الرئيسة \  تقارير  \  برد فعلها الضعيف ستدفع أميركا ثمن وصف إسرائيل للمنظمات الفلسطينية بالإرهاب

برد فعلها الضعيف ستدفع أميركا ثمن وصف إسرائيل للمنظمات الفلسطينية بالإرهاب

06.11.2021
سارة ليا ويتسون


سارة ليا ويتسون* – (ريسبونسيبل ستيتكرافت) 29/10/2021
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
الغد الاردنية
الخميس 4/11/2021
ما لم تتم محاسبة الجميع على المستوى نفسه من المساءلة، سينتهي الأمر ببايدن وهو يحمل حقيبة قمع تل أبيب الأخير للفلسطينيين.
* *
لم تصدر أي كلمة عن إدارة بايدن بعد اجتماعها وجهاً لوجه يوم الخميس الماضي مع مسؤولين إسرائيليين للاستماع إلى “أدلتهم السرية” وراء قرار تل أبيب تسمية ست منظمات فلسطينية، من بينها مجموعات حقوقية بارزة وذات مكانة جيدة، بصفة “منظمات إرهابية”.
وفي حين أن مثل هذه التحركات غالباً ما تؤدي -إذا ما اتخذتها دول أخرى- إلى صدور إدانة أميركية غاضبة، أو حتى فرض عقوبات، يبدو أن رد الإدارة يُقتصر، في حالة إسرائيل، على طلب “توضيح” وشكاوى من أن الحكومة الإسرائيلية لم تقدم “إشعارًا مسبقًا” بشأن التصنيف.
إذا اختارت إدارة بايدن في النهاية أن تنظر في الاتجاه الآخر، فلن يكون ذلك نفاقًا فحسب، وإنما سيكون بمثابة مثال نموذجي على الكيفية التي تقوض بها شراكة أميركا الوثيقة مع حكومات الشرق الأوسط غير الخاضعة للمساءلة المصالح الأميركية، من خلال تحويل تكلفة سياساتها التعسفية إلينا.
لم يكن استخدام قانون مكافحة الإرهاب الإسرائيلي للعام 2016 في الأسبوع قبل الماضي المرة الأولى التي تهاجم فيها السلطات الإسرائيلية هذه المنظمات غير الحكومية الفلسطينية المخضرمة الست، بما في ذلك ثلاث مجموعات فلسطينية بارزة لحقوق الإنسان: “الحق”؛ “الضمير”؛ “الحركة الدولية للدفاع عن الأطفال- فلسطين”؛ “اتحاد لجان العمل الزراعي”؛ “مركز بيسان للبحث والتطوير”؛ و”اتحاد لجان المرأة الفلسطينية”. في العقد الأخير، داهمت السلطات الإسرائيلية، التي تضع الضفة الغربية وقطاع غزة تحت الاحتلال العسكري القاسي، مكاتب هذه الجماعات وغيرها من منظمات المجتمع المدني، ومنعت موظفيها من السفر، واعتقلت كوادرها، ودعت المانحين، بما في ذلك الحكومات الأوروبية، إلى وقف دعمها لها. كما استهدفت الحكومة الإسرائيلية منظمات حقوقية دولية، حيث قامت بترحيل مدير منظمة “هيومن رايتس ووتش في إسرائيل- فلسطين”، ومنعت ناشطاً في “منظمة العفو الدولية” من السفر.
لكن تصنيف هذه المجموعات الست على أنها منظمات إرهابية يتجاوز بكثير الإجراءات السابقة. فهذا التصنيف يحظر أنشطتها، ويجرّم العمل لديها أو دعمها. ويمكن للحكومة الإسرائيلية الآن أن تقوم بإغلاقها. ويمكنها مصادرة ممتلكاتها وسجن موظفيها؛ ويمكنها حتى أن تسجن لمدة ثلاث سنوات أي شخص يعرب عن دعمه أو مديحه أو تعاطفه مع هذه المنظمات بموجب المادة 24 (أ) (1) من قانون مكافحة الإرهاب الإسرائيلي. وفي حين أن تصنيف هذه المنظمات بالإرهابية هو تصنيف إسرائيلي فقط، فمن المرجح أنه سيردع الداعمين الأوروبيين والأميركيين لهذه الجماعات عن تمويلها، والبنوك عن معالجة معاملاتها المالية، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى إثارة الشكوك لدى وكالات إنفاذ القانون الأجنبية أيضًا.
تقوم الحكومة الإسرائيلية بتلطيخ سمعة هذه المنظمات من خلال تكتيك قائم على الجرم بالتبعية. وتتمتع المجموعات الست جميعها بمظهر علماني وتقدمي، كما هو الحال بالنسبة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهي حزب سياسي له جناح عسكري مسلح صنفته الحكومة الإسرائيلية، وكذلك بعض الحكومات الأجنبية مثل الولايات المتحدة، منظمة إرهابية. وتزعم الحكومة الإسرائيلية، بناءً على ما تقوله إنه أدلة سرية، أن هذه الجماعات تعمل كواجهة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وقد أدانت الهيئات والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان، التي عمل العديد منها عن كثب مع هذه الجماعات لسنوات، هذه المزاعم باعتبارها محاولة مغلفة بغلاف رقيق غير مقنع لشل أقدام ما تبقى من المجتمع المدني الفلسطيني الناشط. وتحت ضغط من الحكومة الإسرائيلية والمنظمات غير الحكومية المرتبطة بها، قام الممولون الأوروبيون الحكوميون والخاصون بإجراء مراجعة مالية لسجلات هذه المنظمات الست، لكنهم لم يجدوا أي سوء استخدام للأموال. وأمرت محكمة بريطانية منظمة غير حكومية بريطانية مرتبطة بالحكومة الإسرائيلية بالتراجع عن مزاعمها بأن إحدى هذه الجماعات على صلة وثيقة بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
كما اتهمت السلطات الإسرائيلية اثنين من العاملين في “اتحاد لجان العمل الزراعي” بالمشاركة في قتل مدني إسرائيلي في العام 2019. وفي حين أن التهم في هذه القضية لم تثبت بعد، فإن الموثق جيدًا هو تعرض أحد الموظفين المحتجزين للتعذيب أثناء وجوده في الحجز الإسرائيلي، ما تطلب إدخاله للعلاج في وحدة العناية المركزة في مستشفى إسرائيلي.
يتحدث سجل هذه المجموعات عن نفسه. فقد قدمت إحداها، “الحق”، تقريرًا عن انتهاكات إسرائيلية وفلسطينية لحقوق الإنسان منذ العام 1979. وحصل المدير التنفيذي للمجموعة، شعوان جبارين، على العديد من الجوائز الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك جائزة الجمهورية الفرنسية لحقوق الإنسان، وجائزة “ريبوك هيومان” لحقوق الإنسان للعام 2008، وهو يعمل نائباً لرئيس الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، ومفوض لجنة الحقوقيين الدولية، وعضواً في اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة “هيومن رايتس ووتش”. وفي العام الماضي وحده، أصدرت “الحق” تقارير عن العمال الفلسطينيين في المستوطنات الإسرائيلية، والتعذيب في سجون السلطة الفلسطينية، وانتهاكات السلطة الفلسطينية لحرية التعبير، وضم إسرائيل الفعلي للضفة الغربية. كما قدمت “الحق” أدلة إلى النيابة العامة للمحكمة الجنائية الدولية في تحقيقاتها المعلقة الآن حول جرائم الحرب الإسرائيلية والفلسطينية والجرائم ضد الإنسانية.
لا تُقتصر آثار هذه التصنيفات الإسرائيلية على هذه المجموعات والقطاعات التي تخدمها -الأطفال، والمزارعين، وصيادي الأسماك، والعمال والنساء المعرضات للخطر- فحسب، لكنها تطال أيضًا المجتمع الفلسطيني ككل، الذي يكافح تحت وطأة احتلال عمره 54 عامًا والقيود على السفر التي أدت إلى تشتت المؤسسات المحلية والوطنية. وتستهدف تكتيكات الحكومة الإسرائيلية أي مقاومة للسياسات والممارسات العسكرية الإسرائيلية القمعية -سواء كانت سلمية أو غير ذلك، وتأتي في أعقاب حملة استمرت عقودًا لقطع رأس الجماعات الفلسطينية التي تعمل كحلقة وصل حيوية مع المجتمع الدولي ومنتدياته ومن أجل المطالبة بالمساءلة في الخارج. وهي جزء لا يتجزأ من جهد تم استخدامه أولاً في غزة لعزل الشعب الفلسطيني وإبقائه مقطوعاً، ماديًا ومؤسساتيًا، عن بقية العالم. وهي لا تترك، عمداً، سوى القليل من الملاذ للفلسطينيين الذين يريدون أن يدافعوا سلمياً عن إنهاء الجرائم الإسرائيلية ضد الإنسانية والفصل العنصري والاضطهاد. وسيكون المزيد من العنف وعدم الاستقرار هي النتائج المرجحة.
لن يقتصر تأثير التكتيكات الإسرائيلية على المجتمع المدني الفلسطيني فحسب. فبينما تغرق إسرائيل وتنزلق أعمق في مستنقع الاستبداد وعدم التسامح وخنق المعارضة، كان من بين أولئك المعرضين لخطر الاضطهاد من قبل الحكومة الإسرائيلية، وسوف يظلون كذلك، نشطاء حقوق الإنسان الإسرائيليين واليهود والصحفيون والأكاديميون. وقد تبدو الأهداف الأساسية وكأنها فلسطينية، لكنها ستشمل بشكل متزايد اليهود المنتقدين لسياسات الدولة داخل إسرائيل وخارجها.
ولأن حكومة الولايات المتحدة ما تزال داعمة بطريقة لا لبس فيها لسياسات الحكومة الإسرائيلية هذه، مع ارتباط يمثل عبئًا أكثر بكثير من كونه منفعة لأمنها القومي ولحاجتها الأوسع إلى فك ارتباطها عسكريًا من المنطقة، فإن الولايات المتحدة ستدفع تكلفة أيضاً. وسوف ينتهي بها المطاف وهي تحمل حقيبة الاستفزازات الإسرائيلية، بينما تطالبها إسرائيل بالمزيد من المساعدة العسكرية، والمزيد من الغطاء الدبلوماسي لانتهاكاتها، والمزيد من الدعم السياسي الذي من شأنه أن يُبقي الولايات المتحدة متورطة في الشرق الأوسط إلى أجل غير مسمى.
*Sarah Leah Whitson: المديرة التنفيذية لمؤسسة “الفجر”. شغلت في السابق منصب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة “هيومن رايتس ووتش” من العام 2004 إلى العام 2020، حيث أشرفت على عمل هذا القسم في 19 دولة، مع وجود موظفين له في 10 دول.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: With weak response, US will pay price for Israel’s terror designations