الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بالنسبة لحسن نصر الله :سوريّا صارت أهم من فلسطين!

بالنسبة لحسن نصر الله :سوريّا صارت أهم من فلسطين!

06.01.2014
عارف حمزة


المستقبل
الاحد 5/1/2014
كثرت التحليلات حول قرب انسحاب قوات حزب الله اللبناني من المعارك التي زجّه فيها "مرشدها الأعلى" سماحة الشيخ حسن نصر الله؛ تحت ضغط توالي تشييّع الجنازات لمقاتليه في الضاحية الجنوبيّة، ومعاقل الحزب الأخرى. وبسبب أنّ أعداد القادة المفقودين ذوي الكاريزما والثقل العسكريّ في ازدياد، ومنهم من كان قريباً لأحد قادة الحزب في البرلمان والحكومة.
بقي أمر اشتراك الحزب في المعارك سرّاً لم يفصح عنه لا النظام السوري ولا الحزب لمدة طويلة. ولكن توالي ظهور الفيديوهات والصور والوثائق جعل نصر الله بنفسه يصرّح بذلك للعلن، بينما بقيت القيادة الإيرانية تصف مقاتليها هناك بـ "الحجّاج"!. وبدأت تبريراته تلك تعلو وتذهب في طرق مختلفة، وكلّها تتحدّث أو تقول لحدّ الآن عن نصرة "الطائفة الحاكمة"، أو "مساندة دولة المقاومة والممانعة"، أو تقول أن انتصار الجيش الحرّ في سوريّا، وبالتالي الثورة السوريّة، سيؤدّي إلى "تهديد لبنان في وجوده"!، مروراً بأنّ سوريّا تتعرّض لمؤامرة دوليّة "لتقوية إسرائيل وحلفائها في المنطقة"، وبأنّه ذاهب في حملة تأديب للسورييّن الخونة في سوريّا!!.
ذهب مقاتلو الحزب إلى سوريّا سرّاً لصدّ مقاتلي الجيش الحرّ في حمص وريف حماه؛ لتأسيس الخط الفاصل للدولة العلويّة، إن سارت الأمور نحو التقسيم، الذي يحتفظ به النظام في أجندته الجهنّميّة، ولمنع الجيش الحرّ من الوصول إلى الساحل السوريّ، حيث الخزان البشريّ لقوّات النظام السوريّ، ولمنعه من الوصول إلى العاصمة دمشق، ليحاصره بقية النظام هناك في المنطقة التي داوم النظام على القول بأنّها آمنة، ومؤيّدة، بخلاف ما روّجته السفارات الأجنبيّة وبعثة الأمم المتحدة بأنّها صارت تفتقد للأمن والأمان وبأنها صارت تفلت أمنيّاً من يد النظام. وكذلك بسبب أن مقاتليه أشدّاء ويعرفون كيف يُديرون حرب الشوارع، ولفكرتهم الخاطئة في ضعف مقاتلي الجيش الحرّ وقلة خبرتهم. أي أنّ حزب ألله دخل الصراع في سوريّا من أجل الدفاع عن مناطق النظام، ومن ثمّ الانطلاق للهجوم على المناطق المحرّرة لهزيمة الجيش السوريّ الحرّ في مناطقه.
معركة حمص، التي لم تنته لحدّ الآن، وتحوّلت إلى حصار شديد بعد إحداث الدمار الهائل فيها، حيث دمّر 80 في المئة من ريف أكبر محافظة سوريّة ومدينتها، كبّدت الحزب خسائر فادحة في الأرواح ستبقى سرّية، ولكنّها أجبرت الحزب على إعلان مشاركته فيها.
وبسبب وصول الإمدادات للكتائب المحاصرة في حمص من مناطق أخرى، كلواء التوحيد من حلب في معركة القصير، أجبر الحزب أيضاً على إدخال المزيد من العناصر للسير نحو حلب وريفها. وبدأت معركة حلب بالفعل مع سقوط مدينة "السفيرة" في شهر تشرين الثاني الماضي. إلا أنّ المعركة الأساسيّة لم تكن هناك؛ بل في القلمون لحماية الطريق الدولي البالغ الأهميّة من أجل منح الاستقرار النهائيّ لمعاقل النظام في العاصمة.
هذه الزيادة في عدد الجبهات التي يقاتل فيها الحزب، الغير متفق عليها مع النظام في بداية التدخّل، زادت أيضاً من أعداد القتلى في صفوفه؛ حيث تجاوز عددهم الألف مقاتل، وهو عدد مهول بالنسبة لحزب ألله، الذي كان يتفاخر بقلّة أعداد شهدائه مقارنة بالخسائر الاسرائيلية، في كلّ معاركه مع إسرائيل.
وردت أخبار كثيرة عن زيادة عدد الأصوات المطالبة بعدم بقاء مقاتلي الحزب إلى آخر طلقة في الحرب على سوريّا، أو إلى ما لا نهاية. ومنها أصوات طالبت بالخروج من سوريّا قبل نهاية العام الجاريّ. والحافز لصدور هذه الأصوات قائم على عدّة سيناريوات وضعت الحزب في مأزق كيفيّة تبرير الدفاع المستميت عن نظم الأسد. من ذلك بأنّ ضباط الحزب منزعجين من "الطريقة الجبانة" لضباط الجيش السوريّ؛ في ترك ظهر قوّات الحزب مكشوفة أثناء انسحاباته المفاجئة من دون إخطارهم بذلك، بعد اضطرارهم لتبديل المواقع، بسبب ضعف وعدم جاهزيّة وإنهاك جيش النظام السوريّ والانهاك الذي حلّ فيه؛ حيث صارت قوّات حزب ألله، وميليشيات قوّات أبو الفضل العباس، وباقي الميليشيات العراقيّة في أماكن أخرى، في مقدمة القتال بدلاً من الجيش النظامي، رغم أنّ الاتفاق المبدئيّ كان العكس، وفق التصريحات المسرّبة للعديد من ضبّاط الحزب، ومنهم مَن هدّد بالعودة وعدم القتال نهائيّاً وفق الاتفاق الجديد! ومنهم مَن جاهر بخطأ الحزب بالتدخل في سوريّا، ووصفه بالكارثيّ. كما تحدّثت التسريبات التي برّرت اغتيال القياديّ حسّان اللقيس، في يوم الأربعاء 4/12/2013. وهناك ترجيحات تتهم الحزب نفسه بتنفيذ عمليّة اغتياله، وربّما النظام السوريّ، بالرغم من أنّه كان أحد المقرّبين لنصر الله، ولكن كانت آراؤه لجهة التعجيل بالانسحاب من المعارك في سوريّا من شأنها أن تشكّل بداية حرب داخل الحزب؛ كونه كان المنسّق مع القيادات العسكريّة السوريّة في معاركهما المشتركة في سوريّا، وبالتالي يعرف كلّ شيء على أرض الواقع. والذي قد يدافع عن فكرة اغتيال اللقيس بإمكانه أن يبرّرها بأنّها تمّت لمنع الانقسام داخل الحزب نفسه. أو لمنع إمكانيّة حدوث انقلاب داخل الحزب قد يُطيح بنصر الله نفسه.
لا بدّ أنّ الحزب سيرى، ولو في السرّ على الأقل وسيفهم نظرة الأسد المتعالية والانتهازيّة والغبيّة لحدّ ما، عندما صرّح لوفد نقابيّ أردنيّ بأنّه يوجد مقاتلون "يعملون لصالحه ضمن معارضة الداخل والخارج". هو الذي لم يأت على ذكر، ولا شكر، بطولات أو جنازات مقاتلي حزب الله لحدّ الآن. وسيعرف جمهوره بأنّ أبناءهم ذهبوا إلى حتفهم هناك بالمجان.
لم تعد إسرائيل، هي العدوّ الرئيسي لوجود حزب ألله من عدمه. فمع دخول الآلاف من عناصره إلى سوريّا، تركوا قواعدهم هناك في "جبهة" مواجهة إسرائيل، وصاروا في مقدمة الجيش النظامي فبات العدوّ الرئيسيّ هو الجيش السوريّ الحرّ الذي قد يُسقط، مع إسقاط الأسد، فكرة "الهلال الشيعيّ" المقدّس، ويُسقط معه، على الأقل، الخط العسكريّ المشبوه بين المخابرات السوريّة وحزب ألله اللبنانيّ، وليس لبنان.. بل تعرية الحزب في لبنان، وإمكانيّة التنفيذ الحقيقيّ لتفكيك الحزب من الناحية العسكريّة.
لقد توالت المهمّات على عاتق الحزب في سوريّا، وربّما صار هو مَن يديرها على الأرض بقيادة إيرانيّة من طهران. وربّما الحزب نفسه من يطالب بفتح جبهات جديدة لإنهاك الجيش الحرّ، وإنهاء هذه الحرب بسرعة، بشرط وحيد هو انتصار حزب الله وليس هزيمته. بمعنى آخر، صارت سوريّا، بالنسبة لحسن نصر الله، أهمّ بكثير من فلسطين؛ إذ مهما خسر في جبهة إسرائيل، التي صارت معطّلة منذ حرب تمّوز كما حال جبهة النظام السوريّ بالجولان منذ سبعينات القرن الماضي، فإنّه سيبقى منتصراً ولو بالوهم، أمّا خسارته في سوريّا، فستعنى نهاية الحزب بكلّ معنى الكلمة.
الجنازات تتوالى إلى الضاحية الجنوبيّة، ولكنهّا ستزيد من دخول قوّات الحزب الباقية هناك بالآلاف لأنّ الحرب في سوريّا صارت حرب وجود ومقدّسة، وخط الدفاع الأوّل عن بقاء الحزب بقوّة على الأرض اللبنانيّة. وعندما يصرّح قياديّو حزب ألله بأنّ انتصار الجيش الحرّ سيهدّد بزوال لبنان، فإنّه يذهب في سياق نظرة الحزب في أنّه هو لبنان وهو دولة لبنان.