبكة “سي إن إن” الأمريكية كشفت في ديسمبر (كانون الأول) 2021، استنادًا إلى صور لأقمار صناعية من خلال شركة “بلانيت” التجارية، بالإضافة إلى تقييمات من طرف الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه) عن مصنع لإنتاج الصواريخ البالستية في السعودية بالتعاون مع الصين، وذلك بعد الكشف عن عمليات حرق في منشأة قريبة من بلدة الدوادمي غرب الرياض.
وكانت السعودية في الماضي تشتري هذه التكنولوجيا من الصين؛ إلا أن الكشف الاستخباراتي الأخير يشير إلى تعاون سعودي صيني لإنتاج الصواريخ البالستية داخل المملكة العربية السعودية، وبينما امتنعت السعودية عن التعليق حول صحَّة المعلومات من عدمها، فإن الصين أكَّدت على لسان الناطق باسم خارجيتها أنَّ “مثل هذا التعاون لا ينتهك أي قانون دولي ولا ينطوي على انتشار أسلحة الدمار الشامل”.
يعلِّق أكرم خريف، الصحافي المختص في شؤون الدفاع والأمن ومدير موقع “مينا ديفانس” للقضايا العسكرية في الشرق الأوسط في تصريحه لـ”ساسة بوست”: قائلًا إن “السعودية تعد أكبر مستورد للسلاح في العالم، وتملك أكبر ميزانية دفاع في العالم العربي، بل إنَّها تملك إحدى أكبر ميزانيات دفاع في العالم (احتلَّت السعودية المرتبة الثالثة في العالم في قائمة أكبر ميزانيات الدفاع سنة 2018 بعد كل من الولايات المتحدة والصين).
ويضيف خريف: أن “عملية اقتناء السلاح تجري بطريقة (عشوائية) بدون تخصيص تكوين عالي الجودة للجيش السعودي، كما تعتمد الرياض على التقنيين الأجانب لتشغيل معدَّاتها العسكرية بصورة كبيرة، خصوصًا المعدَّات الأمريكية، كما أنَّها تعتمد على الجنود السودانيين في حربها في اليمن، ومن ثم فإن الإستراتيجية العسكرية السعودية تعاني من مشكلة في العقيدة القتالية، بالإضافة إلى أزمة تقنية؛ ناهيك عن ظاهرة الفساد المالي من خلال الرشاوي والمحسوبية من خلال صفقات التسليح الضخمة، كل هذا يخلق تبذيرًا كبيرًا في مقتنيات الجيش السعودي بصورة غير متحكَّم فيها”.
ويؤكد أكرم خريف أن: هذه المشكلات تبرز بصورة واضحة في حرب اليمن، فخطر المليشيات الحوثية قد جرى تحديده منذ ستِّ سنوات (انطلقت العملية العسكرية في اليمن “عاصفة الحزم” سنة 2015)، ومنذ ذلك الحين تتلقَّى السعودية ضربات الصواريخ والطائرات المسيَّرة على حدودها الجنوبية؛ ورغم ذلك لم تنجح في التأقلم مع هذا الخطر العسكري أو في تكييف تسليحها مع نوعية الهجمات التي تتلقَّاها، إذ لم تشتر المعدَّات المناسبة للحرب التي تخوضها.
ويتابع: “عوضًا عن ذلك اشترت السعودية معدَّات كبيرة وغالية جدًّا مثل الصواريخ البالستية والطائرات المقاتلة المتطوِّرة، وترك أساليب الحرب غير التقليدية مثل الصواريخ الصغيرة أو تطوير منظومة الطائرات المسيَّرة؛ عكس الجانب اليمني الذي في كلِّ مرَّة يتأقلم مع الهجمات السعودية ويطوِّر وفقًا لهذه التغييرات، إستراتيجية مضادة”.
ويشدد خريف على أن: “أكبر مشكلة لدى الإستراتيجية العسكرية السعودية هي انعدام الرؤية وبعد النظر، وعدم وجود إستراتيجية متكاملة على المدى الطويل، مع وجود هَوَس بالخطر الإيراني الذي تعده السعودية الخطر الوحيد؛ في حين أن الإيرانيين يطوِّرون في كل مرة أساليب غير تقليدية لضرب السعودية بطرق غير مباشرة من خلال أذرعها في المنطقة”.
في مايو (أيار) 2017 أنشأت المملكة “الشركة السعودية للصناعات العسكرية” (“سامي” اختصارًا بالإنجليزية) بتمويل من صندوق الاستثمارات العامة المملوك للدولة، بهدف توطين الصناعات العسكرية والمساهمة بصورة أكبر في الاقتصاد الوطني، وذلك وفقًا لـ”رؤية 2030” التي أعلن عنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
أحد أفرع شركة “سامي” التي تعوِّل عليها من أجل توطين الصناعات العسكرية هي “شركة الإلكترونيات المتقدِّمة” المختصَّة بصناعة أجزاء من الطائرات المسيَّرة (درونز) والتي وقَّعت في شهر مارس (آذار) 2022 اتفاقيَّة لإنشاء مصنع للطائرات المسيَّرة مع شركة “ACES” الصينية المتخصِّصة في تكنولوجيا الطائرت المسيَّرة.
وتهدف الخطَّة السعودية إلى إنتاج نصف احتياجات المملكة في قطاع الدفاع محليًّا خلال العقد القادم، مقارنة بـ3% فقط في سنة 2017، بالإضافة إلى طموحها في التخلُّص الجزئي من التبعية للولايات المتحدة في قطاع الدفاع، خصوصًا في ظلِّ الضغط السياسي المتزايد في واشنطن من أجل إيقاف واردات السلاح للسعودية بسبب سجلِّها الحقوقي.
وتجري “الشركة السعودية للصناعات الدفاعية” العديد من المفاوضات مع كبرى شركات الأسلحة العالمية من أجل نقل مصانعها إلى السعودية أو الدخول في شراكة معها، من بينها شركة “لوكهيد مارتين” التي تعد أحد أقوى الأسماء في عالم الصناعات العسكرية، إذ تسعى السعودية لتصنيع مروحيات “بلاكهاوك” بالشراكة مع الإمارات، كما تطمح الشركة السعودية لأن تشمل منتجاتها قطاع الطيران والصواريخ والأنظمة الدفاعية.
ويقول المدير التنفيذي للشركة، وليد أبو خالد، إنَّ شركته نجحت في إنتاج أول طائرة بدون طيار مصمَّمة ومنتجة في البلاد بنسبة 100%، كما صرَّح في حوار له مع قناة “الشرق” في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 بأنَّ السعودية وصلت إلى نسبة إدماج للصناعات العسكرية بلغت بين 12 و13% مقارنة بـ3% سنة 2017، فيما تطمح للوصول إلى نسبة 50% في سنة 2030.
عن هذا المشروع، يعلِّق أكرم خريف، الصحافي المختص في شؤون الدفاع والأمن لـ”ساسة بوست” قائلًا: “هو مشروع طموح جدًّا، بدأ العمل في تحديث المعدَّات العسكرية المتوفِّرة لدى السعودية، وتقول السعودية إنَّها تطمح للوصول إلى توطين 50% من احتياجاتها العسكرية، وهي تملك الموارد المادية للوصول إلى هذه النسبة؛ لكن المشكلة هي أنَّ الشركاء الأجانب مهتمُّون بالأموال أكثر من اهتمامهم بنقل التكنولوجيا وتوطينها في السعودية”.
ويؤكد خريف أن “مشكلة السعودية تكمن في أنَّها لم تسمح ببروز بيئة للشركات الخاصة في قطاع الدفاع ينمو في البلاد؛ فرغم امتلاك البلاد لشركات صناعية خاصة قويَّة، فإنَّه غير مسموح لها باقتحام هذا المجال الحسَّاس، وهذا خطأ فادح باعتبار أن الموظَّفين في القطاع العام من المستبعد أن يقودوا عمليَّة الإنتاج العسكري بصورة ناجحة”.