الرئيسة \  واحة اللقاء  \  باكستان وتركيا.. تجربتا أفغانستان والشام وتدخلات إيران والهند

باكستان وتركيا.. تجربتا أفغانستان والشام وتدخلات إيران والهند

22.11.2016
د. أحمد موفق زيدان


العرب
الاثنين 21/11/2016
ما زلت أعتقد أن بمقدور تركيا أن تتعلم الكثير من التجربة الباكستانية، وتحديداً في طريقة تعاطيها مع الشأن الأفغاني، إن كان أيام الغزو السوفيتي لأفغانستان، أو في سنوات التحالف الغربي الذي أطاح بحكومة طالبان أفغانستان، وما كان بمقدور باكستان أن تصمد هذا الصمود الأسطوري في وجه قوى دولية متآمرة عليها، من الغرب روسيا والحكومة الأفغانية الشيوعية العميلة، ومن الشرق العدوة التقليدية التاريخية الهند، ومن الجنوب إيران العدوة المستترة، لولا التعامل الذكي الباكستاني والقدرة على المناورة والإبداع الاستخباراتي الباكستاني الرهيب في التعاطي مع كل هذه المتغيرات وتجييرها لصالحها..
نبدأ في التجربة الأفغانية الأولى، فقد وضع الرئيس الراحل ضياء الحق رحمه الله أصول اللعبة الباكستانية فيما يتعلق بالشأن الأفغاني، عنوانها لا تعاط أميركي وغربي مع أي فصيل من فصائل المجاهدين الأفغان دون النافذة الباكستانية، وحدد معها نسب دعم المجاهدين الأفغان، فكانت حصة الأسد التي تشكل %39 لزعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار المتهم لاحقاً بالأصولية، وما دونه من أحزاب تأخذ بقية النسب، واشترط ضياء الحق السماح لكل أفغاني وكل مسلم بالجهاد في أفغانستان ما دامت الحرب في أفغانستان تحولت إلى غازٍ يغزو بلدا مسلما وجارا له، وعزز ضياء الحق اللعبة الباكستانية بانتزاع دفق مالي أميركي وغربي غير مسبوق، إن كان لحكومته، فبنى من خلاله ترسانة نووية وعسكرية ضخمة، وبغطاء دولي، أو بدفق مالي ضخم على ثلاثة ملايين لاجئ أفغاني يقيمون على أراضيه. ولم يكن ضياء الحق يملك بلداً يطل على أوروبا ليهددها بتدفق اللاجئين لديه إلى عمقها كما هو الحال مع تركيا اليوم؟!
نجح ضياء الحق بامتياز في إرغام العالم كله على التعاطي مع الجهاد الأفغاني من خلاله، ولم يسمح لإيران أن تغطي على دوره، ولم يسمح لها أن تفرض جماعاتها الشيعية على المشهد السياسي الأفغاني.
ننتقل إلى التجربة الأفغانية الطالبانية الأكثر صعوبة بسبب التحالف الغربي بقيادة أميركا والتي ضمت 39 دولة للإطاحة بطالبان أفغانستان حليفة باكستان، وحتى لا يقول أحد إن الظروف تغيرت، وإن ضياء الحق استثناء، فالأمن القومي للدول لا يتغير بتغير الأشخاص، وإن كان قد يتراجع بسبب شخوصه وممثليه، أو قد يتعزز أكثر بحسب قوة شخصية المرحلة، فقد تخلت باكستان عن حركة طالبان أفغانستان وسقطت حكومتها، ولكن مع هذا ظلت هناك خطوط حمراء باكستانية لم تسمح لأحد بتجاوزها حتى ولو كانت أميركا نفسها حليفتها التاريخية والتقليدية، وعلى رأس هذه الخطوط إفشالها أي انتصار عسكري أميركي كامل على طالبان، فكان أن دعمتها ووفرت لها الملاذ الآمن، وما كان لطالبان ولا لقادتها أن يتحركوا لولا هذا الدعم السري الخطير، ولذا فقد كان الهدف الباكستاني مواصلة إدماء الاحتلال الأميركي في أفغانستان كما فعلت لموسكو في أفغانستان أيام الثمانيني ات.
وحين سعت الهند إلى التمدد في أفغانستان فقامت بفتح قنصليات هندية على حدود باكستان، كان الرد الباكستاني مزلزلاً عبر حلفائها الأفغان، حين فجروا السفارة الهندية في كابل وقتلوا الملحق العسكري الهندي. نفت بالطبع باكستان أي مسؤولية، لكن الرسالة وصلت بعد أن اشتاطت الهند غضباً .. بالمقابل نرى الصمت التركي عن كل ما جرى ويجري على حدودها، إن كان في العراق، أو في سوريا، في حين أن الميليشيات الطائفية العراقية والإيرانية والأفغانية وحزب الله تهدد وتتوعد الجميع، فضلاً عن احتلال روسي وإيراني مكشوف ومفضوح لجارتها سوريا.. كرة اللهب التي تكبر على الحدود التركية مخيفة لكل سياسي فيها، وما يجري داخل تركيا من تفاعلات المحاولة الانقلابية الفاشلة، بالإضافة إلى مجموعة فتح الله غولن وكذلك غلاة الكرد المتحالفين مع قوى دولية وإقليمية، الذين يستقوون اليوم بتنامي قوة غلاة الكرد في سوريا والعراق، لهو أمر خطير، وقد يتم استغلال هذه القوى التركية الغاضبة على الحكم التركي لصالح قوى إقليمية ودولية في أية لحظة، وتكون المنصة السورية هي الانطلاقة..;