الرئيسة \  تقارير  \  بروجكت ساينديكيت: هؤلاء هم الرابحون والخاسرون من الحرب على أوكرانيا حتى الآن

بروجكت ساينديكيت: هؤلاء هم الرابحون والخاسرون من الحرب على أوكرانيا حتى الآن

05.04.2022
عبدالرحمن النجار


عبدالرحمن النجار
ساسة بوست
الاثنين 4/4/2022
ربما تكون الحرب على أوكرانيا قد دمرت الكثير منها ماديًّا، بيد أن العقوبات غير المسبوقة والعزلة الاقتصادية تدمر روسيا اقتصاديًا.
أعد ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، مقالًا نشره موقع “بروجكت ساينديكيت”، قال فيه إن قرار بوتين غزو أوكرانيا أشعل حربين: حربًا روسيةً شنت بشكل أساسي ضد مدن أوكرانيا والسكان المدنيين، وحرب خاضتها القوات المسلحة الأوكرانية ضد القوات الروسية. ويرى هاس أن روسيا تنتصر بالفعل في الحرب الأولى، في حين تنتصر أوكرانيا في الثانية، ويبقى التعاون الدولي الخاسر الوحيد في كل مكان.
وأوضح هاس أنه من الناحية المثالية، ستؤدي المفاوضات إلى وقف إطلاق النار وتسوية دائمة، بيد أنه من المرجح بالقدر ذاته، إن لم يكن أكثر، أن يستمر الصراع لبعض الوقت، خاصة إذا قرر بوتين تبني إستراتيجية تقلل من تعرض قواته للقتال، ورفَض تنفيذ نتيجة المفاوضات بالشروط التي قد تقبلها حكومة أوكرانيا، وستكون النتيجة “حرب محدودة، بلا سلام”، على حد تعبير تروتسكي.
روسيا الخاسر الأكبر
من السهل الإشارة إلى الخاسر الأكبر: روسيا. جلي الآن أن بوتين لن يكون قادرًا على تحقيق الأهداف السياسية التي سعى إليها على الأرجح، وهي الزحف نحو كييف واستبدال حكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بحكومة صديقة للكرملين. ويوضح هاس أنه ربما تكون حرب بوتين المختارة قد دمرت الكثير من أوكرانيا ماديًّا، لكن العقوبات غير المسبوقة والعزلة الاقتصادية التي أحدثها قراره تدمر روسيا اقتصاديًا.
بالإضافة إلى ذلك غادر العديد من الروس الموهوبين البلاد، وتلقى الجيش الروسي الخسائر دفعة واحدة؛ إذ فقد ما يصل إلى 15 ألف جندي في شهر واحد، وظهر كقوة هشة، وهو ما سيستغرق سنوات لإعادة بنائه.
ويؤكد هاس أن الحساب أكثر تعقيدًا عندما يتعلق الأمر بأوكرانيا؛ إذ يُعد صمود قيادتها ومجتمعها وقواتها المسلحة أعجوبة، فالهوية الوطنية أقوى من أي وقت مضى؛ وقد عززت المقاومة القوية لأوكرانيا ديمقراطيتها الفتية، بحسب تعبير هاس. لكن هذا التعزيز كان له تكلفة باهظة؛ إذ يقدر أن 10 ملايين أوكراني – ربع السكان – مشردون داخليًا أو لاجئون، بالإضافة إلى دمار الاقتصاد الذي ستستغرق إعادة بنائه الكثير من الوقت والمال.
الرابحون
ويوضح هاس أن الناتو، على الرغم من عدم اختباره عسكريًا، يعتبر فائزًا كبيرًا حتى الآن، فقد بات أكثر اتحادًا أمام العدوان الروسي، كما أنه يستفيد من الأداء الضعيف للقوات المسلحة الروسية، التي لا تضاهي الحلف الغربي، ويستفيد من رئيس أمريكي يؤمن به.
ويشر هاس إلى أن ألمانيا وحكومتها الجديدة ومستشارها هم فائز كبير آخر. إذ جاء في رد حكومة المستشار أولاف شولتس فهمًا ضمنيًّا أن إرث سلفه، أنجيلا ميركل، أصبح الآن أكثر ارتباكًا؛ لأنها سمحت لألمانيا بأن تصبح شديدة الاعتماد على الطاقة الروسية.
يمثل قرار شولتز بإلغاء خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2، والتعهد بمضاعفة الإنفاق الدفاعي، والاستعداد لنقل الأسلحة إلى أوكرانيا تغييرات كبيرة ومهمة. وبحسب هاس، تتمثل خيبة الأمل الوحيدة في أن الاقتصاد الألماني سيستغرق سنوات لفطام نفسه عن الغاز الروسي، وهو واقع يوفر ثقلًا كبيرًا للاقتصاد الروسي.
أضاف هاس أن الرئيس الأمريكي جو بايدن هو أحد الرابحين. لقد أدار بمهارة سياسة دعم أوكرانيا، ومعاقبة روسيا، ورفض الدعوات لوضع التدخل المباشر، أو إنشاء منطقة حظر طيران، وقد فعل ذلك دون المخاطرة بإشعال حرب عالمية ثالثة.
لقد جمع بايدن أيضًا حلفاء أمريكا معًا، وهو أمر تشتد الحاجة إليه بعد سنوات ترامب والانسحاب الأمريكي السيئ من أفغانستان. ولكن كانت إحدى زلاته الرئيسة هي وصفه بوتين بمجرم حرب، والتلميح إلى تغيير النظام، بينما يجب أن يكون هدف السياسة الأمريكية هو حمل بوتين على وقف الحرب، وتجنب أي تصعيد من أي نوع.
المزيد من الخاسرين
أما الصين ورئيسها، شي جين بينج، فهما في وضع إستراتيجي أسوأ مما كانا عليه قبل شهر واحد فقط. فمن خلال الارتباط الوثيق مع بوتين، عرّض شي نفسه للنقد بسبب الحكم المعيب الذي يضر بسمعة الصين ويزيد من مخاطر استهدافها بعقوبات ثانوية.
وبينما سعت الصين منذ فترة طويلة إلى تقسيم الغرب، فإن تحالفها مع روسيا أدى إلى عكس ذلك، فقد أدى إلى تنفير أوروبا الغربية، حيث كانت بكين تحقق نجاحات اقتصادية كبيرة. كما أنه سيؤدي إلى سياسة أمريكية أكثر صرامة تجاه الصين ويسلط الضوء على التكاليف التي يمكن أن تواجهها إذا تحركت عسكريًّا ضد تايوان.
في المقابل فإن الخاسرين أكثر بكثير من الفائزين، وهو ما يليق بالحرب؛ إذ تبدو الأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن، عاجزة عن العمل. لقد أضرت الحرب بالجهود العالمية لإبطاء انتشار الأسلحة النووية، وكانت أوكرانيا قد تخلت عن مخزونها منذ 28 عامًا في مقابل ضمان سلامتها الإقليمية، إلا أنها تعرضت للغزو مرتين منذ عام 2014. كما كانت الأزمة سيئة أيضًا بالنسبة للجهود المبذولة لمكافحة تغير المناخ، والتي يبدو أنها تراجعت مؤقتًا على الأقل لصالح تدابير لتعزيز أمن الطاقة.
إنها أيضًا أزمة سيئة بالنسبة لأولئك الذين كانوا يجادلون بأن غزو الأراضي والحروب بين البلدان شيء من الماضي، أو أولئك الذين جادلوا في السنوات الأخيرة بأن العالم في أفضل أحواله. كما تقف الأحداث أيضًا ضد حجج أولئك الموجودين في اليسار واليمين على حد سواء الذين يجادلون بأن الخطر الأكبر على الأمن الدولي هو تدخل الولايات المتحدة المفرط، وأنه يمكن أن تتحول إلى الاهتمام بالداخل بأمان.
أخيرًا وليس آخرًا، هناك مسألة ماذا سيعني هذا الصراع للنظام العالمي. لقد انتهك الغزو الروسي المبدأ الأساسي للاستقرار الموجود في العالم: ألَّا يجري تغيير الحدود بالتهديد، أو باستخدام القوة. وسيتوقف كثير من الأمور على ما إذا كان بوتين سيفلت من مقامرته، أو ما إذا كان الثمن الذي يجبر على دفعه يفوق أي مكاسب. وسيحدد هذا، أكثر من أي شيء آخر، الحكم النهائي للتاريخ فيما يتعلق بمن ربح ومن خسر في حرب بوتين.