الرئيسة \  واحة اللقاء  \  براميل الموت والنزوح القسري

براميل الموت والنزوح القسري

14.09.2015
خليل الفزيع



اليوم السعودية
الاحد 13/9/2015
هذا النزف البشري المتواصل من الأراضي السورية إلى كل بقاع العالم، يعيد إلى الأذهان تلك المآسي التي خلفتها الحرب الكونية الأولى والثانية، التي دمرت أوربا وجعلت عاليها سافلها، وهذا ما يمارسه بشار الأسد في سوريا باستخدام براميل الموت، للقضاء على الأخضر واليابس، وتشريد السوريين من أراضيهم إلى منافي العالم النائية، فلم تعد عاصمة الأمويين سوى ركام، تنافسها فيه بقية المدن السورية التي كانت في سابق عهدها واحة أمن ورخاء ومأوى للسياحة العالمية، مصدرا للفكر المستنير المؤثر في الحراك الإسلامي، والمحرض لليقظة القومية، والنضال العربي ضد الاستعمار الأجنبي، حتى جاء الاستعمار الداخلي على يد أسرة الأسد المشؤومة، بكل أنواع الخراب والدمار، وفي عهدهم الأسود، ما حفظوا ذمة لوطن، ولا ابتسمت حياة لشعب، فكان الابن أسوأ من أبيه.
أمام هذا الطوفان الهادر من براميل الموت، وأمام المعارك الضارية التي يشنها النظام السوري وأعوانه على شعبه، لم يجد السوريون سوى النزوح إلى كل بقاع الأرض، حاملين معهم مرارة الغربة، وقسوة التشرد، وحسرة فقدان النخوة العربية، التي غفلت عنهم، في ظل أحداث دامية تعيشها معظم الدول العربية، وكأن هذه الدول مغيبة عما يحاك ضدها من مؤامرات لاستنزاف خيراتها، وتمزيق أوصالها، وحرمانها من كل مقومات الاستقرار والحرية والتنمية، وما هؤلاء المدفوعون للنزوح عن أراضيهم إلا كالمستجير من الرمضاء بالنار، فليس أمامهم سوى الإذلال من شعوب دول أوربا قبل حوماتها، ليعانوا قسوة الظروف، وهم أحفاد الأمويين الذين دخلوا أوروبا فاتحين، لا هاربين من قسوة حاكم ظالم، تسانده قوى إقليمية غاشمة، وأحزاب إرهابية مأجورة، وفرق متطرفة لم تجد غير الموت سلما لبلوغ أهدافها المشبوهة، وغاياتها الخبيثة.
نزوح هذا العدد الكبير من السوريين إلى خارج سوريا، هربا من بطش نظام جائر، والمغامرة غير المأمونة بدخول دول أوربا بطرق غير نظامية، كل ذلك يجسد مأساة شعب لم يجد أفراده إلا اصطحاب أسرهم في رحلة الشقاء هروبا من براميل الموت، التي يمطرها النظام السوري على شعبه، حتى ضاقت السبل بهم، فوجدوا أنفسهم أمام خيارين أحدهما أمرّ من الآخر، فإما البقاء في سوريا لمواجهة الموت على يد الأسد، وأعوانه من الميلشيات المدعومة من إيران بكل الإمكانيات المادية والعسكرية والتدريبية وآلات الحرب الفتاكة، أو النزوح عن أراضيهم إلى موت آخر، تحدده ظروف وملابسات هذا النزوح، الذي قد يؤدي إلى الغرق في مياه البحر، عند محاولة الوصول إلى شواطئ أوروبا، ومن يصل سيواجه نوعا آخر من الغرق في إجراءات الحجز وسوء المعاملة، كما هو حال الجوعى على موائد اللئام، وما بين الرفض والقبول بشروط مذلة، يعيش النازحون السوريون أوضاعا قاسية ومريرة، في البلاد الباردة، والتي ستزداد برودتها مع قدوم شهور الشتاء، وهم في العراء بلاد حماية من منظمات الإغاثة، ومؤسسات الدفاع عن حقوق الإنسان.
وإذا كان النظام يشكل الكماشة التي تضغط على أعناق السوريين، فإن هناك تلك القوى الإقليمية والعالمية التي تمسك بطرفي هذه الكماشة، فإيران من جهة، وروسيا من جهة أخرى، وكلاهما يسهمان في زيادة الضغط على أعناق السوريين، ودفعهم إلى النزوح من مدنهم، لتكون هذه المدن مفتوحة أمام المد السرطاني الإيراني، وهذه سياسة إيرانية معروفة، للحصول على مواقع أخرى في العالم العربي، تبث فيها سمومها، تمهيدا للاستيلاء عليها، كما فعلت مع الشعب العربي في الأحواز، وكما احتلت الجزر الإماراتية الثلاث، وعاثت فسادا في العراق ولبنان واليمن والبحرين والكويت، وأماكن أخرى لن نفاجأ عنما تعلن عن تآمر الإيرانيين ضدها.
لك الله يا شعب سوريا البطل، اليوم نزوح قسري، وغدا عودة مظفرة إن شاء الله، فجولة الباطل ساعة، وجولة الحق إلى قيام الساعة.