الرئيسة \  واحة اللقاء  \  برميل البارود السوري

برميل البارود السوري

17.06.2013
خالد عباس طاشكندي

عكاظ
الاثنين 17/6/2013
لم يعد لدي شك بأن سوريا ــ نظاما مستبدا، وشعبا، ومعارضة مشتتة ــ جميعهم وقعوا ضحايا لصراع جبابرة بين أقطاب القوى العظمى التي تلاعبت بأطراف النزاع في سوريا كالدمى التي ظلت تتحرك بحسب المصالح الإقليمية لتلك القوى، ووفق سيناريو فلسفي مبهم تحيك مشاهده السيكو ــ تراجيدية من خلف الكواليس الأطراف الحقيقية لهذا الصراع الدامي والحافل بالمشاهد المأساوية التي أغرقت الساحة بدماء المدنيين.
أول الخيط في تحليل هذه الصورة السريالية عن حقيقة المشهد السوري يرتبط بالحوار المثير الذي اجراه ثعلب السياسة الأمريكية الشهير هنري كسينجر وزير خارجية الولايات المتحدة في عهد ريتشارد نيكسون لصحيفة «دايلي سكيب» الإلكترونية بتاريخ 27 نوفمبر 2011 حول رؤيته للأوضاع في الشرق الأوسط، وتحدث كسينجر ــ حينها ــ بشوفينيته المفرطة تجاه الإمبريالية الأمريكية وكيفية بسط هيمنتها على المنطقة والعالم، حيث أوضح أن ما يجري في المنطقة هو تمهيد لحرب عالمية ثالثة ستخوضها الولايات المتحدة ضد روسيا والصين، وأن إدراك أوروبا لحقيقة المواجهة العسكرية المحتومة هو ما دفعها للمسارعة بالتوحد تحت مظلة كيان واحد متماسك، مختتما حديثه بقوله: «طبول الحرب الثالثة بين الغرب والشرق تدق والأصم هو من لا يسمعها».
البعض توقع ــ حينها ــ أن حديث كسينجر أتى كردة فعل انفعالية على الفيتو المزدوج الأول لروسيا والصين مطلع أكتوبر 2011، والذي أحبط يومها صدور قرار أممي بإدانة نظام الأسد المستبد وممارساته الوحشية ضد الشعب السوري، ولكن كسينجر لا يهذي بحوار انفعالي في خضم أحداث مشتعلة في المنطقة، خصوصا أن هذا السياسي المخضرم يمر على يديه عشرات التقارير الاستخباراتية والسياسية التي تصله عبر عدد من المراكز البحثية المميزة التي يرتبط بها، ومن وجهة نظر شخصية، أنه كان يتحدث عن الصراع الدائر بين مشروعي «نابوكو» و«ساوث ــ ستريم» لخطوط نقل الغاز الطبيعي بين أوروبا وآسيا، المشروع الأول تدعمه الولايات المتحدة وابتدأ منذ عام 2002م، وكان مقررا له أن يرى النور خلال العام القادم، ولكن جاءت روسيا لاحقا بمشروع «ساوث ــ ستريم» الذي عمل على قطع الطريق على المشروع الأمريكي منذ عام 2007، وهذا التنافس غير الحميم جعل من سوريا ذات الموضع الجيو ــ استراتيجي مركزا لحرب مشاريع الغاز لهذه القوى، بما فيها إيران التي هي أيضا شرعت في بناء خط أنابيب على امتداد 5 آلاف كلم لنقل الغاز عبر سوريا إلى أوروبا، وهذا الاستنتاج هو انعكاس لعشرات التقارير السياسية التي صدرت منذ اندلاع النزاع المسلح في سوريا واتفقت على هذه الخلاصة (Syria, the center of the gas war in the Middle East).
أما بالنسبة لروسيا وموقفها الداعم لنظام للأسد، فمن المؤكد أنها لن تتراجع عن هذا الدعم؛ لأن لدى الكرملين قناعات بأن المعارضة لن تستطيع السيطرة على زمام الأمور في حال سقوط نظام الأسد، وذلك لأسباب جذرية في التركيبة الديموغرافية لسوريا التي تعج بكم كبير من القوميات والطوائف والطبقات التي حكمت لعدة عقود بالحديد والنار منذ الحركة التصحيحية التي قادها نظام الأسد الأب عام 1970م، ولم يستطيع الأسد الابن من بعده في استحداث طبقة وطنية حديثة وسليمة ديمغرافيا وسياسيا واقتصاديا تتعايش فيما بينها سلميا وفق أسس تسمح بتحقيق الديموقراطية المنشودة في المنطقة، وبالتالي تدرك روسيا أن سقوط نظام الأسد سوف يضر بتواجدها في المنطقة وحفاظها على موانئها الدافئة في طرطوس، والقاعدة العسكرية التي أسست منذ عام 1963م لتكون نافذة للأسطول البحري الروسي مطلة على أوروبا ومصدر دخل استراتيجي لروسيا عبر عقود التسليح التي جلبت للاقتصاد الروسي مليارات الدولارات.
أما الاجتماعات الثنائية المكثفة بين الولايات المتحدة وروسيا حول الأزمة السورية، فالمعتقد السائد أنها تهدف لإيقاف الصراع، ولكن ماذا كانت الجدوى من هذه اللقاءات التي لم يتضح محتواها علنا، ولم تأت بأي نتيجة منذ زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي توم دونيلون إلى موسكو في منتصف أبريل الماضي، ثم تبعتها بعد ثلاثة أسابيع زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى موسكو أيضا، ثم اجتمعوا أيضا مطلع الشهر الحالي مع مندوبين عن النظام السوري والمعارضة قبل اجتماع الدول الثمان الكبرى في بريطانيا، كل هذه الاجتماعات عجزت عن الخروج بحل للأزمة، والواقع الحقيقي يدل على أنهم أطراف الأزمة الحقيقية وجذور هذا الصراع، وهذه الاجتماعات ليست سوى بروتوكولات وأدبيات لهذا الصراع بين القوى العظمى، وتحليل واقع هذا الصراع لا يبدو أنه سينتهي باتفاقية شبيهة بـ«سايكس بيكو سازانوف» أو معاهدة «سان ريمو»؛ لأن المصالح لم تعد مشتركة في هذه المرحلة.
الوضع الراهن، ومنذ اندلاع الأزمة في سوريا، يبرهن أن هناك عجزا أو تكاسلا دوليا عن حماية الشعب السوري نتيجة عوامل وتوازنات دولية وحسابات اقليمية، وأن كسر هذا الوضع الراهن (Status quo) عملية صعبة جدا، خصوصا أن محددات العمل الدولي التي تعطي القوة لمجلس الأمن حسب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وقفت مكتوفة الأيدي عن حسم هذا الصراع، وسيناريو «الحل» شبه الوحيد يتطلب تقديم تنازلات كبيرة من أطراف النزاع داخل سوريا، وعدا ذلك فإن هناك تطورا دراماتيكيا للمعركة ابتدأ مع الحشد والتأجيج لصراع قادم، وما هو إلا إيديولوجية مستحدثة من الأطراف الكبرى لتمديد أمد الصراع ورقعته الجغرافية، ولذلك فإن لم يخرج الأسد، فإن المنطقة ستكون فتيلا لبرميل البارود السوري.