الرئيسة \  واحة اللقاء  \  براميل الموت المتواصلة.. والطريق لجولة جديدة من جنيف

براميل الموت المتواصلة.. والطريق لجولة جديدة من جنيف

06.02.2014
علي الرشيد


الشرق القطرية
الاربعاء 5/2/2014
ما تزال براميل الموت تحصد يوميا أرواح وجبات جديدة من المدنيين في مدينة حلب، بينهم أطفال وشيوخ ونساء.. فقط يوم أمس استشهد خمسة أطفال من جرائها في مسجد عثمان بن عفان بحي مساكن هنانو، أثناء وجودهم في حصة تعليمية داخله.
هذا الأمر يتواصل منذ مدة دون توقف، حتى أثناء جولات جنيف  2 بين النظام والمعارضة، التي يفترض أنها فرصة أو مدخل لحل سياسي لم تتوقف حمم هذه البراميل المتفجرة. والمشكلة ليست في صنيع نظام عرف بإجرامه في عهدي الأب والابن، وإنما في رعاة المؤتمر وداعميه الذين لم يكلِّفوا أنفسهم عناء الضغط عليه لإيقاف حممها، على الأقل في أيام انعقاده أولا، وفي تبجح النظام وصفاقته، وعدم الخجل من استهداف المدنيين حتى إبان جنيف ثانيا، ومعاقبة المدنيين بالقتل المتعمد، ممن لا ذبب لهم سوى وجودهم في منطقة يسيطر عليها الجيش الحر، وللتذكير فعندما سئل وزير خارجية النظام في ختام المؤتمر عن هذه البراميل التي تلقيها طائرات جيشه على رؤوس الآمنين في بيوتهم، فما كان منه إلا أن أجاب بالحرف الواحد: "وهل تريدون أن نبعث إلى الذين يؤوون الإرهابيين رسائل SMS؟".
واضح أن وراء هذه الوقاحة لمسؤول النظام التي لا يخفي التصريح بها أمام وسائل الإعلام أحد أمرين إما إعطاء المجتمع الدولي النظام الأسدي ضوءا أخضر ورخصة لتدمير شعبه كما يشاء وكيفما شاء، أو غضّ للطرف من قبله عن هذه الجرائم، تحت ذرائع مختلفة.
هذه الجرائم ضد المدنيين ليست الوحيدة التي يمارسها، والتي يمكن أن تندرج في خانة الجرائم ضد الإنسانية، بل هناك جرائم أخرى تصب في نفس الاتجاه، ومنها على سبيل حصار المدن والمناطق، ومنع الغذاء والدواء والاحتياجات المعيشية الضرورية الأخرى عنها، وهو ما أدى إلى موت العديد من المدنيين، وزيادة الضنك في حياة الآخرين، والتسبب لهم بالأمراض والأوجاع ومزيد من المعاناة، لاسيَّما أهلنا في حمص وفي مخيم اليرموك، ويضاف إليها جرائم كثيرة منها اعتقال الأطباء وتصفيتهم وتجريم فعلهم، وقصف المستشفيات والأفران والمدارس وقتل من فيها أو أمامها.
العجيب أن العالم الغربي الذي ينافح ويضغط من أجل حلّ سياسي في سوريا، ويحثّ خطاه لعقد جولة جديدة من جنيف  2، لا يبدي نفس الحماس والضغط على نظام الأسد ليوقف رمي براميله المتفجرة، أو حصاره وتجويعه للمدن والمخيمات، ولا يأخذ على يد المجرم، رغم أن هذا التغاضي سيكون له آثار سلبية كثيرة، لعل أهمها:
 ممارسة الشعب السوري والفصائل المسلحة والحراك الثوري مزيدا من الضغوط على وفد ائتلاف المعارضة لمنع مشاركته في الجولة الثانية من جنيف  2، خصوصا أن المحددات التي توافق الناس عليها من أجل المشاركة في جنيف  2 لم يتحقق منها شيء في الجولة الأولى، فلم تفتح ممرات آمنة لإيصال الغذاء والدواء للمحاصرين، ولم يتم وقف لإطلاق النار، ولم يطلق المعتقلون في سجون النظام، فيما يرفض النظام تنحي الأسد حتى الآن.
 تعاظم القناعة الجازمة والواسعة باستحالة الحل السياسي، في ظل عدم توفر الحد الأدنى من شروطه، والحد الأدنى من المناخات التي تساعد على حصوله..ومعروف أن نسبة كبيرة من الشعب السوري غير مقتعة أساسا بجدية وجدوى هذه المفاوضات، كما أنه معروف أن هذا النظام لا يلتزم بشيء أو يوافق عليه إلا مجبرا وبالضغط، وبالتالي فإن عدم التزامه بما تريده المعارضة كشرط لتواصل التفاوض مثل وقف قتل المدنيين وفك الحصار عنهم، لن يتم إلا بضغط أمريكي غربي وبتوافق مع الروس.. وعليهم إن كانوا حريصين على ما يسمونه بالحل السياسي الضغط الفعلي على نظام الأسد الذي صار مسيرا من قبلهم، وإلا فلينتظروا مزيدا من العنف وخروج الأمور عن السيطرة.
لكن بعيدا عن المفاوضات وما يتصل بها وبأجوائها فإن على المعارضة إزاء هذه الواقع ألا تفوت فرصة رصد هذه الجرائم وتوثيقها بعناية ودقة، وأن تجهّز ملفاتها، وأن تقوم بالتواصل مع المنظمات الحقوقية والمحاكم الدولية، من أجل محاكمة الأسد ونظامه إن عاجلا أو آجلا، وعليها أن تتذكر أن سلاح القتل ضد المدنيين اليوم بيد نظام الأسد ورموزه وغدا ضدهم، حيث يمكن أن يحاكموه أمام هذه المحاكم كما حدث مع أكثر من طاغية ظالم في زمن غير بعيد.
كما أن على المعارضة تسليط الضوء على هذه الجرائم إعلاميا، في ظل تعتيم النظام عليها وإظهار بشاعتها للعالم، وترك المساحة للمبدعين وتشجيعهم لكتابة القصص والدراما والأفلام الوثائقية، لكسب الرأي العام الدولي إلى صف قضيتهم العادلة.