الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بايدن يتحوّل عن الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى 

بايدن يتحوّل عن الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى 

27.02.2021
هشام ملحم


النهار العربي 
واشنطن
الخميس 25/2/2021 
من المتوقع أن يصدر اليوم تقرير الاستخبارات الأميركية حول جريمة اغتيال الصحافي والمعلق السعودي جمال خاشقجي، والذي تقول تسريبات حكومية خلفية وتقارير صحافية عديدة أنه سيورّط ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الاغتيال. الرئيس الأميركي جوزف بايدن قال إنه قرأ التقرير، وأشار الى أنه سيتصل "قريباً" بالعاهل السعودي الملك سلمان، ربما بعد الكشف عن مضمون التقرير لمناقشة مضاعفاته وملابساته. 
ومن المتوقع أن يؤدي نشر التقرير إلى تأزيم العلاقات أكثر بين البلدين، خصوصاً بعد إعلان البيت الأبيض عن رغبة بايدن بإعادة "تقويم" العلاقات الثنائية، وبعد أن أعلن الرئيس الأميركي أن بلاده ستوقف دعمها للعمليات الهجومية في حرب اليمن، وبعد تعليق صفقات الأسلحة إلى السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة "موقتاً". ويجب أن نضع في هذا السياق، إلغاء قرار ادارة الرئيس السابق دونالد ترامب تصنيف حركة الحوثيين في اليمن كتنظيم إرهابي. وسوف يصدر التقرير عن مكتب مديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هاينز التي ألزمت نفسها الكشف عن التقرير خلال مثولها أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الشهر الماضي في جلسة استماع للتصديق على تعيينها. وكان الرئيس السابق دونالد ترامب قد رفض الكشف عن مضمون التقرير على الرغم من صدور قرار من الكونغرس بضرورة نشر نسخة غير سرية من التقرير. 
وتبيّن كل قرارات ومواقف الرئيس بايدن وكبار المسؤولين المعنيين بمنطقة الشرق الأوسط والقضايا الأمنية الدولية، أن بايدن، الذي له تجربة طويلة مع قضايا ونزاعات المنطقة، ولديه علاقات شخصية وقديمة مع بعض قادة دولها، أنه - باستثناء محاولة إحياء الاتفاق النووي مع إيران الذي وقع في 2015، حين كان بايدن نائباً للرئيس باراك اوباما - لن يركز على المنطقة كما فعل أوباما، الذي عين في يومه الثاني في البيت الأبيض، السناتور المتقاعد جورج ميتشل مبعوثاً خاصاً للنزاع العربي - الإسرائيلي، وجعل من تحسين علاقات الولايات المتحدة مع العالمين العربي والإسلامي في طليعة أولوياته، ما أدى الى خطابه الشهير في القاهرة بهذا الشأن. 
 الرئيس بايدن، الذي أعرب عن استعداد واشنطن لاستئناف المفاوضات النووية مع إيران في سياق مفاوضات مجموعة الخمس زائداً واحداً: الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن زائد ألمانيا، كان قد عين قبل ذلك، المسؤول السابق في فريق المفاوضات مع إيران، روبرت مالي، كمبعوث لإيران. وحتى الآن يبدو أن أولويات بايدن في المنطقة هي استئناف المفاوضات النووية مع إيران، وإنهاء الحرب في اليمن، وليس العودة الى سياسات أوباما في إحياء المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل، على سبيل المثال، أو ترامب في التركيز على العلاقات مع دول الخليج ومصر وتركيا. إدارة بايدن تؤكد إيمانها بحل الدولتين للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، ولكنها أكدت أكثر من مرة بلسان وزير الخارجية انطوني بلينكن أن على الطرفين نفسهيما أن يعودا الى المفاوضات أولاً، "وأن الحقيقة الصعبة هي أننا بعيدون جداً من رؤية تحقيق السلام والتوصل الى حل نهائي للمشاكل بين إسرائيل والفلسطينيين وإقامة دولة فلسطينية". وكرر بلينكن تأييد إدارة الرئيس بايدن "لاتفاقات ابراهيم"، كما أكد بقاء السفارة الأميركية في القدس، واعتراف ادارته بالقدس كعاصمة لإسرائيل. 
هناك جدل في واشنطن بين تيار يدعو الى تخفيف الحضور العسكري الأميركي في الشرق الأوسط ومعه أيضاً تخفيف الاهتمام السياسي التقليدي بالمنطقة وقضاياها ونزاعاتها، وبين تيار آخر يقول إنه اذا تجاهلت الولايات المتحدة المنطقة، فإن المنطقة لن تتجاهلها، ويشيرون بذلك الى رغبة أوباما تخفيف الحضور العسكري في المنطقة لأنه يريد "التحوّل" الى منطقة شرق آسيا الأكثر أهمية استراتيجياً واقتصادياً لأميركا من الشرق الأوسط، وكيف اضطر لـ"العودة" العسكرية إلى العراق وسوريا في أعقاب بروز ظاهرة تنظيم الدولة الاسلامية "داعش". 
ولكن، هناك شبه اجماع في الأوساط السياسية في واشنطن، وهو أن الولايات المتحدة قد تعبت من المنطقة ومن أطول حربين في تاريخ البلاد، في أفغانستان والعراق، اللتين ارهقتا الخزينة الأميركية ولم تؤدِ أي من الحربين الى نصر واضح يبرر التكلفة البشرية والمالية التي ترتبت عليهما. 
 الرئيس السابق ترامب كان يرغب بسحب كل القوات الأميركية من العراق وسوريا، ولكنه اضطر فقط لتخفيض عديدها في البلدين، بسبب تحفظات وزارة الدفاع، إضافة الى تخفيض عديد القوات في أفغانستان. وليس من الواضح حتى الآن ما اذا كان الرئيس بايدن سيتبنى التاريخ الذي حدد لسحب القوات من أفغانستان في شهر أيار (مايو) المقبل، والذي وضعته إدارة ترامب، اذا توصلت الحكومة الأفغانية الى اتفاق مع حركة "طالبان" في المفاوضات الجارية الآن. وكان بايدن قد عارض زيادة عديد القوات الأميركية في أفغانستان حين كان نائباً لأوباما. ومن المتوقع أن يتبع بايدن خطى الرئيس الأسبق أوباما في محاولة تفادي التورط أكثر في العراق او سوريا. 
أن يتأخر الرئيس بايدن في إجراء أول اتصال هاتفي مع رئيس دولة حليفة مثل إسرائيل حتى نهاية شهره الأول تقريباً، فإن هذا لم يكن مصادفة، بل هو موقف مدروس، لأكثر من سبب، بينها العلاقة القوية بين بنيامين نتنياهو والرئيس السابق ترامب، ومعارضة نتنياهو للاتفاق النووي مع إيران، وعداؤه الواضح للرئيس الاسبق أوباما. ايضاً لاحظ المراقبون أن بايدن لم يتصل بأي قائد لدولة عربية حليفة حتى الآن، أو بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مع انه أجرى اتصالات هاتفية برئيسي روسيا والصين. يريد بايدن أن يقول لهؤلاء القادة انه لن يتعامل معهم كما كان الرئيس ترامب يتعامل معهم.  
وكان وزير الدفاع لويد أوستن قد أمر بمراجعة الانتشار العسكري الأميركي في العالم، ولا يستبعد بعض المراقبين من أن تؤدي هذه المراجعة الى تقليص الوجود العسكري في الشرق الأوسط، وربما تعزيزه أكثر في شرق آسيا للتصدي الى التحديات الاستراتيجية والسياسية الصينية. ويتبيّن من بعض التعيينات في مجلس الأمن القومي ووزارة الدفاع، أن اتجاه السياسة الأميركية الخارجية هو الشرق الأقصى وليس الشرق الأوسط حيث قام مستشار الأمن القومي الجديد جايك سوليفان بتقليص عدد مساعديه المتخصصين بمنطقة الشرق الأوسط، وزيادة عدد المتخصصين بالصين، وهذا ما فعله أيضاً وزير الدفاع أوستن. 
أولويات الرئيس بايدن الداخلية واضحة ومتوقعة، وتبدأ بالسعي للتصدي لفيروس كورونا من خلال التعجيل بعمليات تلقيح الأميركيين، وإقرار خطته الطموحة لإحياء الاقتصاد الأميركي ومساعدة المتأثرين سلباً من الجائحة. وتبين قرارات ومواقف وتعيينات بايدن في مجال السياسة الخارجية، انه سيسعى لتقويض سياسات ترامب غير التقليدية والإنعزالية، حيث سيركز الرئيس الجديد على تعزيز العلاقات القديمة مع الحلفاء التقليديين في أوروبا (حلف الناتو)، ومن هنا قرار بايدن وقف الانسحابات العسكرية التي أمر بها ترامب من ألمانيا، في إشارة واضحة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن مرحلة تجاهل الاستفزازت الروسية التي تميزت بها ولاية الرئيس السابق ترامب قد انتهت. كما سيسعى بايدن الى تعزيز العلاقات مع الحلفاء في شرق آسيا مثل اليابان وكوريا الجنوبية، وهي علاقات توترت مع واشنطن خلال ولاية ترامب. كما من المتوقع أن يركز بايدن، أكثر من ترامب على تعزيز علاقات الولايات المتحدة التاريخية مع كندا والمكسيك، ومع دول أميركا الوسطى وأميركا الجنوبية. 
 التيار الذي يدعو الى تخفيف "البروفيل" الأميركي العسكري وحتى الدبلوماسي في الشرق الأوسط، يقول إن الطروحات التقليدية من أن الشرق الأوسط وتحديداً منطقة الخليج، تتمتع بأهمية استراتيجية واقتصادية بسبب موارد الطاقة، قد فقدت الكثير من أهميتها لأن الولايات المتحدة بسبب التقنيات الجديدة في استخراج النفط قد أصبحت الدولة الأكثر انتاجاً للنفط في العالم (19 مليون برميل في اليوم) وتخطت بذلك روسيا والسعودية. كما أن الأسباب القديمة التي بررت ما سمي بمبدأ جيمي كارتر القائل إن الولايات المتحدة سوف تتدخل عسكرياً ضد أي دولة تحاول منع تصدير النفط من الخليج، في إشارة واضحة الى الاتحاد السوفياتي السابق، لم تعد موجودة. 
عملية الانسحاب الأميركي العسكري والسياسي التدريجي من الشرق الأوسط قد بدأت قبل وصول بايدن الى البيت الأبيض. ولم يعد هناك أي دور سياسي أميركي يذكر في سوريا أو ليبيا، حيث تحاول روسيا وتركيا وإيران وحلفاؤها تقرير مصير الدولتين. وليس من المتوقع أن يقوم بايدن بأي جهود مماثلة لما قام به اوباما لحل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي (الذي لم يتقدم على الإطلاق في القرن الحادي والعشرين). ومبادرة العودة الى المفاوضات مع إيران، وإلغاء تصنيف الحوثيين كتنظيم إرهابي، تعني أن إدارة بايدن ستبتعد بعض الشيء عن حلفائها في الخليج. (ما يمكن أن يعطل أي تقارب أميركي - إيراني حتى ولو بقي محدوداً في إطار الاتفاق النووي، هو التصلب الإيراني التقليدي، إن كان في المفاوضات النووية، أم في السلوك السلبي والتخريبي في المنطقة). مواقف بايدن القديمة تجاه العراق ومشاكله، تبين انه سيتفادى التورط في شؤون هذه الدولة. رد الفعل الفاتر لإدارة بايدن على الهجوم الصاروخي الذي استهدف منشآت أميركية في أربيل، هو مؤشر على هذا التوجه. 
 كما لا توجد هناك أي مؤشرات أن إدارة بايدن ستبدي أي اهتمام حقيقي بأزمات لبنان العديدة. أيضاً، قيام إدارة بايدن بإعادة الاعتبار لمسألة الدفاع عن حقوق الإنسان في سياستها الخارجية، وهي مسألة تجاهلها ترامب كلياً، وسعيها للانضمام الى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة كما أعلن الوزير بلينكن، سيضعها في مواجهة مع بعض الدول الحليفة لواشنطن في المنطقة ذات السجل الرديء في مجال حقوق الإنسان. رسائل بايدن الضمنية والعلنية الى دول الشرق الأوسط واضحة: الشرق الأقصى يومئ لنا.