الرئيسة \  تقارير  \  بروجيكت سنديكيت :مجموعة العشرين وسبل تحقيق السلامة المناخية

بروجيكت سنديكيت :مجموعة العشرين وسبل تحقيق السلامة المناخية

30.10.2021
جيفري د. ساكس


جيفري د. ساكس*
الغد الاردنية
الخميس 28-10-2021
قال الفيلسوف إيمانويل كانط في مقولة شهيرة: “إن من يريد الوصول إلى غاية ما يريد أيضا الوسيلة الضرورية والممكنة لتحقيقها”. بمعنى أنه عندما نحدد هدفًا، يجب أن نتخذ الإجراءات اللازمة لتحقيقه. وهذا مبدأ أساسي بالنسبة لحكوماتنا، وينبغي أن يوجِّه قادة مجموعة العشرين عندما يجتمعون في روما في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول لمواجهة أزمة المناخ.
لقد حدد العالم هدفًا في اتفاقية باريس للمناخ وهو الحفاظ على الاحترار العالمي في حدود 1.5 درجة مئوية مقارنة مع مستويات ما قبل العصر الصناعي. وأوضح الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ سبب اعتبار هذا الهدف منطقيا. إن ارتفاع درجات الحرارة إلى أكثر من 1.5 درجة مئوية من شأنه أن يعرض الحياة على الكوكب للخطر، مع احتمال ارتفاع مستوى سطح البحر لعدة أمتار، وانهيار النظم البيئية المهمة، وإطلاق غاز الميثان بسبب ذوبان التربة الصقيعية، مما قد يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة جامدة. ومع ذلك، فإن المسار الحالي للعالم يشير إلى زيادة كارثية في درجة الحرارة العالمية بمقدار 2.7 درجة مئوية.
وفي وقت سابق من هذا العام، أظهرت وكالة الطاقة الدولية المسار التكنولوجي نحو تحقيق هدف 1.5 درجة مئوية. ويجب أن نزيل الكربون عن نظام الطاقة العالمي بحلول منتصف القرن. وهذا ممكن من خلال التحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة والوقود الأخضر في ما يتعلق بتوليد الطاقة، والنقل، والمباني، والصناعة. وفضلا عن ذلك، نحتاج أيضًا إلى وقف إزالة الغابات واستعادة الأراضي المتدهورة على نطاق واسع.
وحتى الآن، ما تزال الحكومات تفشل فشلا ذريعًا في القيام بدورها. فقد جاء على لسان غريتا ثونبرغ عبارة فريدة قالت فيها أنه عليها أن تتجاوز “الكلام”. وينبغي أن تحدد الوسائل اللازمة لإزالة الكربون.
أولاً، تحتاج الحكومات إلى التخطيط لنظام الطاقة وتغييرات استخدام الأراضي حتى منتصف القرن. ونظرا لأنه لا تفصلنا عن العام 2050 سوى 28 عامًا، وأمام الحاجة إلى إصلاح شامل لأنظمة الطاقة وممارسات استخدام الأراضي، يجب على الحكومات التخطيط للاستثمارات والسياسات العامة اللازمة. ويجب أن تكتسب القبول والدعم لتلك الخطط من خلال إخضاعها للتدقيق العام، والنقاش، والمراجعة.
ثانيًا، يجب على الحكومات سن القوانين. إذ كتبت وكالة الطاقة الدولية بوضوح في تقريرها أنه ليست هناك حاجة أو مبرر لاستثمارات جديدة في الوقود الأحفوري. إذ لدينا ما يكفي من احتياطيات الوقود الأحفوري المؤكدة. ويجب ألا تحصل أي دولة على تصريح بإنهاء عمليات التنقيب الجديدة وتطوير الوقود الأحفوري.
ثالثًا، يجب على الحكومات أن تمول- على نطاق واسع- بنية تحتية خالية من الكربون، مثل شبكات الطاقة المتجددة الوطنية والإقليمية (على سبيل المثال، ربط الاتحاد الأوروبي وشمال إفريقيا وشرق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط)، بالإضافة إلى كهربة النقل والمباني.
رابعًا، يجب على حكومات الدول الغنية المساعدة في تمويل جهود الدول الفقيرة للقيام بالاستثمارات المطلوبة. ولطالما وعدت الدول الغنية بالقيام بذلك، لكنها أخفقت في حشد 100 مليار دولار سنويًا- فقط 0.1 ٪ من الناتج العالمي- تعهت بها لأول مرة في العام 2009.
خامسا، يتعين على الدول المتقدمة تعويض العالم النامي عن الأضرار المناخية التي أحدثتها بالفعل، والتي ستشتد في المستقبل. فقد أطلقت الولايات المتحدة 25 ٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي يعود تاريخها إلى العام 1751، على الرغم من أن ساكنتها تشكل أقل من 5 ٪ من سكان العالم. وتعاني البلدان في جميع أنحاء العالم من كوارث مناخية هائلة نتيجة لسوء استخدام الطاقة في الولايات المتحدة. ومع ذلك، لم تقدم الولايات المتحدة وغيرها من المصادر التاريخية الرئيسة التي للانبعاثات، شيئًا كتعويض عن الأضرار التي تسببت فيها.
أخيرًا، يتعين على أثرياء العالم، المسؤولين عن كثرة استخدام الوقود الأحفوري في بلدانهم وعلى نطاق عالمي، أن يدفعوا نصيبهم العادل من تكاليف التكيف مع المناخ. ومع ذلك، على العموم، فإن أغنى الناس يهربون من الضرائب العادلة، كما هو موضح مرة أخرى في أوراق باندورا، وتقرير بروبوبليكا عن التهرب الضريبي.
وهناك بعض الأخبار السارة. إذ تتخذ العديد من الحكومات بعض الخطوات في الاتجاه الصحيح. ويضطلع الاتحاد الأوروبي بدور القيادة في هذه المهمة، عن طريق الاتفاقية الأوروبية الخضراء، التي تعهدت للاتحاد الأوروبي بتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول العام 2050. وتعهدت اليابان، وكوريا الجنوبية أيضًا بالوصول إلى صافي الصفر بحلول العام 2050، ويحاول الرئيس جو بايدن ضم الولايات المتحدة إلى المجموعة. لقد حددت الصين، وإندونيسيا، وروسيا هدف صافي الصفر بحلول العام 2060، وهو أمر مشجع، ولكن يمكن تسريع وتيرته، بل ينبغي ذلك.
ومع ذلك، فإن الدول الرئيسة المصدرة للانبعاثات مثل أستراليا، والهند، والمملكة العربية السعودية، لم تقدم أي تعهد من هذا القبيل، وتظهر الولايات المتحدة علامات على فشل سياسي هائل آخر في معالجة تغير المناخ، على الرغم من جهود بايدن. إذ منذ التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في العام 1992، أوقف مجلس الشيوخ الأميركي أي إجراء لتنفيذ المعاهدة واتفاقية باريس للمناخ.
ويبدو الآن أن هذا السجل الحافل من التراخي الذي يهدد العالم سيستمر. ففي الأيام القليلة الماضية، كان مجلس الشيوخ الأميركي منشغلاً بإصدار تشريعات الميزانية التي تحمل توقيع بايدن والتي تندرج في إطار أهم سياساته المناخية. ويعارض جميع أعضاء مجلس الشيوخ الخمسين الجمهوريين، وعدد قليل من الديمقراطيين بقيادة جو مانشين من ويست فرجينيا “خطة الطاقة النظيفة” التي وضعها بايدن من أجل إزالة الكربون من قطاع الطاقة الأميركي.
إن الشيء الملفت للنظر في الفساد الأمريكي هو مدى وضوحه. فقد أنفقت صناعة النفط والغاز 140.7 مليون دولار على انتخابات 2020 (تبرعت بنسبة 84 ٪ للجمهوريين) و112 مليون دولار على جماعات الضغط العام الماضي. وتم تسجيل أحد أعضاء جماعات الضغط من شركة إيكسون موبيل، وهو يعترف بأن مانشين هو “صانع الملوك” في قطاع الصناعة في الكونغرس. إن قبضة بايدن على السلطة ضعيفة جدا، وفساد الكونغرس الأمريكي مترسخ للغاية، بحيث لا يستطيع الرئيس حتى مواجهة سناتور دولة صغيرة من حزبه، والذي يجب أن يشعر بالخزي والسخرية بسبب إخلاصه لشركة Big Oil (بيغ أويل).
ولدى حكومات مجموعة العشرين واجب أخلاقي لاعتماد الوسائل لتحقيق الهدف المتفق عليه عالميًا للسلامة المناخية. إذ تمثل بلدانها ما يقرب من 80 ٪ من الناتج العالمي وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ويمكن لاتفاق بين هذه الحكومات- متبوعًا بإجراءات محددة، بما في ذلك مواجهة الفساد في بلدانها- تغيير المسار العالمي بشأن تغير المناخ.
إن العديد من حكومات مجموعة العشرين مستعدة لاتخاذ اجراءات اللازمة، وعليها أن تنادي المتقاعسين. ويجب أن تنَبه الولايات المتحدة إلى أن رد أميركا الفاشل لا تطيقه بقية العالم. وينبغي نقل الرسالة نفسها إلى أستراليا، والهند، والمملكة العربية السعودية. ولا يمكن أن يكون هناك تسامح مع الفساد المناخي والإفلات من العقاب في عالم يحترق.
 
*أستاذ جامعي في جامعة كولومبيا، ومدير مركز التنمية المستدامة بجامعة كولومبيا، ورئيس شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت.